صحيفة "لوس أنجيليس تايمز" الأمريكية /ترجمة/ شيماء نعمان
بينما تشهد الساحة السياسية الدولية في هذه الآونة الصراع المحتدم بين روسيا وجورجيا بشأن إقليم أوسيتيا الجنوبية الانفصالي، فإن بعض المحللين ينظرون إلى تلك المواجهات من زاوية بعيدة عن الوضع العسكري؛ حيث يرون في الأزمة الراهنة نتيجة طبيعية للمعايير السياسية المزدوجة التي تمارسها الدول الكبرى بالعالم من خلال تأييدها لبعض الحركات الساعية إلى الاستقلال، ودعمها من أجل زعزعة استقرار دول لا تربطها بها علاقات ودية، أو في أحيان أخرى تجاهل وجود مثل تلك الحركات من أجل مصالح سياسية مع الحكومات الحليفة.
وفي مقال نشرته صحيفة "لوس أنجيليس تايمز" الأمريكية تحت عنوان "سيادة الدولة وصندوق بندورا"، أكد الكاتبان "توماس ميني"- وهو مرشح للدكتوراه في التاريخ بجامعة كولومبيا- و"هاريس مايلونز"- وهو مرشح للدكتوراه في العلوم السياسية بجامعة يال- أن دعم الحركات الاستقلالية قد يؤدي إلى عواقب كارثية.
وقد قدما من خلال المقال وجهة النظر التي يتفقان بشأنها والتي تحذر من تنامي التيار الانفصالي وانهيار مفهوم سيادة الدولة حول العالم، وجاء فيه:
في أروع مثال لرباطة الجأش في وقت المسير للحرب، لابد أن تذهب الميدالية الذهبية إلى"فلاديمير بوتن". فرئيس الوزراء الروسي قد احتفظ بهدوئه خلال حفل افتتاح الأولمبياد الجمعة في بكين- مقدمًا التحية للرياضيين الروس أثناء مسيرتهم- بينما كان يُعد لمسيرة من نوع آخر، مسيرة في اتجاه إقليم أوسيتيا الجنوبية المتنازع عليه. ومن الجلي أن بوتن اعتبر هذا هو وقت السداد ليس فقط بالنسبة لجورجيا- التي تعد الجار المتطفل الواقع إلى الجنوب من روسيا- بل أيضًا للرئيس بوش.. وكان بوش ومعظم الزعماء الأوروبيين قد أيدوا، في فبراير الماضي، استقلال إقليم كوسوفا عن صربيا، الأمر الذي عارضه بوتن بجلبة صاخبة. وقد أكدت آنذاك وزيرة الخارجية الأمريكية "كوندوليزا رايس" على ضرورة عدم القلق قائلة: "إن كوسوفا لا يمكن أن يُنظر إليها كمقدمة لأية حالة أخرى في العالم اليوم". غير أن ما قد فعلته بدقة هو أنها "مقدمة". وكما أن الغرب أراد حماية كوسوفا من النفوذ الصربي، فإن بوتن كذلك يأمل في تحرير أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا من تدخل جورجيا والاحتفاظ بهما في مدار النفوذ الروسي. وهكذا، نجح في الدفع بدباباته بينما لم يفعل الغرب سوى التشدق بالكلام عن سلامة أراضي جورجيا.
وإذا كانت الولايات المتحدة ترغب في تجنب مثل هذه المجازر في المستقبل، فإننا بحاجة إلى أن نكون أكثر اتساقًا بشأن كيفية تعاملنا مع حركات الاستقلال الوليدة. وبعيدًا عن كوسوفا وأوسيتيا الجنوبية، لماذا نقوم بتشجيع انفصال الجنوب السوداني بينما نُدين ثورات الأكراد في شرق تركيا؟ ولماذا نقف إلى حقوق أهالي التبت في الصين بينما نغض الطرف عن الباسكيين في إسبانيا؟
ومثل جميع القوى العظمى، تقف الولايات المتحدة إلى جانب الحركات المطالبة بتقرير المصير والتي من شأنها أن تتسبب في زعزعة استقرار خصومها- روسيا، والصين، وإيران- وتعارض (أو تغض الطرف) عن الحركات المشابهة التي قد تُزعج حلفاءنا. هذا هو قانون الواقع في السياسة الخارجية، ولكنه كذلك صندوق بندورا (وهو صندوق الشرور في الأساطير اليونانية).. إن الولايات المتحدة ما لم تتحرك إلى احترام مبدأ السيادة الوطنية، فإنها ستثبط عزيمة القوى الدولية الأخرى عن فعل ذلك وتقوض سيادة الدولة في جميع أنحاء العالم.
ومن أجل إطالة أمد تأثيرها العالمي وتعزيز شرعية المؤسسات الدولية، فإنه يجب على الولايات المتحدة توجيه رسالة واضحة مفادها أن الانفصال قلما يمثل حلاً.. ويجب علينا أن نشجع زعماء العالم لجعل الأقليات العرقية في بلدانهم شركاء في الحكومة على قدم المساواة، بدلاً من دعم عناصر متمردة من شأنها أن تصنع دولاً داخل الدول مثل لعبة الدمى الروسية. وعلى المدى البعيد، فإن التناقض الأمريكي الراهن يضع في مهب الريح إمكانية أن تصبح التعددية العرقية نموذجًا دوليًا وحلاً عمليًا للمجتمعات متعددة الأعراق. إن الأقليات عندما ترى الاستقلال في الأفق، فإن رغباتها في التعايش السلمي تتقلص بسرعة مطردة.
ولأن أمتنا قد قامت على أساس مبدأ تقرير المصير، فإنه من المفهوم أننا لا نرتاح إلى حرمان الآخرين من حقوقهم. إلا أن الاستقلال الأمريكي قد اعتمد على نظرية الحقوق الفردية، في حين أن الغالبية العظمى من الحركات المطالبة بتقرير المصير في الوقت الراهن تعتمد على حقوق جماعات عرقية. فشعوب مختلفة كالأكراد وأهالي التبت قد أطلقت نداءات متكررة خلال العقد الماضي من أجل حكم ذاتي، لكن الأهمية التي تقوم عليها دعواتهم لا تعتمد كثيرًا على أي مبدأ تحرري، بل على الحقيقة المحضة لانتماءاتهم العرقية في منطقتهم والعنف الذي عانوا منه.. إذن ماذا نفعل عندما تتعرض أقليات عرقية مثل شعب أوسيتيا الجنوبية، والأبخازيين، والأكراد، ومسلمي البوسنة، وألبان كوسوفا للقمع العنيف من قبل دولهم المضيفة؟ إن المجتمع الدولي عليه واجب حمايتهم بطبيعة الحال. غير أن دعم حركات تقرير المصير وتأييد تقسيم دول قائمة لم يكن أبدًا أفضل سياسة. لكنه يجب أن يُعتبر خيارًا فقط عندما تكون الشروط مقبولة لدى كافة الأطراف المعنية.. ويُظهر التاريخ أن الحكومات المضيفة - الصين، والهند، وصربيا، والسودان على سبيل المثال- هي الأرجح في قمع الأقليات العرقية عندما تنبعث حركة انفصالية جديدة ذات دعم دولي داخل حدودها. وبالمثل يفرز التقسيم المزيد من العنف، والمزيد من الصراعات بين الدول، كما يحفز المزيد من الحركات الساعية لتقرير المصير. إن رهاننا الأفضل- بناءً على ذلك- هو العمل في ضوء الحدود التي بين أيدينا، وليس في ضوء تلك التي نريدها.
نقلاً عن مفكرة الاسلام