شكري عبد الغني الزعيتري
قال الله تعالي :((أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ* أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ))(سورة البلد: 14 16) جاء لدى المفسرين ابن كثير والقرطبي والسعدي والشعراوي (رحمة الله عليهم) لهذه الآيات القرآنية بأن المراد : لمعني (إطعام) : أي تقديم مأكل ومشرب من الغذاء لمساكين وفقراء. (يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ ) ورد لديهم انه قال ابن عباس وآخرون تعنى : يوم ذي مجاعة السغب : هو الجوع وأيضا جاء عندهم انه قال النخعي تعنى : في يوم الطعام فيه عزيز ويكون المتصدق صاحب مجاعة وتعب. (مِسْكِينًا ) تعنى : هو الإنسان الفقير الذي لا يملك قوت يومه وفي حالة الجوع والعطش ويعاني شدة الجوع والفقر (ذَا مَتْرَبَةٍ ) تعني : صاحب فاقة ( فقير وذي جوع). وعليه فان تعريف المسكين بأنه : الشخص الذي لا يجد قوت يومه ولا يمتلك مصدرا له ويعاني الجوع والافتقار إلي الطعام والشراب خلال يومه ويفتقر إلى الاحتياجات الأساسية لمعيشته مثل المواد الغذائية والماء والسكن والكهرباء والتعليم والعلاج الطبي. . . وإذا جئنا نستقرى الواقع المعاش ونفرز المجتمع اليمني إلى الشرائح الاقتصادية المعرفة في علم الاقتصاد (العليا والمتوسطة والدنيا) لوجدنا بأن الشريحة المتوسطة قد تآكلت غالبية أفرادها في اتجاه التدني نحو الشريحة الدنيا. . وان هناك الكثير من أفراد الشعب اليمني أصبحوا من المساكين والفقراء وهم بحاجة إلى العون والمساعدة لأنه ينطبق فيهم صفات تعريف المسكين الوارد أعلاه. . إذ أن أكثر أيام السنة هي أيام ذات مسغبة لديهم وأنهم أصبحوا مساكين ذوي متربة لان كل شي من حولهم أصبح يؤدى لأن يكونوا ممن ورد ذكرهم في هذه السورة الكريمة ((يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ)) و ((مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ)) إذ يحاصرهم فالغلاء من كل جهة يحيط بهم فمن الداخل (يمنيا) ومن الخارج (دوليا ). . . كما أن البطالة تحاصر كثير منهم وتتسع وقد أوضحت الإحصائيات في اليمن أن عدد غير النشطين اقتصاديا أي الذين لا يعملون (6574000) نسمة من عمر ( 10 سنوات فأكثر) من إجمالي السكان والتي جمعت في التعداد السكاني لعام 2004م. . كما انه لا نتوقف عند هذا الحد فحسب إذ يمكن القول حتى الدخول الشهرية لمعظم من هم يشتغلون وغير عاطلين عن العمل ويعملون بوظائف. . أصبحت قليلة لا تغطي ضروريات العيش من السلع إذن فقد أصبح (حال الوضع في مسغبة والسواد الأعظم في متربة ) إلا من رحم ربي. . أو من استطاع الاقتراب من ذي سلطة أو ذي مال واستطاع إرضاءهم وكسب حنيتهم وعطفهم بتزلف أو بمديح أو بخدمات شخصية يقدمها أو بانحطاط أخلاق يمارسها ولصالح ذي سلطة أو ذي مال. . ويؤكد تقرير الأمم المتحدة على حال المسغبة والمتربة والتي نراها وجدت لدى كثيرين من أبناء اليمن و يعانون منها. . إذ جاء في التقرير للأمم المتحدة القول : (إن اتساع هوة الفقر يتزايد في اليمن إذ أن هناك ما يزيد عن (أربعة مليون ) يمني يعانون من الفقر ويحصلون على ما يعادل اثنين دولار باليوم وعدد (ثلاثة مليون ) يعانون من الفقر المدقع ويحصلون على ما يعادل دولار واحد باليوم ولا تتوافر لديهم الاحتياجات الغذائية الأساسية) (حسب تقرير الأمم المتحدة ). . . واذهب بالقول : رغم ما هو قائم من فقر لدى البعض وفقر مدقع لدي البعض الآخر من أفراد الشريحة الدنيا والتي هي السواد الأعظم من أبناء الشعب اليمني (وهذا خلل اقتصادي لأنه من الصحة الاقتصادية لمجتمع ما أن يكون السواد الأعظم من الشريحة المتوسطة اقتصاديا حسب تصنيفات علماء الاقتصاد إذ يؤدى تزايد عدد أفراد الشريحة الدنيا عن عدد أفراد الشريحة المتوسطة إلي عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني ). . .
إلا أن هؤلاء ما زالوا عائشين برحمة الله تعالي أن شرع (الزكاة والصدقات) ووضح سبحانه وتعالى بأن تجبي من الأغنياء لتصرف على المستحقين من المحتاجين وجعل منها ما هو فرض وركن من أركان الإسلام (كالزكاة) ومنها ماهو اختياري للإنسان (كالصدقة ) من غير الفريضة. . كما وضح للإنسان المسلم الفئات المستحقة لهذه الصدقات بقوله تعالى في محكم كتابه القران الكريم :: ((إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ )) (سورة التوبة الآية : 60 ). . . وحثنا الله سبحانه وتعالي بحسن المعاملة اللين واللطف في الرد على سؤال المسكين بقوله تعالي : ((وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ)) (سورة الضحى الآية : 10 ). . . ومن رحمة الله تعالي أيضا أن فتح أمام الأغنياء باب للخير ليزدادوا من حسناتهم التي تدخلهم الجنة وهو باب الصدقة ويضاعف الله الحسنات لمن يشاء سبحانه القائل : ((مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)) (سورة البقرة الآية :261 ). . . كما بشر الله سبحانه وتعالي المتصدقين في آيات قرآنية كثيرة وسور متعددة بالأجر والثواب العظيم والجنة. . . ونحمد الله على هذا وعلي نعمه التي لا تحصي وعلي رحمته بنا وبالفقراء والمساكين. . . وليحمد الله كل ذي مال أن ميزه الله برزق المال الوافر ونقول له لا يفوتك الفرصة لتزداد من الحسنات بالصدقات التي تقدمها للفقراء والمساكين. . . وبأن لا تكون ممن قال الله فيهم ((وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ)) ( سورة آل عمران الآية : 178)