المؤلف/ علي محمد الصلابي
فقدموا من سائر النواحي والضياع وازدحم الناس. . فمات عدة من الرجال والنساء، وفي عهد الظاهر كان نفوذ المالكية ما يزال قوياً، فاضطر الخليفة إلى إخراج فقهائهم من مصر في عام "416ه/1025م" وأمر الدعاة أن يحفظوا الناس كتاب دعائم الإسلام في أصول العقيدة الإسماعيلية وغيره من كتبهم وجعل لمن يحفظ ذلك مالاً ومن هذا، يتضح لنا أن هذا المذهب لم يقم على دعائم راسخة في مصر، ولذلك عندما جاء صلاح الدين، وأنشأ المدارس السنية، وفوض القضاء للشافعية، ثم أتبع ذلك بإسقاط الخلافة الفاطمية، استعاد الشافعية والمالكية نفوذهم في مصر، ولذلك عندما جاء صلاح الدين، وأنشأ المدارس السنية، وفوض القضاء للشافعية، ثم أبتع ذلك بغسقاط الخلافة الفاطمية، استعاد الشافعية والمالكية نفوذهم في مصر، واختفى مذهب الشيعة الإسماعيلية والإمامية حتى فقد من أرض مصر كلها: ولله الحمد والمنة، ولا يزال الشيعة الروافض يسعون لإيجاد مواطن قدم في مصر الحبيبة العزيزة إلا أن حب المصريين الأبطال لدينهم العزيز، وثباتهم المستميت على مر العصور على ثوابته من عقيدة سنية صحيحة، وفهم سليم لكتاب الله، ومحبة صادقة لسنة رسول الله، واقتداء رشيد بهدي الخلافة الراشدة جعلت محاولات الشيعة تضيع في مهب الرياح، ولقد كانت المدارس السنية تعين الأمة على التمسك بالكتاب والسنة وتحذرها من البدع والابتداع، وتذكرها بما ثبت في كتاب وسنة رسوله صلى الله عليه في النهي عن البدع والتحذير منها، كتلك الآيات المصرحة بإطاعة الله ورسوله قال تعالى:" قل أطبعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملته وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البالغ المبين" [النور: 54]، وقوله تعالى:" فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم" [النور: 63].
ومما ساعد الأيوبيين على تحقيق أهدافهم : - أيضاً - في مصر أنها أصبحت في عهدهم منطقة جذب ونشاط لعلماء السنة على اختلاف مذاهبهم، فأسهموا إسهاماً رائعاً في العودة بمصر على رحاب السنة، وذلك عن طريق التدريس في المدارس التي أنشئت، أو عن طريق الوعظ أو تأليف الكتب التي تنتصر للسنة ، وظلت هذه الجهود مستمرة تلاحق الجيوب المتبقية للشيعة الإسماعيلية في مصرن وكان معظم العلماء الذي شاركوا الأيوبيين في جهدهم على مستوى المسؤولية التي ألقيت على عاتقهم: علماً وخلقاً وديانة، كما كان للكثير منهم مشاركة في الحياة السياسية الاجتماعية، كالقاضي الفاضل، والعماد الاصفهاني، وبهاء الدين بن شداد، وشرف الدين بن أبي عصرون، والعز بن عبدالسلام، بل كان لبعضهم مشاركة فعالة في ميادين الحرب والجهاد، كالفقيه: عيسى الهكاري، وكان كثير منهم على قدر كبير من الشجاعة في مواجهة الحكام، والنصح لهم، فكانوا نماذج رائعة لعامة الناس، ومن ثم فإن تاثيرهم فيهم كان قوياً مؤثراً كما أن كثيراً من الأيوبيين كانوا علماء وأسهموا في التمكين للمذهب السني - سيأتي بيان ذلك بالتفصيل بإذن الله تعالى.
ثامناً: مضامين تربوية في توجيهات صلاح الدين:
من هذه المضامين التي نلمسها في توجيهات صلاح الدين في رسائله كقائد سياسي وزعيم إسلامي الآتي:
1- التدين بطاعة ولي الأمر:
يقول في صدد الحديث عن طاعته للخليفة العباسي: ونحن لا نتدين إلا بطاعة الإمام ولا نرى ذلك إلا من أركان الإسلام، ويقول: وقد عرف ما فضلنا الله تعالى به عليهما في نصر الدولة وقطع من كان ينازع رداؤها.
2- تصفية الرموز البدعية من منابر الدعوة:
ويقول حول تطهير المنابر من دعاة الشيعة: وتطهير المنابر من رجس الأدعياء ولم نفعل ما فعلنا لأجل الدنيا، فلا معنى للاعتداد بما الجزاء عنه بالحسنى فتوقع في العقبى، غير أن التحدث بنعم الله واجب.
3- النهي عن التعصب للمذاهب:
حيث قال في رسالة إلى أخيه العادل الذي كان نائباً عنه في مصر وقد حصل الشغب من بعض الأفراد: انتهى إلينا بالديار المصرية والحضرة العلية أن جماعة من الفقهاء، قد اعتضدوا بجماعة من أرباب السيوف وبسطوا ألسنتهم بالمنكر من القول غير المعروف وأنشأوا من العصبية ما أطاعوا فيه القوى البغيضة وأحيوا بها ما أماته الله من أصل حمية الجاهلية، والله سبحانه يقول سبحانه يقول وكفى بقوله حجة على من كان سميعاً مطيعاً "واعتصموا بحبل الله جميعاً" [آل عمران: 103].
ولم يزل التعصب للمذاهب يملأ القلوب بالشحناء ويشحنها، وقد نهى الله عن المجادلة لأهل الخلاف فكيف بأهل الوفاق، إلا أن يقال أحسنها، وما علمنا أن في ذلك نية تنجد ولا مصلحة توجد وليس يسع الخلف ما وسع السلف من الأدب، وليعلم العبد أن يكتب كتاباً إلى ربه، فليفكر فيما كتب وإلى من كتب.
4- الحث على فضيلة العدل والإحسان للرعية:
وكان يحرص على توجيه ولاته بقوله: فليعدل في الرعية الذين هم عنده ودائع ليجاوز بهم درجة العدل إلى إحسان الضائع فإذا أسند هذا الأمر إلى ولاته، فليكونوا نقاة لا يجد الهوى عليهم سبيلاً ولا يجد الشيطان عندهم مقيلاً وإذا حملوا ثقلاً لا يجدون حملة ثقيلاً، حيث يقول: وقد فشا في هذا الزمن أخذ الرشوة وهي محق أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بنبذه، ونهى عن أخذه وعن الرغبة في تداوله وهو كأخذ الربا الذي قرنت اللعنة بمؤلكه وآكله.
5- الاهتمام بأمر القضاء:
حيث يقول: وأما القضاة الذين هم للشريعة أوتاد ولإمضاء حكامها أجناد، ولحفظ علومها كنز لا يتطرق إليها النفاذ فينبغي أن يعول فيهم على الواحد دون الاثنين، وأن يستعان بهم في الفصل بذي الأيدي وفي اليقظة بذي اليدين، وأمر الحكام لا يتولاه من سأله وإنما من غفل عنه وأغفله.
لقد حرص صلاح الدين على العودة إلى الأصول المتمثلة بالكتاب والسنة، وحافظ على هذه الأصول من خلال الجهود وذلك بتصفية البدع والمخالفات الشرعية، وقام بصيانة المناهج وعمل على وحدتها، ونشر مبدأ تكافؤ الفرص التعليمية وربط الأمة بواقعها من خلال عقيدتها الصحيحة، فانطلقت لتحقيق الانتصارات العظيمة والرائعة : من تحرير بيت المقدس وغيرها من الفتوحات.
المبحث الرابع
مكانة العلماء والفقهاء عند صلاح الدين الأيوبي
استوعب صلاح الدين الأيوبي أن من أسباب تحقيق الانتصار ضد المد الشيعي الباطني والغزو الصليبي وجود القيادة الربانية، فهي التي تستطيع أن تنتقل بفضل الله وتوفيقه بالأمة نحو أهدافها المرسومة بخطوات ثابتة، وكان على قناعة تامة بأهمية وجود العلماء الربانيين على رأس القيادة الربانية، فهم قلب القيادة الربانية وعلقها المفكرة، فصلاح الدين الأيوبي يعرف أن تحرير البلدان وتوحيدها ليس عملاً سياسياً أو عسكرياً فحسب، بل إنه أوسع بذلك بكثير، إنه مواجهة المذهب الشيعي الرافضي الباطني والذي كان خطراً داخلياً يهدد عقيدة الأمة وسلامة دينها والصراع الحضاري مع الغرب الأوروبي النصراني، وإنه بدون تأصيل "اللذات العقائدية" للأمة المسلمة فلن تكون انتصاراتهم على الخصم سوى أعمالاً جزئية موقوتة معرضة دوماً للمد والجزر والتعيير والتبدل، كما يحدث دائماً، بناء أمة مقاتلة تعرف كيف تحمي وجودها العقائدي وتحفظ حدود شخصيتها الحضارية من أن تتفتت وتضيع، وحينذاك سوف يتحول كل عنصر عسكري أو كسب سياسي إلى إنجاز بنائي يزيد المجتمع المقاتل قوة وأصالة وتماسكاً لا مجرد تكديس شيء لا يشده الرباط تكديساً كمياً يثبت للضربة والضربتين، ولكنه في الثالثة أو الرابعة ينهار - فتذهب مع انهياره هدراً جهود السنين الطوال وعرقها.
فالنشاط العلمي في عهد صلاح الدين والاهتمام بالعلماء في حقيقته ، امتداد طبيعي لعهد نور الدين محمود، ولم يكن النشاط العلمي أبداً ترفاً فكرياً، ولا إفرازاً تقليدياً لأجهزة الدولة ولكنه تصميم هادف يسعى إلى عملية التأصيل العقائدي، وقد كان الأيوبيون يهتمون بالعملاء وأسهموا في حركة التمكين للمذهب السني، فقد كان صلاح الدين الأيوبي: قد أخذ عقيدته على الدليل بواسطة البحث مع مشايخ أهل العلم، وأكابر الفقهاء، وتفهم من ذلك منا يحتاج إلى تفهمه، بحيث إذا جرى الكلام بين يديه يقول فيه قولاً حسناً وإن لم يكن بعبارة الفقهاء، وكانت يحرص على أن يختلي ببعض المقربين إليه من العلماء فيقرأ عليه شيئاً من الحديث أو الفقه، ويشارك الفقهاء في مجلس القضاء، وقد مر بنا في مناسبات عهدة حرصه على سماع الحديث الشريف، وسعيه إلى كبار المحدثين ليأخذ عنهم وحرص صلاح الدين على أن يشب أبناؤه على احترام العلم والعلماء، فكان يصطحبهم معه إلى مجالس العلم، ويأخذهم بدراسة بعض الكتب الدينية، فنشأوا محبين للعلم مكرمين لأهله، وقد احتفظ صلاح الدين بعلماء العهد الزنكي وأكرمهم وتعاون معهم، وكان الوزراء والأمراء في دولته من كبار العلماء ومن أشهرهم وزيره وكاتبه ومستشاره القاضي الفاضل عبدالرحيم بن علي الذي قال صلاح الدين عنه: لم أفتح البلاد بسيفي وإنما برأي القاضي الفاضل، ولقد كان القاضي الفاضل يجمع إلى حنكته السياسية ورعاً فائقاً، فكان كثير الصيام والصلاة وقراءة القرآن، وكان متواضعاً يكثر عيادة المرضى والإحسان للفقراء. وإليك ترجمة أهم العلماء ودورهم السياسي والعلمي والجهادي والتربوي في عهد صلاح الدين:<