ممدوح ط
القوة العسكرية مهما بلغت قد تصنع نوعا من الأمن المؤقت لكنها أبدا لا تصنع السلام، بينما الحلول السياسية العادلة والمتوازنة للمشاكل والأزمات الداخلية أو الخارجية القائمة على الحوار المتكافئ بين الأطراف بغير إقصاء أو استعلاء أو استقواء بالخارج هي وحدها التي تصنع السلام الذي بدوره يصنع الأمن الدائم، وليس هناك من دليل على ذلك أوضح من عجز قوات الناتو منذ غزو أفغانستان وعلى مدى نحو سبع سنوات من القضاء على طالبان بل أصبح الخوف الآن هو من شبح هزيمة هذا الحلف على جبال أفغانستان !
وبينما سبق آصف زردارى أرمل الزعيمة السياسية الباكستانية الراحلة بوتو والمتوقع فوزه بالرئاسة خلفا للجنرال برويز مشرف في الانتخابات التي تجرى اليوم في البرلمان الباكستاني بتجديد تعهده لأميركا بمواصلة العمل معها في «الحرب على الإرهاب «أي ضد «طالبان أفغانستان «، وفيما صعد الجيش الباكستاني من عملياته العسكرية ضد «طالبان باكستان» في منطقة القبائل رغم المعارضة الشعبية بعد رحيل الجنرال مشرف عن الرئاسة فيما يبدو رسالة زردارية للرئيس بوش الذي يستعد للرحيل أيضا عن الرئاسة أن «الرئيس زرداري «سيكون الخلف الأفضل لأى رئيس أميركي من أى سلف !
شكل الرئيس الأفغاني حامد كرازاى الذي تحتل قوات الناتو بلاده لجنة «الحوار والمصالحة الوطنية «استجابة لمبادرة برلمانية، وتوصلت اللجنة التي واصلت أعمالها على مدى الأربعة شهور الماضية بمشاركة طالبان إلى تلك النتيجة.
وهى أن الحل السياسي هو السبيل الوحيد لتحقيق المصالحة وإرساء السلام، وأن لا مستقبل لحل عسكري خارجي أو داخلي في أفغانستان التي دحرت من قبل كل الغزاة من البريطانيين إلى الروس ولا قدرة للإفلات من ذلك المصير بالنسبة للناتو أو للأميركان، وأن الحل السياسي الداخلي بعيدا عن التدخل الخارجي هو الكفيل بتحقيق المصالحة الوطنية وسيادة الأمن والسلام..
وانتهت حوارات اللجنة الوطنية إلى الدعوة إلى مؤتمر دولي لسلام أفغانستان تشارك فيه جميع أطراف الصراع لا يستبعد طالبان، ولا يستبعد أيضا ضرورة انسحاب القوات الأطلسية التي تقاتل طالبان منذ غزوها لأفغانستان عام 2001 دون جدوى.
وتأتى تلك الدعوة الوطنية الأفغانية في الوقت الذي تستعد فيه القوات الأطلسية والأميركية لتشديد هجماتها على المقاتلين الأفغان التابعين لحركة طالبان في الشتاء المقبل على الرغم من الخسائر البشرية العالية للقوات الغازية خلال العام الحالي 2008 الأعلى خسارة حيث سقط لها 200 قتيل أكثر من نصفهم من الأميركان !
كما تأتى هذه الدعوة الداخلية الأفغانية على العكس من تلك الدعوات الخارجية الأميركية المحمومة سواء في مؤتمر الناتو في بوخارست أو في سوق المزايدات الانتخابية على لسان المرشحين للرئاسة الأميركية سواء في الحزب الجمهوري أو الديمقراطي لزيادة عدد القوات الأطلسية والأميركية ومواصلة الحرب الدموية ليس في أفغانستان فقط بل في باكستان أيضا على الرغم من توالي السقوط وتزايد أعداد الضحايا في الجانبين، وآخرهم العسكريين الفرنسيين العشرة بكمين طالبان، والمدنيين الأفغان التسعين والتي أدانها كرازاى كجريمة بطائرات الأميركان !
فلمن يجب أن يكون الصوت الأعلى في أفغانستان وباكستان للإرادة الشعبية الوطنية أم للإرادة الأطلسية بقيادة أميركية.. ومن ينتصر في النهاية صوت دعاة الحرب أو صوت دعاة السلام ؟!.<