حسن بن حسينون
هل عرفتموه؟ بالتأكيد فهو معروف للقاصي والداني، لكن لا أحد يريد أن يواجهه أو يصارحه، فلم تعد للصراحة راحة في هذا الزمن الرديء الذي فرض على الناس تكميم الأفواه تلقائياً ومن ذات أنفسهم انطلاقاً من المثل القائل: أبعد عن الشر يا خلي وغني له، ويا ما أكثر مثل هذه الأمثال التي تدعوا إلى الإفراط في السلبية والخوف من عواقب زلات اللسان حتى ولو كانت تلك الزلات تؤدي إلى الحد أو وقف من يلعب على الحبلين ويأكل باليدين، لقد استشرى هذا الداء الفتاك الذي يؤدي إلى موت الضمائر والأخلاق والشرف والشهامة والإيمان ومخافة الله، فقد أدمن هؤلاء المنافقون وفي مقدمتهم من يدعون ليل نهار على محاربة مثل هذه الظواهر المرضية في الصحافة والإعلام، بينما هم حقيقة من يتقدمون الصفوف في اللعب على الحبلين والأكل بكلا اليدين؛ لأنهم يشعرون بأنه لا يمكن لكائن من كان في اليمن أن يفكر يوماً أن بإمكانه أن يجمع كل الحبال المنتشرة والمنشورة في جميع المؤسسات ومرافق الدولة ورميها في المحرقة أو قطع الأيدي وبتر الأرجل من خلاف، فالسحر والنفاق والتحايل والنصب والرذيلة وكل أنواع وأشكال الفساد هي عبارة عن طريق ممهدة ومعبدة ومعاهد وجامعات متخصصة لتخريج مئات وآلاف الخريجين في مجال اللعب على الحبلين والأكل باليدين، يمثلون كارثة كبرى على الشعوب والأوطان، ويمكن القول هنا بأن اليمن تأتي في مقدمة البلدان في تخريج مثل هؤلاء وبنسب عالية لا تضاهيها حتى النسب المئوية لترشيح الرؤساء في البلدان المتخلفة والتي تنعدم فيها الحريات العامية، لقد انتشرت هذه الظاهرة بشكل مخيف لم يسلم من ضررها جميع الفئات العمرية ومن كلا الجنسين صغاراً وكباراً، وقد لعبت ثقافة الموروث المتخلف دوراً كبيراً في تفشيها مع مرور الزمن وبالذات منها الأمثال سواء تلك التي تأتي على ألسنة أقطابها التاريخيين من أمثال الحميد بن منصور وعلي بن زايد وأبو عامر والذي من أقواله التي دائماً ما يرددها الحضارم داخل حضرموت ونقلوها معهم إلى مهاجرهم والتي تقول البعض منها: "يقول بو عامر خير العلم قولت ما دريت" إن شفت شيء ما قلت شيء، وإن حد حكالي ما حكيت" ومنها "تفحسس تعيش تعقرب تقتل"، وكذا "اليد التي لا تستطيع أن تكسرها قبلها وادع لها بالكسر.. ليس في العلانية وإنما في الخفاء بينك وبين نفسك"، وهناك العشرات من مثل هذه الأمثال أو الحكم كما يطلقون عليها المروجون لها والمؤثرة في سلوكهم وممارساتهم وفي عقولهم حتى النخاع والتي يرددونها وتتناقلها وتتأثر بها الأجيال، فكل هذه الظواهر المرضية المنتشرة في المجتمع اليمني بما في ذلك الفساد فإن مصادرها ومنابعها الأصلية هي تلك الأمثال والحكم وثقافة الموروث الشعبي المتخلف.
لقد ابتلت الأمة بالنفاق والفساد وحلت عليهم اللعنة إلى يوم الدين، والله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم "صدق" فأين هم رجال العلم والدين من كل ذلك؟ أم أننا وجدنا عليه آبائنا وأجدادنا وإنا له لحافظون.