د. محمد سلمان العبودي
نشرت صحيفة اللوموند الفرنسية تقريرا يحمل عنوانا مثيرا للغاية: (مرض إسرائيل). ويتناول التقرير الإرث المثقل بالهموم الذي سوف تحمله تسيبي ليفني بعد فوزها لرئاسة حزب (كاديما) بفضل سقوط إيهود أولمرت الذي يواجه عدة اتهامات بالفساد. ويرى كاتب المقال أن نجاح ليفني لتولي رئاسة الحزب تدل من بين أمور أخرى على مدى اتساع رقعة الأمراض المختلفة التي أخذت تتلف النظام السياسي والديمقراطي في إسرائيل.
ويبدو أن كاتب المقال لم يرغب في الذهاب بعيدا فيما يدور في ذهنه حتى لا يتهم بمعاداة اليهود. فإسرائيل أصبحت أشبه بالمركب الذي يفتقد منذ أن خلى مكان آيرييل شارون إلى قيادي محنك قادر على مواجهة تعقيدات دولة إسرائيل في المنطقة خاصة في الظروف الراهنة وأمام تقلب الأمور في الولايات المتحدة الأميركية، الدعامة الرئيسية لاستمرار بقاء إسرائيل، وأنها دولة قد تتلاشى مع الزمن لعدم توفر مقومات الحياة الرئيسية.
لهذا السبب ربما لم يجد الإسرائيليون من تعزية للنفس سوى مقارنة ليفني برئيسة الوزراء السابقة جولدا مائير كنوع من التحسر على ماضيهم المتألق في الحزم والوطنية المخلصة والتي تحولت إلى فساد يطال القيادات العليا لدولتهم التي تعيش محاصرة من كل صوب والهشة اقتصادا.
ولكن بين ليفني ومائيير توجد هوة لا يمكن ردمها. صحيح أن ليفني قد تصبح ثاني امرأة تتولى حكومة إسرائيل، ولكن الظروف اختلفت والأمور تبدلت وسهولة العيش في هذه المنطقة التي تعيش حالة حرب مستمرة لم يعد كما كان في السابق.
ماذا تستطيع ليفني أن تعمله فيما لم يستطعه شارون وأولمرت ومن سبقهم من رؤساء حكومات إسرائيل؟ إن أكثر ما تلام عليه هذه المرأة أنها لا تملك لا حنكة السياسة ولا فن إدارة المعارك والحروب التي تعيش عليها إسرائيل منذ قيامها بينما مشاكل دولتها وتحدياتها في ازدياد مستمر. . وهكذا ستجد نفسها مرة أخرى أمام أمرين كلاهما مر: الحرب أو السلم. فإسرائيل ما زالت تتخبط في أوحال هزيمة 2006 في لبنان، ولا يخطر ببال أي من أركان حربها المغامرة من جديد في حرب مع أي دولة عربية أيا كانت الظروف، والاكتفاء بالحديث في وسائل الإعلام عن توجيه ضربة عسكرية لإيران ولبرنامجها النووي لا أكثر خاصة بعد أن تراجعت إدارة الرئيس بوش عن تأييد الدخول في مواجهة عسكرية ثلاثية الأبعاد معقدة وغير مضمونة.
أما السلام أو السلم، الذي يبدو أن أولمرت بعدما تنبه إلى وضع إسرائيل المختنق في الداخل قد فتح له بعض ثقوب تهوية في الجدار الذي يفصلها عن سوريا، فإن ثمنه ليس بأقل كلفة من ثمن الحرب. فالكل يعرف ثمن الحرب حتى ولو استمرت شهرا واحدا كما حصل مع لبنان قبل عامين. ولكن في الجهة المقابلة قد يصبح السلام أكثر خطرا على إسرائيل من أي حرب أخرى.
وهذه مسألة قد تضع رئيس الحكومة الإسرائيلية القادم في إشكالية معقدة. فالسلام يعني فتح الأبواب وتقديم التنازلات وعدم فرض الشروط غير المنطقية. فلا بد من وضع حد للاحتلال وللجدار العازل وللمستوطنات وحق العودة للفلسطينيين المهجرين وكيفية التعامل مع عرب 48 ممن يحملون الجنسية الإسرائيلية وأخيرا مع المعتقلين الفلسطينيين الذين يعدون بعشرات الآلاف في سجون إسرائيل دون محاكمة ودون تهمة.
أما أكبر مشكلة قد تواجهها إسرائيل في حالة عقد اتفاقيات سلام مع الدول العربية فتتركز في فتح أبوابها إذا ما أقيمت علاقات دبلوماسية كاملة مع الدول العربية ما يعني أن على الدولة العبرية الاستعداد لاستقبال أفواج من العرب والمسلمين القادمين من كل مكان، إما للسياحة وإما لزيارة الأماكن المقدسة فيها أو لتهريب العنف والسلاح. . ولنتخيل قدرة إسرائيل على استيعاب وتنظيم ومراقبة هذه الأفواج. وقد تصبح إسرائيل للكثير من العرب البديل الآخر عن الولايات المتحدة الأميركية البعيدة جغرافيا للبحث عن فرص عمل وإقامة وغيرها. وفي أقل من عشر سنوات قد تذوب هوية الإسرائيلي بشكل تام.
إن الحديث عن السلام أصبح على رأس أجندة الحكومة الإسرائيلية منذ فترة قصيرة. ولعبت ليفني بشكل سري جدا دورا كبيرا في تقدم المفاوضات مع سوريا كونها وزيرة للخارجية، ومعروف عنها ميلها للسلام مع العرب ورفضها توريط إسرائيل في شن هجوم على إيران، ولا ننسى أنها تولت أيضا ملف مفاوضات الوضع النهائي للسلطة الفلسطينية، إضافة إلى أنها لا تملك أي خبرة عسكرية. . كل ذلك يدعو المحللين للتفاؤل إلى أن عملية السلام مع العرب قد تصبح من أولويات هذه المرأة ذات الوجه السمح مقارنة بملامح جولدا مائير. لكن كل هذه الأمور ليست بالسهلة ولا البسيطة وتظل نتائجها في نهاية الأمر غير محمودة.
فقبل البدء في أي منها يجب تسوية الوضع الهش في إسرائيل وتلميع سمعتها التي تردت في الآونة الأخيرة وإعادة الثقة في نفوس الإسرائيليين بعد حرب لبنان وأخيرا تهيئة الرأي العام لقبول الأمر الواقع. والمشكلة الأخرى التي تواجه الحكومة القادمة هي أنه لم تعد هناك أحزاب تستطيع ليفني الاعتماد عليها بعد انحسار أكبر حزبين إسرائيليين قادا دولة إسرائيل منذ قيامها عام 1948: وهما حزب الليكود وحزب العمل.
إن إسرائيل ستدخل مع نهاية حكومة أولمرت منعطفا خطيرا، فهل ستتمكن هذه المرأة الحديثة الخبرة القيام بما لم يستطعه الرجال؟.