عبدالباسط الشميري
Abast66 @ maktoob.com
بادىئ ذي بدء بودي لو أنحو بكم قليلاً باتجاه آخر غير الذي أعتدنا عليه فنحن في شهر الصوم والرحمة والمغفرة وازعم أننا بحاجة لإعادة النظر في طريقة الأداء سواء المهني أو أسلوب حياتنا كأفراد ننتمي إلى مجتمع نامي ولعله من المناسب أن نقتبس بعض الإرشادات التي نادى بها السيد "بلين لي" وهو مؤلف أميركي صدر له كتاب اسمه "مبادئ القوى" والذي يقول فيه متحدثاً عن المبادئ الأساسية للقوة فيقول: "المبادئ التي نحيى بها ولها تشكل العالم الذي نعيش فيه، فإذا غيرنا هذه المبادئ تغير العالم من حولنا" ويضيف لي" قد يعتقد بعضنا إن مصدر القوة هو الإجبار والعنف والمساومة، وهذه للحقيقة مصادر للقوة الغاشمة"، ولعل أكثر ما لفت نظري في هذا الكتيب إن السيد لي ركز وبصورة أساسية في مؤلفه سالف الذكر على إبراز مبادئ وأساسيات أخلاقية ولا أروع وحقيقة أننا كمجتمع عربي إسلامي أحوج من أي وقت مضى لتمثل مثل هذه السلوكيات الراقية التي نادى بها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم من قبل فقال "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" ومن هذا المبدأ جاءت مقولة لي وما نصه "القوة الحقيقية هي الشرف وهو المبدأ الوحيد للقوة الشرعية، فمنه ينبع الإجلال والاحترام فعندما يجلنا الآخرون، فنحن نحافظ على علاقة صحية معهم يغلفها التأثير المتبادل وهذا هو مبدأ القوة القائمة على الشرف والسيد لي بصريح العبارة أجاد وأوجز وقد حدد تسعة فروض إيجابية تبنى عليها مبادئ القوة ولسنا بصدد استعراضها لكن نحن أكثر ما نحتاج إليه في هذه العجالة إن نفهم معنى القوة الحقيقية والتي لا تغني بأي حال السيطرة على الإطلاق حتى لو شعر البعض بأن القوة هي القدرة على التأثير على الآخرين، لكن أي تأثير نريد؟ التأثير لعمل الخير وليس الشر، وما أحوجنا في هذا الشهر الفضيل أن ندعو للخير ونكرس أخلاقيات وقيم ديننا الإسلامي الحنيف في تعاملاتنا في التجارة في البيع والشراء، ولنا وقفة مهمة ورئيسية في هذا المجال، فما يعتري واقعنا الحياتي وكيفية تعامل التاجر مع الزبون وما يحدث من أيمان مغلظة وغش واضح وصريح لا جدال فيه بدءاً من شراء الفواكه والخضار ومتطلبات المطبخ ومروراً ببائع الملابس أو بائع الأواني المنزلية أو بائع الأدوية تصور حتى الصيدلاني "يترجلك" في بيع الدواء ولا يقف الحال عند المهندس الذي يغش في كميات ونوعيات الحديد والاسمنت وقد رأينا كم كان عدد الضحايا الذين سقطوا جراء تسيب أحد المقاولين وإهماله بالأمس القريب وكوننا هنا لا نقصد توجيه الاتهام لفرد أو مجموعة أفراد إنما الهدف الرئيسي هو تسليط الضوء على سلوكيات مجتمعية غير سوية وينبغي أن نقف جميعاً في مواجهتها حكومة ومعارضة أحزاب ومنظمات أفراد وجماعات وحتماً لو تمثل كل فرد منا دوره وتحمل مسؤوليته لاستطعنا أن نحد من هكذا سلوكيات لا تمت لا لديننا ولا لقيمنا ولا لأخلاقنا بصلة، فالشرف هو الذي يسبغ على الحياة معنى وقيمة فنحن لا نستطيع مد يد المساعدة وتضميد الجراح وتشجيع بعضنا و"جورج إليوت" يقول "تفقد الحياة معناها إذا لم يسهل بعضنا أمر بعض كما يصف إليوت الأبطال بأنهم أناس عاديين واجهوا الحقيقة قاموا بواجبهم وكانوا على مستوى الأحداث، أما السيد كامبل فيصف الناس العاديين بالذين يخدمون أنفسهم، أما الأبطال فهم من يخدمون المجتمع وأما السيد "والتراندرسون" فيقول "عندما نتمسك بالمثل العليا نكون قد نجحنا حتى قبل أن نعرف النتيجة" أما جوته فيقول "إذا اعتنى كل منا بنفسه وبمنزله سيصبح كل العالم نظيفاً" وكل هذا جميلاً ولا خلاف عليه.
وحقيقة لا أريد أن استرسل بكم كثيراً لكن لفت انتباهي في جزء من مؤلف "لي" حكاية المحار والبحر وقبل أن أوردها لكم دعونا نستعرض وإياكم الأدوات الحقيقية للقوة في قاموس "لي" وهي باختصار الإقناع والصبر والتلقي والقبول والحنان ومعرفة الآخرين والانضباط لكن أجمل ما عنون بها "لي" تلك العبارات وبالشرح هو "الشرف سيد الموقف" أما حكاية المحار والبحر فتقول "إن المحار كائن رقيق إلا أنه يستمتع بحس قوي وبينما كان على الشاطئ مستغرقاً في أفكاره تسللت حبة رمل إلى أحشائه وبالرغم من أنها كانت صغيرة جداً فإنها سببت له ألماً لا يطاق، فالمحار كائن حساس وبسيط وبدلاً من أن يلعن الحكومة والبحر والمكان قال لنفسه: إذا لم استطع أن أزيلها فإنني على الأقل قادر على أن أزينها وعندما حان أجله ومات فتحت صدفته فوجدوا فيها نوراً ساطعاً ووميضاً مبهراً ويا للدهشة هذا الكائن البسيط حول حبة الرمل الرخيصة إلى لؤلؤة ثمينة.
ما فعله المحار رغم قلة حيلته وبساطته يجعلنا نحن البشر نخجل من شكوانا وتبرمنا مما نلاقيه من ملمات وفي وقت الأزمات علينا أن نتذكر ما حبانا الله من قوة وملكات ولعله من السخف حقاً أن لا يشعر المرء المسلم بقيمة وقداسة وأهمية هذا الدين والفكر الإسلامي الذي يتقلد ويحمل فنذهب لنقرأ ونترجم الكتب الأجنبية وبشغف بغية الإطلاع والاستفادة وفي لحظة تفكير وهدوء عابر نكتشف أن الذي بين أيدينا أو ما قرأنا هو في الأصل مؤلف لابن خلدون أو لابن سيناء أو أو أو إلخ ثم قولبته بهذه اللغة أو تلك وأعيد انتاجه لنا ليصدق فينا القول المشهور والمضحك المبكي "إننا مصابون بعقدة الأجنبي" وحتى النخاع والله المستعان.<