عبدالباسط الشميري
abast66 @ maktoob.com
قضية دارفور بكل تعقيداتها تمثل نقطة الارتكاز الحقيقية التي ينبغي أن تقف عندها الجامعة العربية وتبدأ في مراجعة سياساتها للوقوف على الوجع وبمسؤولية وصدق، صحيح ألا أحد يشك حتى مجرد الشك في قدرة الجامعة على إحداث نقلة نوعية في العمل العربي المشترك، هذا بالرغم من الحالة المتدهورة التي تعاني منها جامعتنا، بل لا نبالغ لو قلنا أن الجامعة العربية تعاني من موت سريري بطيء، لكن ورغم ذلك لا تزال الغالبية من العرب يعولون على جامعتهم ويعتقدون أنه بمقدورها تحريك أية قضية مهما كان حجم وضآلة هذه القضية أو تلك وهذا نابع من باب تفاءلوا بالخير تجدوه لذلك نقول: إن الجامعة العربية بالفعل قادرة على إعادة ترتيب أوراقها وفرز القضايا العربية بحسب الأولوية وإن كانت تراكمات الواقع أو المشهد قد أفرز لنا عدد من الإشكاليات والقضايا المعقدة والمعقدة جداً بدءاً من قضية العرب المركزية فلسطين وما رافقها من خلافات واختلافات الأشقاء، ومروراً بالعراق الجريح وما اعترى المشهدين اللبناني والسوري، وصولاً إلى دارفور والصومال ثم المغرب العربي وهلم جرا، إن الوضع العربي القائم عربياً لا يبشر بخير خاصة والتصدع والانهيارات لا زالت متواصلة في جدار الوطن العربي الكبير ومن المحيط إلى الخليج وبوتيرة عالية وتبعات ذلك بلا شك ستكون خطيرة ومفجعة ووقوف الجميع حكاماً وأنظمة أمام هذه القضايا المصيرية بات حتمياً ولا يحتمل التأجيل أو التسويف، خاصة وأن هناك تبادلاً للأدوار بين القوى الدولية يسير على قدم وساق وتساندهم قوى إقليمية خطيرة وتقف على أهبة الاستعداد للانقضاض على الفريسة متى ما حانت الفرصة، وهدف كل أولئك هو تقاسم الكعكة وكما نشاهد، ولا نعتقد أن الأمر بحاجة لتوضيح، فتراجع الدور الأميركي أو فشله في تحقيق مكاسب في هذا المكان أو ذاك لا يعني بأي حال نهاية الخطر أو توقف مسلسل الاستهداف، فما لم تنجح فيه واشنطن توكل المهمة لباريس أو لندن لتجرب حظها، وإذا استدعى الأمر فطهران أو تل أبيب تقفان بالمرصاد "ومن لم يمت بالسيف مات بغيره".
إن منطقة الشرق الأوسط وقارة أفريقيا أصبحتا واقعتين بين فكي كماشة التدخلات الغربية أو الأميركية، بل غدتا ساحتي صراع وتجاذبات دولية خطيرة، فبمجرد أن دخلت الاستثمارات الصينية دارفور السودان بدأ الغزل الأفريقي الصيني حتى استشاط الصقور الأميركان غضباً، وأثاروا الدنيا ضجيجاً ولم يهدأ لهم بال حتى كانت القرارات الدولية المتسارعة ضد الخرطوم ورئيسها وبصورة لم يسبق لها مثيلٌ في تاريخ المنظمة الدولية هذا باستثناء طبعاً تلك القرارات التي صدرت بحق العراق الشقيق مسبقاً، أما غير ذلك فلا وجود على الإطلاق لهذه المنظمة التي لا تكيل بمكيالين فحسب بل تسير القضايا بمزاجية وازدواجية غير مسبوقة، وبغض النظر عن كل الاعتمالات نقول إننا بحاجة ماسة لمراجعة وضعنا وواقعنا العربي وبجدية ولمن يراهن على غير ذلك عليه أن يتابع التحركات الفرنسية الأخيرة سواء على مستوى الوطن العربي أو قارة أفريقيا أو على مستوى العالم، وهذا بصريح العبارة ما دفعنا لمثل هذا الطرح وفي هذا التوقيت العصيب من تاريخنا الحديث والله ولي الهداية والتوفيق.