عبد الستار قاسم
تعيش فلسطين مرحلة تاريخية شاذة عن تاريخ الشعوب والأوطان التي تقع تحت الاحتلال لأن المقاومة غائبة إلى حد كبير. الأصل أن تكون مقاومة الاحتلال هي النشاط اليومي المميز الطاغي على كل نشاط وذلك وفق المنطق التاريخي الذي يقول بأن التناقض الحاد بين أبناء الوطن والقوى الغازية يؤدى في النهاية إلى ثورة، أو على الأقل إلى مقاومة.. في فلسطين، الفصائل الفلسطينية لا تجد وقتا للمقاومة، وهي منهمكة جدا في نزاعاتها القبلية المزرية التي تستنزف الشعب وطنيا وأخلاقيا ومعنويا. الاحتلال يحاصر غزة، والضفة الغربية عبارة عن مسرح للعمل اليومي لجيش الاحتلال الآمن الذي، لا يجد مقاومة فحسب، بل ويجد استحسانا وتعاونا من أطراف فلسطينية.
تعيش فلسطين فراغا تاريخيا يؤثر وجدانيا ووطنيا في نفوس الملايين من أبناء الشعب الفلسطينى والأمة العربية والإسلامية. ولا بد لهذا الوضع الشاذ أن يفرز نقيضه؛ تأخذ عملية تشكُّل النقيض المنظم وقتا من الزمن بسبب التعقيدات الأمنية، لكن هذا لا يمنع ردود فعل سريعة أشبه ما تكون بالإسعاف الأولى لروح المقاومة.. هذا ما يمكن أن يفسر المقاومة بالمركبات التي يقوم بها بعض الأبطال الفلسطينيين الذين لا يهون عليهم هذا التردي الواضح لحال المقاومة الفلسطينية عموما. إنهم يستعملون أدوات فعالة وفتاكة للهجوم على العدو والثأر للشعب الفلسطيني، ويحاولون بذلك إنقاذ الوضع، وإعادة الهيبة لفكر المقاومة.
موجة العمليات الفدائية التي يقوم بها فلسطينيون خاصة في مدينة القدس شبيهة بموجة حرب السكاكين التي سادت فترة من الزمن نتيجة لغياب المقاومة الفلسطينية أيضا. هدأت المقاومة حينا من الزمن، ولم يعد لإرادة الشعب الفلسطيني ذكر أمام الأمم، فبدأ فلسطينيون باستعمال السكاكين ضد إسرائيليين في مواقع متعددة من فلسطين المحتلة/48، وأخذت وسائل الإعلام تضع القضية الفلسطينية في مقدمة نشراتها.
أمام ما يجرى في القدس وأنحاء أخرى من الضفة الغربية، من المفروض أن تخجل الفصائل الفلسطينية من نفسها، وعليها أن تقرر بين التزامها بتحرير الوطن أو الرحيل وإراحة الشعب الفلسطيني من التبعات الثقيلة المترتبة على وجودها. شعب فلسطين الآن لا يقع تحت وطأة الاحتلال فقط، وإنما هو محتل أيضا من قبل الفصائل الفلسطينية التي تستغل القضية الفلسطينية باسم تاريخها النضالي، "إن وجد"، لتحقيق مكاسب شخصية وقبلية.
الفصائل الفلسطينية مكلفة جدا لخزينة الشعب الفلسطيني، ومكلفة جدا لدمائه ووحدته وصورته عند الأمم وأمام الشعوب العربية والإسلامية.
لله در الشهداء الذين يضحون من أجل أن تبقى جذوة المقاومة، ومن أجل أن تبقى فلسطين عنوانا مقدسا تهون من أجله النفوس.<