;

صلاح الدين الأيوبي.. وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس ..الحلقة التاسعة والعشرون 1045

2008-09-25 03:43:09

المؤلف/ علي محمد الصلابي

8- جهود الإمام الغزالي في دحر الشيعة الباطنية:

كانت إحدى ثمرات المدارس النظامية أنها مهدت الطريق لسيادة المذهب السني وهذا الأمر لم يكن بالأمر السهل ، بل كان نتيجة لجهود مضنية وتضحيات رائعة وتكاتف للجهود، وقد كان من أبرز آثارها أيضاً تقلص نفوذ الفكر الشيعي وخاصة بعد أن خرجت المؤلفات المناهضة له من هذه المدارس وكان الإمام الغزالي - العالم السني - على قمة المفكرين الذين شنوا حرباً شعواء على الشيعة الرافضة الباطنية، إذ يذكر هو : أنه ألف في ذلك كتباً عدة أشهرها: فضائح الباطنية الذي كلف بتأليفه في "487ه" من قبل الخليفة المستظهر، على أن الشيء المثير للإعجاب هو أن شجاعة الغزالي في حملته على الإسماعيلية الباطنبة جاءت في وقت انتشر فيه دعاتهم في فارس وتزايد خطرهم حتى أقاموا الحصون والقلاع، وهددوا أمن الناس وسلامتهم، وقاموا بالاغتيالات على نطاق واسع، فشملت كثيراً من الساسة والمفكرين، وعلى رأسهم نظام الملك نفسه، والغزالي قام بهذه الحملة بتوجيه من السلطة - مع رغبة الغزالي العالم السني في القيام بواجبه في الدفاع عن الإسلام الحقيقي، وهذا شيء جميل لما تلتقي جهود السلطة السياسية مع علمائها في تحقيق أهداف الإسلام من خلال مؤسسات نافعة للمجتمع والدولة، كالذي قامت به المدارس النظامية في مقاومة الفكر والنفوذ الشيعي الباطني، فقد كانت الدولة الفاطمية قد تدرعت بالفلسفة والعقيدة الباطنية وظهرت في مظهر ديني سياسي، فكانت - كما يقول الأستاذ الندوي - أشد خطراً على الإسلام من الفلسفة ، فقد كانت الفلسفة تعيش في برجها العاجي بعيداً عن الشعب والجمهور، وأما الباطنية فكانت تتسَّرب إلى المجتمع وتنفث سمومها فيه، وكان لها الإغراءات المادية القوية، ولم يكن في العالم الإسلامي في آخر القرن الخامس أحد أجدار بالرد عليها والكشف عن أسرارها ونقض ما تبني عليه دعوتها من الغزالي، وكان لكتابات الغزالي أثر قوي في مجال الرد على الباطنية، فقد استطاع بفكره القوي وبما نال من شهرة أن يكون ذا تأثير قوي في مقاومة الباطنية وأن يناصر المذهب السني، فقد استطاع توظيف العلوم الشرعية والعلوم العقلية من الفلسفة والمنطق والكلام في نسف جذور المذهب الباطني، وقال فيهم كلمته التي طار بها الركبان وسارت مسير الأمثال: ظاهرهم الرفض وباطنهم الكفر والمحض، فهم يتسترون بالتشيع وما هم من الشيعة في شيء وإنما هو قناع يخفون وراءه كيدهم لأهل الإسلام، ومما يذكر للغزالي: استمراره على نقد هذه الطائفة وكشف اللثام عن تناقض أفكارها وفضائح أعمالها وسوء نواياها، برغم ما كان معلوماً في ذلك الوقت أن هذا النقد قد يكلفه حياته، وقد رأى بنفسه مصرع رجال الدولة الكبير والوزير نظام الملك، وكان الشيعة الباطنية تهدد كل من يرونه خطراً عليهم من رجال الملك أو رجال العلم بالانتقام في صورة طعنة في خنجر، أو سم يدس في طعام أو غير ذلك من الأساليب التي أتقنوها ونفذوها بكل دقة، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على شجاعة الغزالي في صدمه بالحق، ومواجهة الباطل، مهما تكن النتيجة ولن يصيبه إلا ما كتب الله له. وهذا درس وتذكير للعلماء المعاصرين أن يصدقوا الله في مقاومة الباطنيين الجدد، وقد رأيت بعض المحسوبين على العلماء يخشونهم، ويخافون من القتل والاغتيال أو تهمة الطائفية، أو بعضهم وقع تحت تأثير إبر التخدير الباطنية ومجاملات لا وزن لها في ميزان الشريعة أوحسابات دنيوية زائلة ولذلك تركوهم يعبثون بعقائد الأمة ومقدساتها، وساهم بعض علماء الأمة في تخدير الجمهور العريض من أبناء المسلمين مع علم هؤلاء العلماء بخطر هؤلاء القوم على

عقائد الأمة وأخلاقها، أما يخشى هؤلاء الناس من يوم تتقلب فيه القلوب والأبصار ويسأل الله فيه الصادقين عن صدقهم؟

ثانياً: الحملات النورية العسكرية على مصر:

قام الوزير الفاطمي ابن السلار السني المذهب بمحاولة الاتصال بنور الدين من أجل شن عمليات حربية مشتركة على أساس أن يتقدم نور الدين بقواته من الشمال ويقوم الأسطول الفاطمي بمهاجمة المدن الساحلية الشامية الصليبية، وتوسط أسامة بن منقذ بين الجانبين وعرض عليه ابن السلار أن يأخذ الأموال والهدايا لسلطان حلب عارضاً عليه القيام بمنازلة طبرية، وفي نفس الحين يقوم الأسطول الفاطمي بمهاجمة غزة، وفي حالة موافقة نور الدين على ذلك يقدم له ابن منقذ الأموال لمساعدته، فإن رفض فعلى الأخير أن يجند بالأموال عدداً من الفرسان لقتال الصليبيين عند عسقلان، غير أنه عندما بلغ بصرى وقابل نور الدين أوقح له مدى انشغاله بأمر دمشق وأنها تقف سداً منيعاً دون التعاون المشترك مع الفواطم إذ أنها لم تكن حينذاك قد سقطت بعد في قبضته، ويلاحظ أن ابن السلار استمر في صراعه مع الصليبيين فجهز في عام "546ه/ 1151م" أسطولاً أنفق عليه مالاً وفيراً وهاجم به المدن الساحلية الصليبية وبلغ ذلك وقد تحدث الذهبي عن ابن السلار فقال: وكان بطلاً شجاعاً، مقداماً مهيباً شافعياً سنياً، ليس على دين العبيدية، احتفل بالسلفي، وبنى له المدرسة، لكنه فيه ظلم وعسف وجبروت.

وتجددت المحاولات السابقة في عهد وزارة طلائع ابن رزيك الذي اتصل بنور الدين محمود عن طريق أسامة بن منقذ غير أن نور الدين لم يتعجل وكان يرى أن الفرصة المناسبة لم تأتِ بعد، وكانت بين أسامة بن منقذ والملك الصالح أبو الغارات طلائع بن رزيك مساجلات شعرية منها ما قاله طلائع بن رزيك:

فقولوا لنور الدين لا فل حده

ولا حكمت فيه الليالي الغواشم

تجهز إلى أرض العدو ولا تهن

وتظهر فتوراً إن مضت منك حارم

ومنها ما كتبه إلى أسامة بن منقذ:

يا سيداً يسمو بهمته

إلى الرتب العليَّة

فينال منها حين يحرم

غيره أوفى مزيَّة

أنت الصديق وإن بعدت

وصاحب الشيم الرضَّية

ننبيك أن جيوشنا

فعلت فِعال الجاهلية

سارت إلى الأعداء من

أبطالها مئتا سَرِيَّة

فتغير هذي بكرة

وتعاود الأخرى عشية

فالويل منها للفرنج

فقد لقوا جهد البليَّة

جاءت رؤوسهم تلوح

على رؤوس السَّهمريَّة

وقلائع قد قسمت

بين الجنود على السوية

وخلائق كثرت من

الأسرى تقادُ إلى المنية

فانهض فقد أنبيت مجد

الدين بالحال الجلِيًَّة

وألمم بنور الدين وأعلمه

بهاتيك القضيّة

فهو الذي ما زال يخلص

منه أفعالاً ونيَّة

ويبيدُ جمع الكفر بالبيض

الرقاق المشرفية

فعساه ينهض نهضة

يفني بها تلك البقيّة

إما لنصرة دينه

أو ملكه أو للحميَّة

وكتب إلى أسامة بن منقذ أيضاً فقال:

قل لابن منقذ الذي

قد حاز في الفضل الكمالا

فلذلك قد أضحى الأنام

على مكارمه عيالا

كم قد بعثنا نحرك

الأشعار مسرعة عجالا

وصددت عنها حين رامت

من محاسنك الوصالا

هلا بذلت لنا مقالاً

حين لم تبذل فعالا

مع أننا نوليك صبراً

في المودة واحتمالا

ونبثك الأخبار إن

أصخت قصاراً أو طوالا

سارت سراياك لقصد

الشام تعتسف الرَّمالا

تزجي إلى الأعداء

جُرد الخيل أتباعاً توالى

إلى أن قال:

فلو أن نور الدين

يجعل فعلنا فيهم مثالا

ويسير الأجناد جهراً

كي ينازلهم نزالا

ووفى لنا ولأهل دولته

بما قد كان قالا

لرأيت للإفرنج طرا

في معاقلها اعتقالا

وتجهزوا للسير نحو

الغرب أو قصدوا الشمالا

وإذا أبى إلا اطراحاَ

للنصيحة واعتزالا

عدنا بتسليم الأمور

لحكم خالقنا تعالى

فأجابه ابن منفذ بقصيدة منها:

يا أشرف الوزراء أخلاقاً

وأكرمهم فعالاً

نبهت عبداً طالما

نبهته قدراً وحالا

وعتبته فأفلته

فخراً ومجداً لن ينالا

لكن ذاك العتب يشعل

في جوانحه اشتعالا

إلى أن قال:

واشدد يديك بود

نور الدين والق به الرجالا

فهو المحامي عن بلاد

الشام جمعا أن تذالا

ومبيد أملاك الفرنج

وجمعهم حالاً فحالا

ملك يتيه الدهر

والدنيا بدولته اختيالا

جمع الخلال الصالحات

فلم يدع منها جلالا

فإذا بدا للناظرين

رأت عيونهم الكمالا

فبقيتما للمسلمين

جمى وللدنيا جمالا

ولم يدخل نور الدين في تحالف عسكري مع طلائع بن رزيك إلا أنه اهتم بالاتصالات الدبلوماسية وقد وصلت في "552ه/1157م" سفارة من جانب نور الدين، وتكرر نفس الأمر في العام التالي أي "553ه/1158م" وردت الدولة الفاطمية على تلك السفارة بأن تم إعادة السفير النوري إلى بلاده، ومعه هدايا وأسلحة تقدر بثلاثين ألفاً من الدنانير، وعينيات تقدر بسبعين ألفاً من أجل دعم صراع نور الدين مع الصليبيين، ونجد سفارة أخرى من نور الدين في عام "554ه/1159م" ومن جهة أخرى أظهرت الدولة الفاطمية ودها له، فأرسل العاضد في عام "555ه/1160م" أدركوا أكثر من ذي قبل خطورة الصليبيين عليهم وضرورة الاستفادة من قوة الدولة النورية وثقلها السياسي والعسكري. <

صلاح الدين الأيوبي مؤلَّف جديد يضيء شمعة أخرى في الموسوعة التاريخية التي نسعى لإخراجها، وهو امتداد لما سبقه من كتب درست الحروب الصليبية، ويتناول الدكتور/ علي محمد الصلابي في هذا الكتاب صراع المشاريع: المشروع الصليبي، والمشروع الإسلامي، ولخص الحملات الصليبية التي سبقت قيام الدولة الأيوبية، والرصيد الخلقي لصلاح الدين وصفاته، وتوسعه في إنشاء المدارس، ومكانة العلماء والفقهاء عنده ، ثم أفرد المؤلف فصلاً كاملاً لمعركة حطين وفتح بيت المقدس، وأسباب الانتصار في تلك المعركة الفاصلة والحاسمة، ثم الحملة الصليبية الثالثة وردة فعل الغرب الأوروبي من تحرير بيت المقدس والتعبئة الشاملة التي حدثت، وأخيراً وفاة صلاح الدين وتأثر الناس بوفاته حتى المؤرخون الأوروبيون أشادوا بعدله وبقوته وتسامحه واعتبروه أعظم شخصية شهدها عصر الحروب الصليبية قاطبة، وستظل سيرته تمد أبناء المسلمين بالعزائم الصلاحية التي تعيد إلى الحياة روعة الأيام الجميلة الماضية وبهاءها.

ونظراً لأهمية هذا الكتاب وما يحتويه من معلومات تهم القارىء الكريم ونزولاً عند رغبته تعمل أخبار اليوم عن نشره كاملاً في حلقات.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد