عبدالمجيد السامعي
العلم والفلسفة سيظلان دوماً مصدرين أساسيين للمعرفة، كل بطبيعته وطريقته ومجاله، وتكمن أهمية طرح هذه المسألة من خلال خلط الكثير من الباحثين والمثقفين وطلاب العلم بين هذين المجالين، وبالتالي ربما يخلطون أو نخلط جميعاً بين الامر المحسوم والأمر غير المحسوم بين الثابت والمتغير، بينما يقبل النزاع والجدال والاختلاف، وبينما ما لا يقبل النزاع والاختلاف، ونحن نعني بالعلم ما هو قطعي لا خلاف عليه، ونعني بالفلسفة كل موضوع وقضية وما زالت موضوع للأخذ والرد والقبول، ومن هنا كان لا بد من بيان مساحات الاتصال والانفصال بينهما.
فالتناول الفلسفي يختلف إلى حد بعيد عن التناول العلمي، وإذا كان الأمر كذلك فلا شك أن طبيعة المعرفة الفلسفية النابعة من تلك المعالجات تكون مختلفة عن تلك التي تنبع من معالجة أخرى، وباختصار فقد حدد الفلاسفة مجموعة من المواصفات تتم بها المعرفة الفلسفية وهي بمنزلة مميزات لها عن غيرها.
وأبرزها:
1- "الكلية": ومعاني ذلك أنها معرفة بكلياً القضايا والأشياء وأمهات مسائلها وقواعدها وعللها، والجزئيات تقصد وتطلب من البحث الفلسفي بمقدار ما تخدم في توضيح قضية كلية أو البرهنة عليها.
2- الشمول: يقول عنه رومينيك بارودي الفيلسوف الفرنسي: المهم في الفلسفة هو الجهد المبذول في سبيل الوصول إلى تأليف شامل أو مركب كلي، فالفلسفة معرفة تأميلية وتوحيدية معاً.
3- العقلية: هي لأن العقل أداة المعرفة الوحيدة في الفلسفة كما أن الوحي هي الوسيلة في المعرفة الدينية، والاختبارات هي الوسيلة في المعرفة العلمية، وكما أن الخيال والعاطفة هي الوسيلة في المعرفة الفنية وإبداعاتها، فإن الفلسفة تستند إلى العقل والتأمل، والعلوم كلها نشأت في أحضان الفلسفة وترافقها دهراً طويلاً من الزمن، غير أن هناك من يصر على الخلط بينهما في محاولة لتغيير طبيعة الفلسفة على نحو يتوافق مع قواعد العلم وما هو من المسلمات والمعادلات.
لقد حاول فعلاً بعض الفلاسفة تحويل الفلسفة إلى علم، ومن هؤلاء هيكل الذي قال: "إن الأمر الذي عقدت عليه العزم هو المشاركة بجهدي في أن تقترب الفلسفة من هدفها وتتمكن من طرح الاسم الذي توصف به وبموجب العلم من أجل أن تصبح علماً حقيقياً"، ويشارك "هيكل" هذا الأمل قديماً وحديثاً فلاسفة آخرون: "أفلاطون هوسول بعض المناطقة الوضعيين"، ولكن هذا الأمل يبدو مستحيل التحقيق ولا ينتج من هذه الجهود إلا رأي فلسفي آخر دون أن يكون له أثر يذكر في إحداث تغيير حقيقي قابل للذكر في هيكل وبنيان الفلسفة، ولأن طبيعة الفلسفة تناقش قضايا غير محسومة فكيف يمكن أن تكون علماً؟! ولأن هناك فروق فلسفية على نحو ما ذكرته، ولا يعني هذا الكلام أن العلاقة بين الطرفين مقطوعة أبداً، أو أن هناك حالة تناقض بين الطرفين، بل إن هناك الكثير من نقاط التلاقي والاعتماد والتعاون والتكامل، والتاريخ المشترك، وكل ما في الأمر أن الطبيعة مختلفة بسبب الاختلاف في الوظائف والأدوات والمجالات والاهتمامات ودحض اعتقاد بعض الناس أن العلم قد يكون بديلاً عن الفلسفة، وأن الفلسفة لم يعد لها مجال في عصر التقدم العلمي والتكنولوجي، وعلى كل حال لا بد من البحث والتدقيق وصولاً إلى الحقيقة.<