تغطية/إياد البحيري
بعد ظهوره في الفترة الأخيرة بصورة قوية أصبح الإرهاب حديث العالم وخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر حيث وجدت أميركا من هذا الحدث فرصة ساخنة للقضاء على ما كانت تتخوف منه، حيث كانت تتخوف من الإسلام وجاء مصطلح الإرهاب ليخلص أميركا من هذا الخوف فأعلنت الحرب على الإسلام بحجة الإرهاب.
ومن هذا المدخل ومع إعلان الدول العربية تعاونها لمشاركة أميركا في القضاء على الإرهاب وما حدث من لبس في ذلك حيث أصبح العالم ينظر إلى لحية المسلم بأنها عنوان الإرهاب وهذا ما لا يقبله عقل ولا منطق لكن المخيف أن هناك من المسلمين ومن العرب خاصة، من أصابته العلمانية وأصبح يتحدث بلغة أميركية ويتهم "المطاوعة" بالإرهاب.
مركز الدراسات التاريخية واستراتيجيات المستقبل ومن فكره المستنير وقراءته لخطر القضية على الإسلام احتضن في خيمته الخميس الماضي ندوة فكرية تناولت "المشهد الوطني العربي الإسلامي بين إرهاب الدولة والتطرف الديني" واستضافت عدداً من الكوادر الذين أثروا الندوة بمحاضراتهم.
حيث قدم الأستاذ/ أحمد عبدالله الصوفي ورقة عمل تناولت اليمن في إستراتيجية تصدير التطرفي الديني والإرهاب "الأخطار والمعالجات" .. وتناولت ورقة عمل أخر للأستاذ/ يحيى محمد الماوري أحداث 11 سبتمبر وأثرها على حقوق الإنسان أخرى، أما ورقة الدكتور/ محمد عبدالواحد الميتمي فقد تناولت سوق التطرف في اليمن "الأسباب الاقتصادية والاجتماعية المؤدية للتطرف بين الشباب" والورقة الرابعة كانت للدكتور/ حمود العودي حيث تناول في محاضرته المذاهب الإسلامية بين الأصل السياسي واللعبة الطائفية من وجهة نظر اجتماعية، وجميع الأوراق التي قدمت في الندوة نالت استحسان الحاضرين الذين عجت بهم الخيمة إلا أن بعض الملاحظات قد جاءت ممن كانوا في الخيمة حيث قالوا إن هناك اتهاماً "للمطاوعة" وهذا لا يخدم الإسلام.
هنا نتناول بقية ورقة العمل التي قدمها الأستاذ/ أحمد عبدالله الصوفي وفي الأعداد القادمة سنتناول بقية أوراق العمل.
محددات وتجليات التطرف في اليمن
إذا كان التاريخ الإنساني قد قدم لنا الأدلة الكافية على أن الصراع بين الإنسان وأخيه الإنسان كان قديماً لكن دخول الدين كعامل مؤجج لمرجل الكراهية والبغض وشاحذ لنزعات التدمير قد جعل الصراعات قاسية ووحشية بل أنه لم يقم بتهديم الإمبراطوريات ولم يكتفي بالقضاء على الدول لكنه في الحقيقة دمر قدرة الإنسان في الثقة بنفسه ودمر صفاء أيمانه وعطل ملكاته وحول حياته إلى وهم يلاحق غاية الوصول إلى الآخر لنفيه وحذفه من الوجود وكانت هذه النزعة التي تفتتن بإنجاز الموت وصناعة الخوف وتقويض الاستقرار واحدة من الإسهامات التي شوهت صورة الإسلام الذي بات يفسر لا كما نعرفه كدين محبة ووئام وسلام بل دين يفسر نفسه بالعنف وتبهره وحشية الفتك والتدمير وهو أمر حوله إلى لاهوت مقلق للسلام الداخلي للمجتمع الإسلامي وعنصر يؤرق العالم من حولنا للتطرف الديني المستفيد من ثمرات العنف الذي لم يسهم في إنتاجه قد جعل منه خطراً مراً وعاصفة لا تبقي إذا ما استفحلت شيئاً يمكن الاعتماد عليه للوقوف كدولة ومجتمع وليس العراق والصومال وإفغانستان إلا أدلة على هزيمة خيار التطرف والإرهاب على بوابات الفوضى والفتك والعنف المجاني الذي يجتاح هذه المناطق وهو عنف أكدت التجارب المشهودة إنه طائش ومحكوم بحوافز غير مدركة ويخدم غايات هي ضد الإسلام وضد المسلمين مما جعل التطرف الديني والإرهاب حالة من الهذيان العنيف الذي غالباً ما يظل طريقه نحو العدو الرئيسي بالنسبة للوهابية والأثنى عشرية ليتحول إلى طاقة تدمير لتماسك المجموعات الإسلامية التي تعمم نزعاتها العدوانية على مخالفيها من أبناء ديانتها وهو الحال الذي تفشى في المنطقة العربية بتوسع الحركات المتطرفة التي تعتنق فكرة تدمير إسرائيل لكنها تبدأ في تدمير الذات عبر فتاوى تكفير تجيز قتل المسلمين وقد كنت أحد الذين كشفت الأجهزة الأمنية ما بين ثلاثين مثقفاً يمنياً صدر بشأنهم حكم الاغتيال وهو حدث تكشفًّ بعد أن قام متطرف يمني باغتيال أمين عام مساعد الحزب الاشتراكي اليمني بتهمة التكفير والخروج عن معتقدات الجماعات المتطرفة التي تصمم وتعيد تصميم فهمها للإسلام يتوافق وحاجاتها السياسية للتوسع في التأثير على شكل إدارة السلطة والتحكم بمصير الشعب وقد كشفت تجربة الحوار مع العناصر المنتظمة في تنظيم القاعدة أنها تستند في جموحها العنيف نحو المجتمع على نظرية دينية سياسية أتقنت وبإحكام رص مبرراتها وذرائعها نخب من رجال الدين حذقوا في انتقاء ما يعزز نشوء تيار عالمي جعل من افغانستان معملاً لإنتاج وازدهار لاهوت عنف إجتاح العالم العربي والأوربي متسلحاً بفكرٍ تدميري يقوم على الأركان الأساسية التالية:
1- يؤمن المتطرفون في الإسلام الأصولي اليوم بأن البشرية تعيش واحدة من صور الانحراف في حياتها، تخالف مقاصد الله الذي خلق الإنسان لعبادته وهم بذلك يتمردون على الفطرة المحبة لله إما بتربية لا تتعلق بالتوحيد الرباني أو بسبب التأثيرات الدينية التي تصيغ عقيدة الأفراد يهودية أو نصرانية أو مجوسية، لتخلق انقساماً في أمة الله الواحدة التي منحها الله برحمته هدى الدعوة المحمدية التي تستلزم الجهاد في سبيلها لتوحيد البشرية وتصفية ما علق بها من خبائث .. وهؤلاء يخالفون نصاً قرآنياً يشير إلى أن الله خلق الإنسان خليفة في الأرض ليعمرها ويكتسب كماله وقدرته وصفاء روحه الإنسانية وهو الجزء الذي يلتقي مع اليهودية والمسيحية الزاعمة أن الله خلق الإنسان على صورته وهم يتجاهلون هذا البعد.
2- إنشاء منظومة فكرية وعقائدية تميز الناس على أساس الشرك بالله وتحدد آيات ينتقونها بإمعان وأحاديث تجيز قتل المشركين أو نقلاً عن الرسول صلى الله عليه وسلم يقال إنه أمر "أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا أله إلا الله" وهؤلاء الذين أجيز قتلهم محرومون من الجنة ومستباحة دماؤهم وأموالهم وأهلهم لأهل التوحيد.
3- ملاحقة سلوك الأفراد وتفحص ضميرهم لاكتشاف شك أو ريبة أو أهواءِ تتمرد على منظومة تفكيرهم ليوصم بالكفر، وإذا كان الكفر يبيح الدم والمال فإن مراتب هذا الكفر في تصنيفهم يأخذ أربعة مستويات يوجب العداوة الخالصة ويحظر على المؤمنين محبته وموالاته ولو كان أقرب المقربين ويفصل فقهاء العقيدة السلفية معاني عدة لموجبات الكفر كإظهار الإسلام دون الصدق في الإيمان.. وهذا الأمر يستدعي تنظيم رقابة شاملة على المجتمع للتمييز بين المتكاسلين عن الصلاة في المسجد.. المهم أن النفاق من الكبائر التي اختلفوا في قبول توبته.
وهي مفردات تدخل بإحكام في قاموس الردة والفسق والضلال والجاهلية وجميعها تبيح سفك دم المتهم وهذا من أخطر جوانب التدخل بين إيمان الفرد وبين الله.
4- يتبع المتطرفون التعاليم التي تحدد الأفعال والأقوال التي تتنافى والتوحيد أو تنقصه كقراءة الكف وادعاء علم الغيب والتنجيم والسحر والكهانة والعرافة وتقديم القرابين وزيارة القبور وتشييد التماثيل والنصب والاستهزاء بالدين والحكم بغير ما انزل الله والادعاء بحق التشريع والتحليل والتحريم والانتماء إلى المذاهب والأحزاب والنظرة المادية للحياة والتمائم والرقي والتوسل والاستعانة بالمخلوق.
وبنظرة فاحصة إلى هذه القائمة نجد لاهوت العنف يحدد لنفسه أهدافاً تشمل الحضارة الإنسانية كلها، فالحكم الديمقراطي يصبح بهذا المعنى عدواً لإنه حكم يعتمد على مبادئ غير ما أنزلها الله، والبرلمان يقترف إثماً كونه قد امتلك حق التشريع القانوني ووضع بين يديه المقبول من الأفعال والمجرم فهذا السلطان اعتداء على حق الله وجبت مقاومته، كما أن الانتماء إلى الأحزاب السياسية أو اعتناق المذاهب الفكرية جرمُ اتخذه المتشددون أساساً لقرار اغتيال عدد من الكُتاب الذين صنفوا فأنهم يروجون لأفكار علمانية.
المهم هنا أن هذا الفكر يضع العالم والحضارة الإنسانية والعقل الإنساني هدفاً دائماً لموجات عنفه وينفرد في تعزيز قوة حجته معتمداً على عدد قليل من نصوص القرآن وأحاديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم التي كتبت في عصور متأخرة بعد موت النبي لتتولد عن ذلك ظاهرة مناهضة للحداثة والتقدم العالمي وتزعزع استقرار الدول واستقرار العلاقات الإنسانية، وهي ظاهرة لا يمكن الانتصار عليها ما لم يعاد بناء منطق ينطلق من داخل الفكر الديني يخلق التصالح أولاً داخل المنظور الديني الواحد لدى المسلمين ثم يبني جسوراً بين منظومة الوعي الديني الذي يحرك طاقة ملايين البشر في الأرض. فالوازع الديني بتجلياته وتحدياته العنيفة أضحى ايديوليوجيه تهدد لا استقرار العالم فحسب بل استقرار كل مجتمع على حدة. والخطر بات متنوع إما في هيئة أجساد مفخخة أو عمائم بيضاء أو سوداء محاطة بالرعب وكل حيل الشيطان أو في صورة طاغية عالمي كبوش ومن خلفه المحافظين الجدد وجميعهم صورة قاسية لتيار يحث الخطى نحو إشعال العالم بحروب دينية لا ترحم الصغير والكبير. وهو ما يفرض السؤال ما العمل وكيف في مواجهة الخطر؟ ما العمل وكيف؟
إذا كان التطرف والإرهاب لا يعرف وطناً وليس له جنسية محددة ولا دين ولا هوية وإذا كانت الحرب على الإرهاب والتطرف الديني مسؤولية العالم المشتركة دولاً وأدياناً ومنظمات وأشخاص فإن العلاج من هذه الآفة والمواجهة الرصينة لهذا التحدي يبدأ بأولئك الذين هم في قلب العاصفة الدموية العنيفة التي تستغل ثغرات إقليمية ودولية وتستخدم أدوات وطنية وتحيل العنف كواحدة من التقنيات تصدر من دولة إلى أخرى فإن المنطلق نحو التصدي يبدأ فردياً ووطنياً من خلال التركيز على جملة من المسائل وهي كالتالي:
1- إستعادة جوهر الإسلام المختطف واستحضار الكمال المحمدي المصادر فالإساءة للإسلام في حقيقة الأمر لم تقتصر على تشويه الإسلام من خلال الرسوم الدنمركية ولكن ما يلهم هذه الرسوم لتنال الرواج وتطعن في تسامح الدين الإسلامي هو استيلاء النزعة المتطرفة على تراث العنف في كل الأديان اليهودية والمسيحية لتطبعها بطابع إسلامي لتدين هذه العقيدة وتبرأ الأديان الأخرى بأخذ هذه النماذج مثالاً معبراً عن الإسلام.
وهذا جهد يستلزم القيام بالعديد من الخطوات:
أولاً : أمام المسلمين مسؤولية ضبط شرعي وقانوني لمفهوم الجهاد الذي أصبح حقاً مباحاً لكل دعي ولكل جماعة ويوجه ضد المسلمين والدولة المسلمة بسبب نقص الاجتهاد وبسبب آخر تناسل مفرط للجماعات التي تمتلك حق التعبير عن الدين. والتالي توحيد المرجعية وتحديد معالم العقيدة في الموقف من الجهاد وتحديد محدداته وضوابطه وشروطه.
ثانياً : العمل على جعل المسجد مركز تنوير وميدان لإزدهار العقل والمعرفة والتحرر من إرث التبرير واجترار خطب مضى عليها أكثر من تسعمائة عام وتحويله أي المسجد إلى بؤره حيه ترتبط بقضايا الناس اليومية وتلتزم بإحياء قيم التسامح وتوحيد رؤية الأمة والتخلص من كل صور الأنقسام المذهبي فيما يتعلق بالنظر إلى الخطاب العام إلى الناس يوم الجمعة. وهذا الأمر يتطلب من الدولة أن تستعيد الولاية فيما يتصل بقواعد بناء المساجد وشروطها وبناء مناهج إدارتها والأنشطة التي تتم داخلها بالقياس إلى شروط الكفاءة لدى الأمام أو الواعظ ووطنيته ومعرفته المعمقة بالفضيلة التي تواكب احتياجات هذا العصر. وهذا الأمر يستدعي السيطرة الكاملة للدولة ورقابتها على المساجد عن طريق إنشاء لجان أحياء.
ثالثاً : إعادة النظر في قواعد عمل مراكز تحفيظ القرآن ومناهج التعليم الديني وشروط التأهل للإمامة عن طريق إدخال علوم الفيزياء والكيمياء والرياضيات والفلسفة وبالأخص القضايا التي ترتبط بحركة التاريخ وتنتج علماً نافعاً منتمياً ومتكاملاً مع العلوم الأخرى حتى لا تكون الجامعات ومراكز تحفيظ القرآن معامل إنتاج وعي أُحادي. كما أن من المطلوب وضع برنامج يوسع مفهوم التعليم الديني وربطه بقيم الوطنية ومراقبة الدولة لمدى جدية تنفيذ هذا البرنامج.
رابعاً: تبني إستراتيجية ضد هجوم التطرف وتجفيف منابع الإرهاب عن طريق ترشيد الطاقة الاجتماعية وتنوير المجتمع بحقيقة الحياة التي تمتد من الميلاد حتى الموت والقائمة على إعادة ضبط وتوجيه دور المدرسة والإعلام من خلال تبني مناهج تعليم للتربية الوطنية وبرامج تثقيف تنفتح على قيم إيجابية وتؤصل في الشخصية قيم الإحترام للحياة الإنسانية وتوظف الطاقة العامة لخدمة النمو والتطور العام. وهذا لن يتأتى إلاّ من خلال بناء مكونات وجدان ووعي بإسلام وسطي، وتسامح ديني وحوار حضارات معمق وبنّاء ولاء وحب للوطن وإستعداد نفسي وعقلي للحوار مع الآخر داخلياً وخارجياً.
2- إن خطر الإرهاب قد جعل الدول والمجتمعات تدخل في مواجهة عالمية مع الآخر البعيد أدياناً ودولاً وفي الوقت الذي تتحمل الدولة اليمنية هذا الكم الهائل من العنف والتطرف والإرهاب فإنها في الوقت نفسه تتعرض لضغوط خارجية نتيجة هذا الإرهاب من زاويتين :
الأولى : ضغط دولي أمريكي، أوربي.
الثانية : ضغط سعودي ، إيراني .
فكل هذه الدول تصدر مشكلاتها إلى اليمن رغم أنها الراعية والمستفيدة من هذه الظاهرة خلال الحقب السابقة لذا من الضروري عقد مؤتمر إقليمي يضم هذه الأطراف لمناقشة التدابير اللازمة. وهي تتجاوز مفهوم التدبير الأمني لمعالجة وتجفيف منابع الإرهاب والتطرف باعتبارها مسؤولية إقليمية وحاجة دولية لتنفيذ برامج طويلة الأجل تكافح وتعالج قضايا الفقر الذي يشكل التربة المواتية لازدهار وتطور هذه الظاهرة بصورة أساسية. كما أنه يعتمد على النزاع المذهبي والاختلافات الدينية التي هي بدورها تتطلب حواراً عقلياً رصيناً بين المسلمين أنفسهم من جهة وبين المسلمين وممثلي الأديان الأخرى من جهة أخرى.
أن الإرهاب خطر سيبقى ماثلاً ما لم تقم الدول والمجتمعات بالتصدي المنهجي لمصادره وبيئاته وشروط ازدهاره.<