تغطية : إياد البحيري
تحت عنوان "صراع المصالح بين إيران والولايات المتحدة الأميركية" اختتم المركز اليمني للدراسات التاريخية وإستراتيجيات المستقبل فعاليات برنامجه الثقافي للعام 2008م على أساس أنه سيواصلها بعد عيد الفطر المبارك، وكانت المحاضرة التي اختتم بها المركز عصر الثلاثاء الماضي للأستاذ/ عبدالله عبد الإله نعمان حيث استعرض فيها تنافي العداء بين إيران وأميركا، وفيما يلي تفاصيل أكثر فائدة ومعلوماتية، ولذلك ننشر المحاضرة على حلقات.
كانت أولى المؤشرات الخطرة على تنامي العداء بين إيران والولايات المتحدة أزمة الرهائن الأمريكيين التي استمرت (444) يوماً، وطرد البعثة الإسرائيلية ورفع العلم الفلسطيني على سطح السفارة الإسرائيلية بدلاً عن العلم الإسرائيلي.
مرارة تلك الأحداث مثلت اهانة لكبرياء الولايات المتحدة لم تمحى من ذاكرتها وظلت أمريكا في المراحل اللاحقة تتحين الفرصة المناسبة للرد وللانتقام، وهكذا ومع التسيُّد القطبي للولايات المتحدة منذ العام 1990م، أصبح الوضع الدولي مهياء للبدء بتنفيذ المخططات التآمرية للمرحلة الجديدة مرحلة ما بعد نهاية التاريخ كما يزعمون.
العراق وإيران دولتان غير حليفتان وعضوان في محور الشر حتى وإن وجد ثمَّة تواصل موضعي مع الولايات المتحدة مباشر أو غير مباشر نظرا لتقاطع المصالح، لكنه لم يرقى إلى مستوى العلاقات التحالفية وقد ثبت للولايات المتحدة أن العراق وإيران دولتان تتنامى قوتهما الاقتصادية والعسكرية بشكل مضطرد، وإنهما يسعيان إلى الاعتماد على قدراتهما الذاتية وإلى التمكن من اتخاذ القرار السيادي بشكل مستقل والأهم من ذلك كله أنها تشكلان خطراً على المصالح الأمريكية والأمن الإسرائيلي ناهيك عن دورهما الريادي في المنطقة وتأثيراته على حلفاء الولايات المتحدة ممن يوصفون بالقوى المعتدلة.
وإزاء هذا الثنائي الخطر كان لابد من عمل ما خاصة مع توفر الأرضية الرخوة في علاقتهما، وهي أرضية سهلة الاختراق، وهذا ما دفع أمريكا إلى تبني سياسة الاحتواء المزدوج لضرب مقدراتهما معاً عبر الاصطراع المسلح بينهما، ونجحت في ذلك إلى حد كبير.
بعد وقف إطلاق النار بين العراق وإيران لم تكن نتائج الحرب ملبَّية للطموحات الأمريكية أو إنها لم تكن كافية بالقدر الذي يسمح لتمرير بقية عناصر المخطط التآمري وأتضح جلياً أن الحرب ولدت لدى طرفيها النزعة لتطوير القدرات العسكرية وفي جزء كبير منها بالاعتماد على الذات، وهو أمر غير مرغوب فيه البتَّة، فانتقلت سياسة الاحتواء المزدوج إلى موقعا آخر وهو ضربهما معاً وأن في أوقات مختلفة أو متباعدة.
وعلى أثرها شتت الولايات المتحدة وحلفائها حرباً عدوانية سافرة على العراق لا مثيل لها في التاريخ (قياساً بحجم العراق وإمكانياته)، فسقط العراق ذبيحاً مضرجاً بدمائه الزكية بفعل العدوان والتآمر الأمريكي والغربي والعربي والإيراني ودولاً أخرى وبما يوازي ربع العالم تقريباً ليس فقط بحجمه السكاني بل وبقدراته العسكرية.
وبعد العراق أخذت أمريكا تتحين الفرصة لضرب إيران، ولكن المقاومة العراقية الباسلة أسهمت إلى حد كبير بتعطيل مخطط الدومينو (Domino) الأمريكي المرتكز على التوسع والسيطرة وفتح المزيد من المنافذ المغلقة، ودفع ذلك أمريكا إلى تأجيل مشروعها، ومنحت المقاومة العراقية إيران وأن بشكل غير مباشر الوقت الكافي للتحصن.
لإحكام الحصار على إيران وعزلها كان لابد من البحث عن ذارئع معينة على طريقة التابو (Tabo) مثل قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية لتثير معها اهتمامات الدول الغربية الغيورة على تلك القضايا، وحينما لم تجد نفعاً تلك التهم ابتكرت الولايات المتحدة تهماً أخرى تشمل قضايا التسلح والإرهاب والخطر الإيراني على المنطقة.
بداية المشوار فرضت الولايات المتحدة على إيران لما يُعرف بقانون (جميتو) القاضي بإلزام الشركات الأمريكية بعدم التعامل مع إيران وفي الواقع كان القانون موجهاً وموحياً لكل الدول الحليفة لإن تحذوا حذوها، ذلك القانون وما تلاه من حلقات متتالية لتشديد الحصار وفرض المزيد من العزلة على إيران لا شك بأنها أحدثت ضرراً في المصالح الاقتصادية الإيرانية على الصعيدين العام والخاص، لكنها لم تكن حاسمة ولم تؤدي إلى نتائج فعالة، كما أنه أنعكس سلباً على الشركات الأمريكية وخاصة النفطية منها بعد أن حُرمت من حق الامتياز، مقابل قيام عدداً من الشركات الآسيوية والأوروبية باستغلال هذه الفرصة والتعاقد مع الحكومة الإيرانية على حساب الشركات الأمريكية المنسحبة. كان بمقدور إيران أن تتعامل مع الولايات المتحدة بودَّية ورفق وبقدر من الإذعان كما هو الحال شأن عدداً من الأنظمة الأخرى عربية وغير عربية، لتُصبح نجماً لامعاً في سماء المنطقة وأن تصبح وريثاً للشاه وإن بشكل مختلف لكنها لم تفعل.
هناك من يتشكك من حقيقة هذه المواقف معتبراً اياها سياسة برجماتية يغلب عليها الجانب التظاهري والنفعي أكثر من الجانب العقائدي والمبدئي، تلك التشكيكات تتوزع في معظمها على ثلاثة أبعاد:
1. إيران دولة طموحه تسعى لاستعادة مجدها التاريخي والحضاري.
2. إيران تمتلك مشروعاً إقليمياً وربما عالمياً لتسيُّد المذهب الشيعي.
3. أن العداء الإيراني الإمريكي عداء مصطنعاً يتوافق مع السيناريو المرسوم من قبل الطرفين وما يبدو في الظاهر ليس سوى أكليشات أو مسرحية يراد بها خداع وتظليل الرأي العام بما فيه السواد الأعظم من الشعب الإيراني نفسه وخير دليل على ذلك الاتفاق الكواليسي بين الطرفين على الدفع نحو الارتفاعات السعرية للنفط من خلال التخويف المستمر من احتمالات الحرب والأحداث المصطنعة التي ترفع من درجات التوتر وتؤثر على الاتجاهات السعرية في أسواق النفط. وكل الحيثيات تؤكد أن إيران والولايات المتحدة عبر شركاتها النفطية العاملة في كل أصقاع الأرض من أكبر المستفيدين من هذه العملية التي يتشكك الكثيرين من حقيقتها ودوافعها وخاصة مع ازدياد التدفق النفطي إلى الأسواق العالمية كمحركاً يفترض به أن يحافظ على ثبات الأسعار على الأقل إذ لم يتمكن من تخفيضها وليس العكس، ومعلوم أن الاقتصاد الأمريكي والشركات الأمريكية تخلصت من المعاناة وحالات التدهور بفضل الاستفادة من العائدات الضخمة التي وفرتها لهم الارتفاعات السعرية للنفط أما إيران فيكفي الإشارة إلى ميزانياتها المتصاعدة ففي العام 2002م- 2003م، كانت الميزانية (86) مليار دولار وفي العام 2004- 2005م )127) مليار دولار أما في العام 2007-2008م فقد بلغت (307) مليار دولار ومكنها ذلك من تمويل صناعاتها العسكرية وبرنامجها النووي.
وبرأينا أن أسباب ارتفاع النفط تعود إلى العقوبات الأمريكية التي تعرقل بشكل واضح محاولات إيران زيادة إنتاجها من النفط وأيضاً حالة التوتر الدائم والتخوف من نشوب الحرب.
وفي إطار العلاقات التي ترتبط بتقاطع المصالح بين إيران والولايات المتحدة نشير إلى عددٍ من الوثائق التي أوردت أو كشفت وقائعاً مختلفة تنم عن التواصل واللقاءات السرية التي تفرضها الاحتياجات وطبيعة المصالح بينهما والتي لا تعني بالضرورة بإن الطرفين يقفان في خندق واحد أو في جبهة واحدة.
- فضيحة إيران كونترا وردت في أكثر من وثيقة ونستدل بما تضمنته مذكرات كولن باول وزير الخارجية السابق حول صفقات صواريخ تاون الأمريكية حيث كانت القيادات العسكرية في البنتاجون تخرج هذه الصواريخ من مخازنها وتسجل على أنها دعم لجبهة الكونترا المناهظة لنظام جوانيمالا ثم تقوم ببيعها إلى إيران وهي ما سميت بعد اكتشافها بفضيحة إيران كونترا.
- صحيفة الجارديان البريطانية نشرت ذات مرة تفاصيل عما وصفته بإنه إنذار مبكر تضمنت تلك التفاصيل قائمة من الشركات والأفراد الذين لهم علاقة بعملية الانتشار النووي، واعدت هذه القائمة وكالة الاستخبارات الألمانية (BND). هذه القائمة أثارت غضب الإدارة الأمريكية لأنها احتوت على العديد من أسماء الشركات والجهات التي تتعامل معها الأجهزة الاستخباراتية الأمريكية في إشارة إلى تعامل هذه الشركات مع الحكومة الإيرانية.
- في قناة (CNN) على الانترنت إشارة إلى تسريبات خبرية مقتضبة من تقارير سرية تفيد بإن القيادات العسكرية في البنتاجون قامت ببيع إيران معدات عسكرية ولإكثر من مرة (ست مرات) عبر مزادات الأسلحة الفائضة التابعة للبنتاجون. وحيال تلك التشكيكات والوقائع المثبتة أو الموثقة والتي نعتقد بأنها حتى وأن حدثت فعلاً لا تنفي الطبيعة العدوانية والتنافرية بين النظامين وصراعهما المستمر على المصالح والنفوذ ومحاولة كل طرف إزاحة الآخر من الموقع الذي يرغب التموضع فيه، إنه صداماً بين مشروعين يحتوى كل مشروع منهما على مكونات لن تتحقق إلا بهزيمة طرف وانتصار الطرف الآخر تلك المكونات لا تعطي مجالاً للتوافق كونها مختلفة ومتناقضة ومتشعبة فالمشروعين الفرنسي والألماني يمكن أن يلتقيا ويتوافقا وكذا مشروعي بريطانيا وأمريكا أو مشروعي اليابان وكوريا الجنوبية أو حتى الصين وروسيا.
الكثير من الناس يقعون أو يقتنعون بما تبثه وسائل الإعلام والتي هي في الغالب مدروسة وموجهة إما للتلميع أو للإساءة، وهناك من يقتنع بشائعات الشارع التي يطلقها نفر من الحاقدين أو المعجبين، فلماذا لا يعتمد على الحدث ذاته أي على ما يحدث في الأرض فعلاً لأنه الخيار الأقرب لفهم المسار والتوجهات ومن أمثلة ذلك حزب الله الذي ما يزال في دائرة الشك لدى الأنظمة المعتدلة وبعض التيارات الدينية المتعصبة حيث يستند المشككين إلى حجج وافتراضات تتقيد بحدودها النظرية وبطابعها الفلسفي الديني المشبع بالتزمت الفكري والحقد تجاه الآخر.
ونتساءل لماذا لا يتم الأخذ بالوقائع والحيثيات وبما يدور على الأرض فتهمة أنك مجرماً لا تقودك إلى السجن وقد يعاقب في الأخير من أساؤوا إليكم بهذه التهمة، ولكن عند ارتكابك فعلاً لأي جريمة تصبح مجرماً وليس متهماً وعندها يطالك القانون.
وتأسيساً على ذلك فحزب الله خاض عدداً من الحروب والمعارك والعمليات الفدائية مع إسرائيل، وحزب الله لم يشاء أن يتلطخ بحرب أهلية وحزب الله لم يسعى إلى الاستئثار بالسلطة ولم يتلفظ بما يسيء لغير الشيعة، وحزب الله يعتز بانتمائه العربي دون أن يتنكر لعلاقته القوية مع إيران.
فأي خيار هو الأفضل لتقييم ومعرفة حقيقة حزب الله خيار المتقولين المتشككين أما خيار الثبوتيات والحقائق ويمكن أن نحتكم بذات الأسلوب لمعرفة واقع العلاقات الأمريكية الإيرانية.
- أمريكا أصدرت قانون لمحاصرة إيران.
- عملية الإنزال الجوي الفاشلة في الصحراء الإيرانية وهي ما سميت بإيران جيت.
- تعمل على دعم المعارضة ومجاهدي خلق.
- أرسلت جواسيسها إلى إيران.
- اختراق طيرانها التجسسي للأجواء الإيرانية لأكثر من مرة.
- الاحتكاكات البحرية الساخنة بين قوات الطرفين في المياه الخليجية.
- السعي لإجبار مجلس الأمن لفرض المزيد من العقوبات.
وفي كتاب جميس رايس (State of Ware) تحدث فيه عن مؤامرة لوكالة الاستخبارات المركزية (CIN) أطلق عليه اسم عملية (ميرلين) حيث كان من المقرر أن يقوم عالم نووي روسي كان يعمل سابقاً لحساب (CIN) بأخذ مخططات نووية روسية وتسريبها إلى إيران والحبكة كانت أن تلك المخططات تتضمن معلومات خاطئة ومضللة أملتها الوكالة الأمريكية، ليقم هذا العالم بتسليمها إلى إيران من أجل تصميم قنابلها النووية ولكن تلك الحبكة لم تسر كما كان مخططاً لها لأن العالم الروسي نبّه الإيرانيين منها (وربما جاء التحذير من عالم روسي آخر) وقد تذمر رجال الاستخبارات الأمريكية من تلك المكاشفة لأنها تؤدي بحسب زعمهم إلى حرص الأشرار من محاولات الإيقاع بهم.
- ثم القبض في إيران بداية يوليو 2008م على المواطن الإيراني (علي اشتري) بعد إدانته بتهمة التجسس لصالح إسرائيل مقابل الحصول على مبالغ مالية من قبل الموساد الإسرائيلي، و(علي) هذا هو مدير شركة مبيعات أعترف بأنه حصل على أجهزة إلكترونية متطورة من الموساد وقام ببيعها لمراكز الدفاع والأمن الإيرانية بقصد التجسس.
- ما يزيد الطين بله أن الضغوطات الأمريكية المتصاعدة على إيران أثمرت عن نتائج معاكسة تمثلت بصعود المحافظ المتشدد أحمد نجاد إلى سدّة الرئاسة في انتخابات يونيو 2005م تبعها سيطرة المحافظين على البرلمان في الانتخابات البرلمانية مارس 2008م.