;

صلاح الدين الأيوبي.. وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس ..الحلقة الثلاثون 1132

2008-09-27 02:47:12

المؤلف/ علي محمد الصلابي

1- دوافع فتح مصر عند نور الدين:

كان فتح مصر من أعظم منجزات نور الدين رحمه الله، تمكن من إسقاط الدولة الفاطمية العبيدية، التي استمرت أكثر من قرنين تنشر الفساد السياسي والخلل العقدي في أنحاء العالم الإسلامي فهي التي أعانت الصليبيين في احتلال بلاد الشام بتحالفها وتآمرها معهم، وهي التي تبنت المذهب الباطني ونشرته في ديار المسلمين، وعندما سادت الفوضى إدارة الحكم فيها، وتحكم الوزراء بالأمر دون الخلفاء طمع الصليبيون بغزو مصر فهاجموها المرة تلو المرة، وعندها جرد نور الدين محمود حملاته العسكرية لتخليص مصر من مطامعهم، ولإعادة أرض الكنانة إلى منهج أهل السنة والجماعة، وجمع كلمة المسلمين ويمكن تلخيص أبرز الدوافع التي أدت إلى غزو مصر ما يأتي:

الدافع الأول:

حالة الفوضى التي سادت مصر آخر أيامها فقد أصبحت الدولة تعاني كثيراً من مظاهر الانحلال والفساد، حتى صار من الأمور الشائعة أن يصبح الخليفة أو الوزير مقتولاً، خلال الصراع الدائر بين الوزراء أنفسهم، أو بيني الوزراء والخلفاء، فقد قتل الظافر على يد وزيره، وتحكم الوزراء فيمن جاء بعده وفي اختيار من يشاؤون، وقتل الوزراء بعضهم بعضاً، فقد تولى الوزراء في عام واحد ثلاثة وزراء: العادل بن رزيك، وشاور وضر غام ، فضعفت الدولة وسادت الفوضى في البلاد.

ومن أواخر هذا الصراع خروج شاور من مصر، بعد أن طرده "ضرغام" ومن ثم استنجاده بنور الدين محمود، الذي وجد الفرصة مواتية لتحقيق الوحدة الإسلامية في بلاد الشام ومصر.

الدافع الثاني:

إن مطامع الصليبيين شجعت القائد المجاهد نور الدين على التفكير جدياً بضم مصر إلى الجبهة الإسلامية، كما أن تلقيه العهد من الخليفة العباسي بإطلاق يده في بلاد الشام ومصر عام "549ه" شد من عزيمته لإنجاز هذا الأمر.

الدافع الثالث:

من أقوى الأسباب التي أدت إلى القضاء على الخلافة الفاطمية العبيدية: العامل العقدي، فقد كان دولة باطنية المعتقد، إسماعيلية المذهب فرقت وحدة المسلمين وتآمرت مراراً مع أعدائهم.

فكان لا بد من إقامة وحدة قوية في عقيدتها،ي شرعية في توجهها تضم إلى الخلافة العباسية أرض الكنانة مع بلاد الشام.

وفي هذه الظروف التي كان نور الدين الشهيد يتطلع فيها إلى غزو مصر وصلي إلى دمشق عام "559ه" الوزير الفاطمي شاور بن مجير السعدي، طالباً النجدة منه، ضد من سلب منه منصبة قهراً، كما وعد شاور مقابل مساعدة نور الدين له : بثلث دخل البلاد المصرية سنوياً، بعد دفع رواتب الجند، وأن يكون نائباً عن نور الدين بمصر، إذا ساعده في التغلب على ضرغام عدوه، ويكون أسد الدين شيركوه مقيماً بعسكره بمصر، ويتصرف مع شاور في شؤون البلاد بأمر نور الدين.

لكن نور الدين كان متردداً متريثاً: يقدم إلى هذا العرض رجلاً ويؤخر أخرآ، حتى اسخار الله في الأم، على ما هنالك من أخطار جسيمة ممثلة في الصليبيين بالساحل وبين المقدس، إضافة إلى شكه في إخلاص شاور السعدي ثم جهز نور الدين الحملات المتوالية، ووجهها نحو مصر منذ عام "559ه حتى 564ه" بقيادة أسد الدين شيركوه.

2- الحملة النورية الأولى:559ه:

قرر نور الدين محمود إرسال حملة عسكرية إلى مصر بقيادة أسد الدين شيركوه لتحقيق هدفين مبدئيين:

* الوقوف عن كتب على أوضاع مصر الداخلية تمهيداً لضمَّها، وبخاصة أن شاور وعده إن هو عاد إلى منصبه، سيتحمَّل نفقات ويؤمن إقامة أسد الدين شيركوه وجنده في مصر.

* إعادة شاور، الوزير الفاطمي المخلوع إلى منصبه،

وعلم ضرغام بالاستعدادات التي تجري في دمشق لتجهيز حملة لمساعدة شاور، فاحتاط للأمر، واستنجد بعموري الأول في محاولة منه للدخول في لعبة توازن القوى، وعقد معه اتفاقاً لمساعدته ضد نور الدين محمود وتعهد له بالمقابل أن يدفع جزية سنوية يقررها الملك، كما وافق على أن تدخل مصر في تبعية الصليبيين، وأجبر الخليفة الفاطمي العاضد على توقيعه هذا الاتفاق، وكان طبيعياً أن يقبل عموري الأول هذا العرض الذي سيتيح له فرصة لا تعوَّض لدخول مصر، وهو الأمل الذي سعى إليه الصليبيون منذ أكثر من نصف قرن، فأعدَّ على الفور حمل عسكرية من أجل الزحف على مصر، وخرج أسد الدين شيركوه على رأس حملته الأولى إلى مصر في شهر جمادي الآخر "559ه/شهر نيسان 1164م" بصحية ابن أخيه صلاح الدين يوسفي بن أيوب الذي كان يناهز السابعة والعشرين من عمره، وسار على الطريق المحدَّد للحملة، والذي يمر عبر أراضي يسيطر عليها الصليبيون وحتى يصرف أنظارهم عن التعرض للحملة، وتأميناً على حياة أفرادها تصرف نور الدين محمود على محورين:

الأول:

أنه رافق الحملة بجيشه إلى ما يلي دمشق للحيلولة دون التعرض لأفرادها.

الثاني:

راح يهاجم الأطراف الشمالية لمملكة بيت المقدس المجاورة لدمشق لتحويل أنظار الصليبيين عن مصر.

وسار أسد الدين شيركوه على رأس جيشه الكثيف عبر الصحراء، بصحبة شاور، فعبر الكرك ومر بالشوبك ثم أيلة، فالسويس ومنها إلى القاهرة وقد بلغ من السرعة في سيره أنه اجتاز برزخ السويس قبل أن يستعد الصليبيون للتدخل، فأرسل ضرغالم قوة عسكرية بقيادة أخ له يدعى: ناصر الدين،ي للتصدي لزحفه، أسفر لقاء الطرفين في بلبيس عن انتصار واضح لأسد الدين شيركوه وتراجع ناصر الدين مهزوماً إلى القاهرة، فطارد أسد الدين شيركوه ووصل في أواخر جمادى الآخرة إلى العاصمة المصرية، فخرج إليه ضرغام بكل ما يملك من قوة، لإدراكه بأن هذه المعركة هي معركته الأخيرة، وجرى اللقاء تحت أسوار القاهر: اتسمت المعركة بالعنف وانتهت بانتصار أسد الدين شيركوه بعد أن تخلى الجيش والناس والخليفة عن ضرغام ، وقتل أثناء محاولته الفرار قرب مشهد السيدة نفيسة - المزعوم - في شهر رجب 559ه/ شهر حزيران 1164م كما قتل أخوه ناصر الدين ودخل أسد الدين شيركوه القاهرة منتصراً وأعاد شاور إلى منصبه في الوزارة، ثم أقام معسكره خارجها.

وبعد أن ضمن شاور عودته إلى منصب الوزارة إلى طبيعته التي اتصف بها - من المكر والخداع - ليدخل في صراع جديد مع أسد الدين شيركوه، فأساء معاملة الناس وتناسى وعوده لنور الدين محمود، بل سرعان ما ظهرت عليه أمارات الغدر فنقض اتفاقيته معه، وطلب من شيركوه الخروج من مصر وأن يعود فوراً مع قواته إلى بلاد الشام، ولكن هذا وحكم الأخير رفض الاستجابة لطلبه، وردَّ على موقفه المتقلب ، فسارع إلى الاستيلاء على بلبيس وحكم البلاد الشرقية، ولم يسََع شاور إلا أن يستنجد بالملك عموري الأول الذي كان يتأهب للزحف على مصر، وأخذي يخوفه من نور الدين محمود وعرض عليه أن:

* يؤدي له مبلغ ألف دينار عن كل مرحلة من مراحل الرحلة من بيت المقدس إلى نهر النيل، البالغ عددها سبعاً وعشرين مرحلة.

* منح هدية لكل من يصحبه من فرسان الأسبتارية الذين كانوا يشكلون عماد جيش مملكة بيت المقدس، في محاولة منه لإغراء فرسانها بالاشتراك بالحملة.

* يتكفل بنفقات علف أفراسهم، مقابل مساعدته لإخراج أسد الدين شيركوه من مصر.

وهكذا انغمس شاور في اللعبة السياسية بين الأعداء الكبار ومحاولاً بذلك إثارتهم لمصلحته الخاصة، ولا شك بأن عموري الأول كان آنذاك يراقب تطورات الموقف السياسي والعسكري في مصر ، فلما علم بزحف أسد الدين شيركوه ازدادت مخاوفه، ولما وصلت إليه الأمر الذي لا يهمه في شيء فكل ما يعنيه هو دخول مصر.

3- حملة عموري الثانية على مصر:

فشلت حملت عموري الأول على مصر وضطر إلى الانسحاب والعوجة عغلى بيت المقدس، وكانت في عام "558ه/ 1163م" وعندما أتحيت الفرصة مرة أخرى لدخول مصر بادر عموري الأول فور تلقيه دعوة شاور، إلى عقد مجلس في بيت المقدس حضره بارونات المملكة، وتقرَّر فيه تلبية دعوة شاور بعد أن أوضح للمجلس أن في قدرته تجهيز حملة لغزو مصر دون أن يضعف من دفاعات المملكة، وبخاصة أنه وصل وقتئذ من أوروبا عدد من الحجاج لزيارة بيت المقدس يمكن الاستفادة منهم في المجهود الثالث، أمير أنطاكية، إدارة شؤون المملكة خلال غيابه، وأسرع ملك بيت المقدس بالزحف إلى مصر على رأس قواته للمرة الثانية في شهر رمضان عام "559ه/ شهر آب عام" "1164م" واتصل فور وصوه إلى فاقوس بشاور واتفقا على حصار أسد الدين شيركوه في بلبيس، وصمد هذا الحصن للحصار مدة ثلاثة أشهر دفع أسد الدين شيركوه خلالها عن مواقعه، وفجأه قرَّر عموري الأول الدخول في مفاوضات معه للجلاء المزدوج عن مصر، فما الذي حدث في الأفق السياسي حتى أقدم على هذه الخطوة؟ - وهنا تبرز عبقرية نور الدين العسكرية وقيادته الفذة فقد تلقَّى عموري الأول أنباء مزعجة من بلاد الشام بتعرض ممتلكاته لضغط من نور الدين محمود، ففضَّل العودة للدفاع عنها، وأدرك في الوقت نفسه أن حملته مقضي عليها بالفشل في ظل امتناع أسد الدين شيركوه في بلبيس.

وكان موقف أسد الدين شيركوه صعباًَ أيضاًَ، فالمؤن بدأت بالنفاذ فضلاً عن تفوق القوات الصليبية الفاطمية المشتركة في العدد، وأن الوضع العسكري ليس في صالحه لذلك قبل الدخول في مفاوضات من أجل الجلاء عن مصر.

صلاح الدين الأيوبي مؤلَّف جديد يضيء شمعة أخرى في الموسوعة التاريخية التي نسعى لإخراجها، وهو امتداد لما سبقه من كتب درست الحروب الصليبية، ويتناول الدكتور/ علي محمد الصلابي في هذا الكتاب صراع المشاريع: المشروع الصليبي، والمشروع الإسلامي، ولخص الحملات الصليبية التي سبقت قيام الدولة الأيوبية، والرصيد الخلقي لصلاح الدين وصفاته، وتوسعه في إنشاء المدارس، ومكانة العلماء والفقهاء عنده ، ثم أفرد المؤلف فصلاً كاملاً لمعركة حطين وفتح بيت المقدس، وأسباب الانتصار في تلك المعركة الفاصلة والحاسمة، ثم الحملة الصليبية الثالثة وردة فعل الغرب الأوروبي من تحرير بيت المقدس والتعبئة الشاملة التي حدثت، وأخيراً وفاة صلاح الدين وتأثر الناس بوفاته حتى المؤرخون الأوروبيون أشادوا بعدله وبقوته وتسامحه واعتبروه أعظم شخصية شهدها عصر الحروب الصليبية قاطبة، وستظل سيرته تمد أبناء المسلمين بالعزائم الصلاحية التي تعيد إلى الحياة روعة الأيام الجميلة الماضية وبهاءها.

ونظراً لأهمية هذا الكتاب وما يحتويه من معلومات تهم القارىء الكريم ونزولاً عند رغبته تعمل أخبار اليوم عن نشره كاملاً في حلقات.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد