;

صلاح الدين الأيوبي.. وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس ..الحلقة الخامسة والعشرون 1253

2008-09-21 04:08:10

المؤلف/ علي محمد الصلابي

ومن الشعر أيضاً في تأليهه ما مدحه محمد بن البديل حيث يقول:

حل برقادة المسيح

حل بها آدم ونوح

حل بها أحمد المصطفى

حل بها الكبش والذبيح

حل بها الله ذو المعالي

وكل شيء سواه ريح

وأما زعمهم أنه كان يعلم الغيب، فيظهر من إيمان بعضهم حيث كان إذا أقسم يقول وحق عالم الغيب والشهادة مولانا الذي برقادة،ومعرفة الغيب من خصوصيات الألوهية ولا يعلم الغيب إلا الله قال تعالى: "قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون (65)"

[النمل: 65]، وقال تعالى: "وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إ لا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتب مبين(59)" [الأنعام: 59]، كما أن الحلف لا يكون بمخلوق وإنما يكون بالخالق، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت".

وجاءت الأحاديث في النهي عن الحلف بالآباء.

ب- التسلط والجور وإعدام كل من يخالف مذهبهم، هذا بالإضافة إلى كل ما ذكرناه آنفاً على لسان القاضي عياض في طعنهم في الصحابة وتعليق رؤوس الأكباش - الدالة في زعمهم - على أسماء الصحابة وغير ذلك من الأفعال القبيحة والشنيعة التي كانوا يقومون بها وكانوا يجبرون الناس على الدخول في مذهبهم بوسيلة التخويف بالقتال وقد نفذوا حكم الإعدام في أربعة آلاف رجل مرة واحدة.

قال القابسي: إن الذين ماتوا في دار البحر - سجن العبيديين - بالمهدية من حين دخل عبيد الله إلى الآن أربعة آلاف رجل في العذاب ما بين عالم وعابد ورجل صالح.

هذا عدا ما كانوا يقتلون دون سجن ويمثل بهم في شوارع القيروان، فأثر ذلك على سير الحياة العلمية ومع ذلك فإن هذه المحنة لم تزد أهالي المغرب الإسلامي إلا عزيمة وصبراً واحتساباً وتمسكاً بالكتاب والسنة.

ج- تحريم الإفتاء على مذهب الإمام مالك:

حرموا على الفقهاء الفتوى بمذهب الإمام مالك، واعتبروا ذلك جريمة يعاقب عليها بالضرب والسجن أو القتل أحياناً، ويعقب ذلك نوع من الإرهاب النفسي، حيث يدار بالمقتول في أسواق القيروان وينادى عليه : هذا جزاء من يذهب مذهب مالك، ولم يبيحوا الفتوى إلا لمن كان على مذهبهم، كما فعلوا بالفقيه المعروف بالهزئي: أبو عبد الله محمد بن العباس بن الوليد المتوفى في عام تسع وعشرين وثلاثمائة.

د- إبطال بعض السنن المتواترة والمشهورة:

والزيادة في بعضها كما فعلوا في زيادة: حي على خير العمل في الأذان وإسقاط صلاة التراويح، بعد أن ترك الناس يصلونها عاماً واحداً،ولهذا ترك أكثر الناس الصلاة في المساجد ، ويا ويح من يسقط عبارة: حي على خير العمل من الأذان، من ذلك ما روى أن عروس المؤذن"ت 317ه"، وكان مؤذناً في أحد المساجد، شهد عليه بعض الشيعة أنه لم يقل في أذانه: حي على خير العمل فكان جزاؤه أن قطع لسانه ووضع بين عينيه وطيف به في القيروان ثم قتل، إلا أن بعض العلماء فطن لكيد العبيديين وأغراضهم الخبيثة من وراء ذلك وهو إخلاء المساجد من المصلين، ودفعاً لهذه المفسدة أذنوا للمؤذنين أن يزيدوا "حي على خير العمل": لأن تركها يؤدي إلى مفاسد أعظم، ومن هؤلاء العلماء: أبو الحسن علي بن محمد بن مسرور العبدي الدباغ "ت 359ه"، الذي كان من أهل الورع والعبادة والخشوع فقد فطن لغرض العبيديين، فكان أن قال للمؤذنين: أذنوا على السنة في أنفسكم فإذا فرغتم فقولوا: حي على خير العمل، فإنما أراد بنو عبيد إخلاء المساجد، لفعلكم هذا - وأنتم معذورون - خير من إخلاء المساجد.

ه- منع التجمعات:

حرصت الدولة الفاطمية على منع التجمعات خوفاً من الثورة والخروج عليهم ، ولذلك جعلوا بوقاً يضربونه في أول الليل فمن وجد بعد ذلك ضرب عنقه، كما أنهم كانوا يفرقون الناس الذين يجتمعون على جنازة من يموت من العلماء، وهذا الفعل لا يزال مستمراً في الأنظمة البوليسية التي لا ترى إلا ما يراه حاكمها وطاغوتها وفرعونها "ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد" [غافر: 29].

و- إتلاف مصنفات أهل السنة:

أتلفوا مصنفات أهل السنة، ومنعوا الناس من تداولها كما فعلوا بكتب أبي محمد ابن أبي هاشم التجيبي "ت 346ه" توفي وترك سبعة قناطير كتب، كلها بخط يده، فرفعت إلى سلطان بني عبيد فأخذها: ومنع الناس منها كيداً للإسلام وبغضاً فيه.

ز- منع علماء أهل السنة من التدريس:

منعوا علماء أهل السنة من التدريس في المساجد، ونشر العلم، والاجتماع بالطلاب، فكانت كتب السنة لا تقرأ إلا في البيوت خوفاً من بني عبيد فكان أبو محمد بن ابي زيد، وأبو محمد بن التبان وغيرهما، يأتيان إلى أبي بكر بن اللباد شيخ السنة بالقيروان في خفية، ويجعلان الكتب في أوساطهما حتى تبتل بالعرق خوفاً من بني عبيد. .

ح- عطلوا الشرائع: وأسقطوا الفرائض عَّمن تبع دعواتهم حيث يقع

إدخالهم إلى داموس ويدخل عليهم عبيد الله لا بساً فرواً مقلوباً داباً على يديه ورجليه فيقول لهم: "بح" ثم يخرجهم ويفسر لهم هذا العمل بقوله: فأما دخولي على يدي ورجلي فإنما أردت بذلك أن أعلمكم أنكم مثل البهائم لا شيء، ولا ضوء ولا صلاة، ولا زكاة، ولا أي فرض من الفروض، وسقط جميع ذلك عنكم، وأما لباس الفرو مقلوباً فإنما أردت أن أعلمكم أنكم قلبتم الدين، وأما قولي لكم بح، فإنما أردت أن أعلمكم أن الأشياء كلها مباحة لكم من الزنى وشرب الخمر.

ط - إجبار الناس على الفطر قبل رؤية الهلال:

وكانوا كثيراً ما يجبرون الناس على الفطر قبل رؤية هلال شوال، بل قتلوا من أفتى بأن لا فطر إلا مع رؤية الهلال كما فعلوا بالفقيه ابن الحبلى قاضي مدينة برقة، قال الذهبي في ترجمته: الإمام الشهيد قاضي أفطر الناس، وأتقلد إثمهم، فقال: لهذا جاء كتاب المنصور - وكان هذا من رأي العبيدية يفطرون بالحساب، ولا يعتبرون رؤية- فلم ير هلال، فأصبح الأمير بالطبول والبنود وأهبة العيد فقال القاضي: لا أخرج ولا أصلي، فأمر الأمير رجلاً خطب وكتب بما جرى إلى المنصور، فطلب القاضي إليه، فأحضر، فقال له : تنصَّل، وأعفو عنك، فامتنع، فأمر فعلق في الشمس إلى أن مات، وكان يستغيث من العطش، فلم يسق، ثم صلبوه على خشبة، فلعنة الله على الظالمين.

ي- إزالة آثار خلفاء السنة:

عمل حكام الدولة الفاطمية في المغرب الإسلامي على إزالة آثار بعض من تقدمهم من الخلفاء السنيين، فقد أصدر عبيد الله أمراً بإزالة أسماء الحكام الذين بنوا الحصون والمساجد وجعل اسمه بديلاً منهم، واستولى هذا الشيعي الرافضي الباطني على أموال الأحباس وسلاح الحصون، وطرد العباد والمرابطين بقصر زياد الأغلبي وجعله مخزناً للسلاح.

ك - دخول خيولهم المساجد:

من جرائم عبيد الله الكثيرة أن خيله دخلت المسجد، فقيل لأصحابها: كيف تدخلون المسجد؟

فقالوا: إن أرواثها وأبوالها طاهرة، لأنها خيل المهدي، فأنكر عليهم قيم المسجد، فذهبوا به إلى المهدي فقتله، يقول ابن عذارى: وامتحن عبيد الله في آخر حياته بعلة قبيحة: دود في آخر مخرجه يأكل أحشاءه فلم يزل به حتى هلك.

إن المسلمين المعاصرين يقرؤون تاريخ الدولة الفاطمية العبيدية لا يعلمون إلا ما كتب لهم عن التاريخ السياسي لهذه الدولة، ذهب فلان وخلفه فلان، وأنها دولة تحب العلم وتنشره، والمقصود نشر كتب الفلاسفة، ولكن القليل من يذكر بطش هؤلاء الباطنية بالعلماء من أهل السنة، بل إن الطلبة الذي يدرسون التاريخ الإسلامي يذكرون المعز لدين الله الفاطمي وكأنه بطل من أبطال التاريخ، وهذا كله نتيجة لغياب التفسير العقدي الإسلامي لتاريخنا، بل إن بعض المؤرخين الذين كتبوا لنا التاريخ تأثروا بمدارس الاستشراق، أو بالفكر الشيعي الرافضي، وبذلت لهم الأموال لطمس الحقائق وتزوير التاريخ، ولا يزال الصراع الباطني والإسلامي ممتداً إلى يومنا هذا، فالأفكار لا تموت وإنما تتغير الأشكال والوجوه والمسوح، وإن أعداء الإسلام لا يزالون يعملون سراً وعلناً ليلاً ونهاراً للقضاء على العقيدة الصحيحة التي تلقتها الأمة من الحبيب المصطفى وأصحابه الغر الميامين وأهل بيته الطاهرين الطيبيين رضي الله عنهم أجمعين.

3- أساليب المغاربة في مواجهة الدولة الفاطمية العبيدية:

لقد سللك علماء السنة المغاربة في مقاومة التشيع طرقاً عديدة، منها المقاومة السلبية، والمقاومة الجدلية والمقاومة المسلحة، وكانت هناك أنواع أخرى من المقاومة، مثلاً عن طريق التأليف وعن طريق نظم الشعر. . إلخ.

أ - المقاومة السلبية:

أولى الوسائل التي استعملها علماء المغرب السنة في مقاومة التيار الشيعي: الوسيلة السلبية، ونعني بها : المقاطعة الجماعية التي قاطع بها علماء المغرب كل ما له صلة بالتشيع، أو بالحكم القائم وتمثلت تلك المقاطعة في مقاطعة قضاة الدولة وعمالها، ورفض من استطاع منهم دفع الضرائب لها.

ومن مظاهر هذه المقاومة مقاطعة حضور صلاة الجمعة التي كانت مناسبة للعن أصحاب رسول الله على المنابر: فتعطلت بذلك الجمعة دهراً بالقيروان، ومنهم من اكتفى بالدعاء عليهم كما فعل الواعظ عبد الصمد، وكما كان يفعل أبو إسحاق السبائي الزاهد إذا رقى رقية يقول بعد قراءة الفاتحة وسورة الإخلاص والمعوذتين: وببغضي عبيد الله وذريته، وحبي في نبيك وأصحابه وأهل بيته اشف كل من رقيته.

ومن مظاهر المقاومة السلبية أيضاً: مقاطعة كل من يسير في ركب السلطان واعتزاله وكل من كانت له صلة بهذا السلطان أو سعى إلى تبرير وجوده عملاً بقوله تعالى: "لا نجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوآدون من حاد الله ورسوله ولو كانوا ءاباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم" [المجادلة : 22].

فهذا خلف بن أبي القاسم البراذعي "ت نحو 400ه" قام عليه فقهاء القيروان بصلته بملوك بني عبيد وقبوله هداياهم وتأليفه كتاباً في تصحيح نسبهم، وزادت النقمة عليه عندما وجدوا بخطه الثناء على بني عبيد متمثلاً ببيت الحطيئة:

أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنا

وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا

لذلك كله أفتى فقهاء القيروان بطرح كتبه وعدم قراءتها، وإزاء ذلك اضطر هو إلى الهجرة إلى صقلية حيث حصلت له حظوة كبيرة عند أميرها.

صلاح الدين الأيوبي مؤلَّف جديد يضيء شمعة أخرى في الموسوعة التاريخية التي نسعى لإخراجها، وهو امتداد لما سبقه من كتب درست الحروب الصليبية، ويتناول الدكتور/ علي محمد الصلابي في هذا الكتاب صراع المشاريع: المشروع الصليبي، والمشروع الإسلامي، ولخص الحملات الصليبية التي سبقت قيام الدولة الأيوبية، والرصيد الخلقي لصلاح الدين وصفاته، وتوسعه في إنشاء المدارس، ومكانة العلماء والفقهاء عنده ، ثم أفرد المؤلف فصلاً كاملاً لمعركة حطين وفتح بيت المقدس، وأسباب الانتصار في تلك المعركة الفاصلة والحاسمة، ثم الحملة الصليبية الثالثة وردة فعل الغرب الأوروبي من تحرير بيت المقدس والتعبئة الشاملة التي حدثت، وأخيراً وفاة صلاح الدين وتأثر الناس بوفاته حتى المؤرخون الأوروبيون أشادوا بعدله وبقوته وتسامحه واعتبروه أعظم شخصية شهدها عصر الحروب الصليبية قاطبة، وستظل سيرته تمد أبناء المسلمين بالعزائم الصلاحية التي تعيد إلى الحياة روعة الأيام الجميلة الماضية وبهاءها.

ونظراً لأهمية هذا الكتاب وما يحتويه من معلومات تهم القارىء الكريم ونزولاً عند رغبته تعمل أخبار اليوم عن نشره كاملاً في حلقات.

 

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد