احمد عمرابي
عندما أخذ نجم الزعيم الروسي فلاديمير بوتين يصعد كقائد وطني من طراز جديد في مرحلة ما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي لم يشأ قادة الغرب أن يأخذ هذا التحول على مأخذ الجد. فقد اعتبروه فقاعة قابلة للانفجار السريع. بدأ الغرب يستيقظ عندما أعلن بوتين على العالم في تصريح شديد الدلالة أن انهيار الاتحاد السوفييتي كان أكبر كارثة في القرن العشرين.
فقد كان تفسير المغزى هو أن ما يعتزم بوتين إنجازه هو إعادة المجد السوفييتي إلى روسيا على نحو أو آخر، ومع ذلك فإن الغرب واصل استخفافه بالزعامة البوتينية. وعلى نحو فجائي، تغيّر المشهد تماماً عندما شنّت روسيا في أغسطس الماضي حملة عسكرية كاسحة على جمهورية جورجيا في الجوار الجغرافي. ومع توالي التداعيات العسكرية الدبلوماسية المتسارعة في هذا الحدث الفجائي أصبح قادة الغرب يدركون الصورة على حقيقتها.. صورة تنم ملامحها عن بوادر تبلور نظام عالمي جديد.. ورغم أن مجلة «الايكونومست» اللندنية الوقورة تقول إن نظاماً عالمياً جديداً قد بدأ بالفعل إلا أن من الأسلم أن يُقال إن الهجمة الروسية على جورجيا ستدخل التاريخ كعلامة فاصلة تفيد بما لا يدع مجالاً لأي تشكك بأن روسيا عادت إلى ساحة الصراع الدولي كقوة دولية يُحسب لها حساب على غرار ما كان عليه حال الاتحاد السوفييتي حتى نهاية عقد الثمانينات من القرن الماضي.
فلاديمير بوتين ليس ماركسياً، وتصوّره لروسيا جديدة قوية ليس تصوراً أيديولوجياً بمعنى نشر الشيوعية كنظام اقتصادي وسياسي في أنحاء العالم، إنه ببساطة يمثل زعامة براغماتية ذات طابع قومي. وعلى هذا النحو، فإن القاعدة الشعبية التي يستند إليها بوتين تتكون من جماعات وجماهير الطبقة المتوسطة بأجيالها القديمة والشابة التي عاشت حال الإذلال العام في مرحلة ما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.
بتوجهاته وسياساته الداخلية والخارجية نجح بوتين في استثارة بعث قومي عارم تتسع دائرته الجماهيرية يوماً بعد يوم ما أتاح له إعادة الاعتبار للاقتصاد الوطني من ناحية وانتهاج سياسة خارجية استقلالية من ناحية أخرى.
من خلال الهجمة على جورجيا أراد بوتين أن يختبر القوة الروسية الجديدة، ورغم أن جورجيا يحكمها نظام موالٍ تماماً للولايات المتحدة إلى درجة العمالة، إلا أن التجربة أثبتت أن واشنطن ليست على استعداد لمجابهة القوة الروسية وأن الاتحاد الأوروبي ليس على قلب رجل واحد كما كان الظن به. هذه علامة تحوّل عظمى في الساحة الدولية؟.<