كروان عبد الهادي الشرجبي
هل تذوقت يوماً حلاوة الاستماع لكلام الله عزَّ وجل وكرمت أذنيك بذلك فأصغت وأنصت؟ هل كحلت عينيك بالنظر في كتابه فأنارت وأبصرت؟
أن الله عز وجل حين خلقك أيها الإنسان لم يخلقك سدى ولم يتركك، بل حباك وتفضل عليك برسل الهداية ووسائل المعرفة حين أعطاك أذنين ووهبك عينين، ولو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما حصلت على مثلها.
ولو سجدت طوال عمرك ما وفيت شكرها، لكن الواهب المانح سبحانه وتعالى حين مَنَّ عليك بها لم يطلب منك شيئاً سوى القيام بحقها عليك وحفظ أمانتها بين يديك فهل أنت كذلك؟
أن الأذنين والعينين من أجمل النعم وأعظمها ولا يشعر بقدرها أحد مثل من فقدها أو فقد بعضها والأذن هي أولى أسباب الهداية والسير على طريق الله المستقيم لأن الإنسان ينصت بها إلى كتاب الله ويستمع إلى العلماء فيتعلم ويعرف الحلال والحرام ولذلك فقد ذم الله تعالى الكافرين ووصفهم بأنهم صم وبكم وعمي رغم أن لهم أعيناً يرون بها وآذاناً يسمعون بها وألسنة يتكلمون بها، ذلك لأنهم لم يستخدموها فيما خلقت لأجله من معرفة الله عز وجل ولم يسخروها في طاعته فينفقوا بها لآخرتهم.
والسمع له آداب لأن الله كرم الأذن بسماع تلك الكلمات الطيبات، والتي طهرها حين سن الرسول عليه الصلاة والسلام مسحها في الوضوء من الظاهر بالإبهام ومن الباطن بالسبابة، وكان في ذلك إشارة لطيفة إلى ضرورة طهارة هذه الجارحة ومن كل ما يجرحها ويؤذيها في الدنيا والآخرة.
أما العين فأكرم بها من نعمة، حين يرى الإنسان بواسطتها الأشياء الظاهرة أمامه وهي من أشد الجوارح ارتباطاً بالقلب، فالقلب بيت العين بابه، فبين العين والقلب منفذ وطريق، فإذا خربت العين وفسدت خرب القلب وفسد، فلا يصلح لكن معرفة الله ومحبته وقد جمع الله بينهما في كثير من الآيات لأن العين تبعد الظاهر والقلب يبعد الباطن.
فكيف تكرم عينيك بالنظر في كتاب وبالنظر في كتب العلم وطلبه بالنظر في هذا الكون نظرة التدبر والاعتبار بنظرات الحب المشفقة والرحمة والرأفة توزعها على من حولك بنظرة الشكر والرضا والامتنان، بنظرة العفة عن الحرام بالسعي في حوائج الناس ومساعدتهم، وتكرم عينيك كذلك بحفظها من نظرات الحسد والكبر والاحتقار وغضها عن المحارم والبكاء خوفاً من الله والسهر في سبيله.
والمسلم حين يحسن استخدام تلك النعم، يسخرها في مرضاة الله ويسير بها حسب منهجه ووفق إرادته، يعرف الفرض الذي من أجله خلقت، ومن أجله يحيا ويعيش وحينئذ ينجح بفضل الله.<