زياد ابوشاويش
Zead51@hotmail.com
عندما كتبنا مع بداية شهر رمضان الكريم نسأل هل نتغير في شهر الصوم كنا نقصد أن يطال التغيير الأفراد والجماعات والدول، وعلى وجه التحديد الأمة العربية المتشكلة في دول وجماعات تفصل بينها مسافات صنعها الاحتلال والتدخل الأجنبي منذ زمن طويل ولا زال الحال على ما هو عليه بل ربما نكون على صواب إن قلنا أن الأمور ازدادت سوءً في الحقبة الأخيرة من عمر الحضارة العربية الإسلامية وفي أيامنا هذه. وفي شرح خلفيات وأسباب استفسارنا عن إمكانية التغيير لم نخصص مجالاً واحداً للتغيير المطلوب بل ربطنا الأمر بتاريخ حافل من الأمجاد والإنجازات والانتصارات التي حققت في رمضان عبر أجيال متلاحقة، كما تحدثنا عن إشكاليات رافقت ذلك التاريخ وعن هزائم وفتنة لا زالت آثارها تترى حتى يومنا هذا. وفي محصلة الإجابة عن السؤال رجونا أن يتعدى أمر التغيير صالح الأعمال أو طالحها على الصعيد الشخصي وفي العلاقة بين الفرد وخالقه لتطال الإجابة كل مناحي حياتنا وفي مقدمها الحياة السياسية وقدرتنا على الخروج من جو الهزائم التي لحقت بنا جراء تساوق بعضنا مع خطط المستعمر وأهدافه بدراية وارتباط مصلحة أو بجهل ونكاية في الطهارة. واليوم يهل علينا عيد الفطر بكل ما فيه من معاني ودلالات وبهجة إن وجدت مقوماتها، وهي كما نرى ونلحظ ليست على النحو الذي نرغب، وربما يصبح البحث عن حجم التغيير خلال الشهر الفضيل كالبحث عن إبرة في كومة قش. لست من المتشائمين وأرفض منطق اليأس وخلق الذرائع للكسل والتقاعس عن أداء الواجب، كما أتعلق دوماً بأهداب الأمل وأرى بصيص ضوء في أحلك الليالي وأكثر ها ظلمة، غير أن واقع الحال لا يقدم لنا سوى حقيقة جامدة لا مجال لإنكارها أو تزويقها للتخفيف من تبعاتها علينا كأمة تقول أننا في غمة، وفي هذا الإطار وكما أشرت فإن المعاني والدلالات التي نشير إليها هنا تتعلق بنا كأمة عربية وبواقع حال العروبة والمسافة التي لا تزال تفصل بين الواقع والطموح الطبيعي والحلم المشروع.
إن نجاحات عديدة قد تحققت في أكثر من قطر عربي وهناك تغيرات إيجابية بدون شك وقعت خلال رمضان الكريم في مجتمعاتنا العربية وسيحدث مثلها في المستقبل المنظور لأن هذه سنة الحياة وناموسها، غير أننا نتحدث عن واقع حال الأمة بالجمع وبما نتطلع إليه في عيد الفطر السعيد وبما يمكننا فعله في سبيل ذلك وهو على وجه التحديد الرفعة والمنعة والوحدة بكل ما يعنيه ذلك من نهاية للمشاكل المفتعلة التي بذر بذورها أعداء الأمة ومن والاهم من أهلنا وأشقائنا سواء كان هذا في لبنان أو فلسطين أو السودان أو العراق أو الصومال أو غيرها من دول عربية تعاني اليوم من أزمات وصعوبات تكبح أي تقدم للأمام وتبقينا نراوح مكاننا... وهو ما يريده كل أعداء الأمة العربية وخصوصاً اسرائيل وأمريكا.
إن اختلاف الدول العربية في تحديد بداية الشهر ونهايته ومن ثم دخول العيد في مواعيد متباينة بين هذه الدول وعلى الرغم من إحالته لظهور الهلال هنا من عدمه هناك يؤكد العنوان الذي أردنا الإشارة له هنا وهو الانقسام بين بلدان الأمة الواحدة التي من المفترض أن تتوحد على أهداف باتت تشكل القواسم المشتركة لنا جميعاً، والى هنا سأكتفي في الحديث السياسي وأرجو الله أن يأتي العيد القادم وأمتنا أكثر تماسكاً ووحدة وأن تكون هذه الانقسامات والفتن قد تلاشت بعمل وجهد كل المخلصين الصادقين من أبنائها ونوحد صفوفنا لمواجهة الأخطار المحدقة بنا وهي كثيرة وخطيرة، ليس أكبرها العلاقات المتوترة والجفاء بين سورية من جهة والسعودية ومصر من الجهة الأخرى وما ينتج عن ذلك من إرباك وضعف في الموقف العربي عموماً.
وفي تمثل قيم ومعاني عيد الفطر أليس من المناسب أن ننهي شهر الصوم بالاقتراب أكثر من بعضنا وتناسي خصوماتنا الفردية وتحاملنا على أشقائنا ومد يد العون للفقراء والمعوزين كما نمد يد التسامح والعفو عمن أساء لنا ليصفو العيد ويكون له ذلك البريق الذي تمثله كل المعاني الخيرة والطيبة التي يؤكدها صوم رمضان وفي مقدمها الإحساس بألم وجوع الآخرين.
العيد يهل علينا وفي مجتمعاتنا العربية ألف علة تطال كل مناحي حياتنا وسلوكنا كأفراد وكدول وأقصد بالدول الحكومات ودوائرها، وسنجد اختلافاً وتنوعاً في هذه المشاكل والآفات، ففي اليمن على سبيل المثال سنجد قضايا وأزمات ينخر سوسها في الواقع اليمني المهيأ لهكذا علل وآفات منها على سبيل المثال لا الحصر الفهم العشائري وغياب سيادة القانون في معالجة الخصومات بين العائلات والعشائر والقبائل، وفيها كمعظم الدول العربية هامشية دور المرأة بل الافتئات على حقوقها بخلاف التحقير والاعتداء والضرب وغير ذلك من مظاهر للعلة الأولى والثانية.
وفي دولة ومجتمع كالمجتمع المصري سنجد قضايا وعلل من نوع آخر وهكذا في سورية ولبنان وفلسطين والسعودية وكل بلد عربي كما أسلفنا. إن هذه المشاكل تحتاج لتضافر جهود الأفراد والجماعات من أجل معالجتها بشكل سليم، لأنها مشاكل تتوالد من طبيعة المجتمع العربي في هذه الدول ونسيجها الاجتماعي ولا تستطيع أجهزة الدولة مهما بلغت هيبتها وإمكانياتها أن تعالج هذا النمط من القضايا والمشاكل، ومن هنا تأتي دعوتنا في هذا العيد الذي نرجوه سعيداً على أمتنا ولشعبنا الفلسطيني المحاصر والمظلوم بأن يتعاون الجميع في ملاحقة هذا النوع من المشاكل أولاً بأول حتى لا تتفاقم ويصبح حلها متعذراً.
ربما يتوجب أن نختم مقالنا بالقول الفصل في كل هذا وهو : " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " وندعوه تعالى أن يرفع عنا هذه الغمة التي استطالت أكثر مما يجب حتى نستقبل عيدنا القادم بالبشر والترحاب وليبدأ كلَ منا بنفسه وبأهل بيته، وليرفع الجميع أصواتهم بالصواب ولتترسخ حرية التعبير وقيمتها الكبرى في حياتنا كأفراد وكمجتمع سواء تعلق الأمر بالسياسة أو بغيرها، فالوطن العربي هو لكل مواطن عربي أو غيره ممن يقيمون على ترابه ويعملون لرفعته.
كل عام وانتم بخير وأمتنا العربية بألف خير.