شكري عبدالغني الزعيتري
. . . في العام 1992م بشّرت أميركا الصوماليين بزرع شجرة الديمقراطية. إذ في عام 1992م ومع حدوث المجاعة التي عمت البلد دخلت القوات الأميركية وبعدد خمسين ألف جندي أمريكي مع مجموعة من دول أخرى إلى الصومال تحت غطاء حماية المساعدات الإنسانية بعد انهيار نظام محمد سياد برى المقاومة الصومالية عند محاولتها القبض على الجنرال محمد فرح عيديد وقد اتخذت أميركا جميع الإجراءات التي تحقق إستراتيجيتها الجديدة إذ قرر مجلس الأمن الدولي إرسال قوات أممية إلى الصومال بقيادة أمريكية ودخلت القوات الأممية الصومال التابعة للأمم المتحدة عام 1993م وتعرضت هذه القوات وخاصة الأميركية منها لضربات قوية ولكن كانت النهاية لتلك القوات مأساوية، وأخيرا انسحبت هذه القوات عام 1994. وفي عام 1995 نصبت بعض الفصائل عيديد رئيسا ولكن لم ينضوي الكثير من الفصائل تحت لوائه وبقي البلد دون حكومة مركزية. وتوفي عيديد عام 1996 إثر جراح بالغة في حرب الفصائل المتنافسة ونصب ابنه الجندي السابق في البحرية الأميركية وارثا لوالده في قيادة الفصيل. . . وكان الثمن الذي دفعه الصوماليون باهظاً إذ أدت الديمقراطية الأمريكية إلى مقتل عشرات الآلاف من المدنيين الأبرياء وتدمير للبيوت وتهجير قسري ونهب الأموال لقد كان فصلاً جديداً من فصول الصراع في المنطقة الذي سُمّي في وسائل الإعلام الحرب الأهلية الصومالية، والتي استمرت زهاء (16) عاماً. وكان الدافع الديني وراء التحرك الأمريكي نحو الصومال عام 1992م لصد انتشار الثقافة الإسلامية بصورة لافتة في جميع المناطق الصومالية وتفادياً من تحقيق هذا الهدف الاستراتيجي في منطقة القرن الإفريقي دخلت قوات أممية بقيادة أمريكية إلى الصومال عام 1992م لتحقيق الأمور التالية:- (1). القضاء على القوى الإسلامية والتي برزت بصورة مفاجئة في الساحة الصومالية في أقل من عام بعد انهيار الحكومة المركزية الصومالية عام 1991م. (2) التأكيد على أن منطقة القرن الإفريقي خالية من أنظمة معادية لأميركا، وإعداد قادة جدد أمريكيون لحماً، ودماً، تبشر بالمشروع الأمريكي في المنطقة. (3) إعطاء فرصة تاريخية للمنظمات والهيئات الغربية العاملة في مجال التنصير ليصدوا الصوماليين عن دينهم الإسلامي، ولا تزال تلك الهيئات تعمل في الصومال تحت عدة مسميات زائفة، ونتساءل الآن : لماذا تروّج أميركا الآن لفكرة إرسال قوات إقليمية إلى الصومال؟ وما الفرق بين الحالة الصومالية عام 1992م وحالها اليوم 2008 ؟. . . فبعد أحداث الهجوم علي مبني التجارة العالمية في نيويورك في 11/ سبتمبر /2001م كانت مقديشو أهم المراكز للاستخبارات الدولية والإقليمية المعادية للشعب الصومالي والتنظيمات الإسلامية ، فقامت الولايات المتحدة الأمريكية بالتنسيق مع أمراء الحرب الصوماليين، فتم الاعتداء على المواطنين الشرفاء، كما اختلط الحابل بالنابل، فأصبح المنكر معروفاً، والمعروف منكراً، وأدخل الشعب الصومالي كله في تيه وحيرة ، وتقطعت بهم السبل، في ظل إهمال دولي وعربي. حتى تساءل كثير من السياسيين وخبراء علم الاجتماع كيف يعيش الشعب الصومالي في ظل تلك الظروف الحرجة للغاية، والانعدام الأمني، والفوضى العارمة. . ؟ وكانت من أهم نتائج سيطرة أمراء الحرب علي البلد الجريح ودعم أميركا لهم تتلخص في النقاط التالية : (1) الهجرات الخارجية؛ إذ نزح ما يقدر بثلاثة ملايين صومالي إلى أنحاء العالم، يتركز معظمهم في الدول الشمالية الغربية، ودول جوار الصومال، والدول العربية. (2). تدفق المنظمات والهيئات الغربية العاملة في مجال ما يُسمّى الإغاثة الإنسانية، ولكن في حقيقة الأمر هي منظمات وهيئات تنصيرية واستخباراتية حسبما أكدت المعلومات من المصادر المحلية، حيث تركز في مجالين: المجال الإنساني (تقديم خدمات طبية للأطفال، والنساء، وحفر الآبار، والتعليم)، ومجال إجراء البحوث والدراسات حول المشكلة الصومالية، وإيجاد الحلول المناسبة لها وبما يحقق مصالح وأهداف الغرب والحد من تنامي التيار الإسلامي (3) ابتلع بحر خليج عدن وحده آلافاً من الصوماليين وهذا ليس محصوراً في هذه الناحية بل بلغت مآسي الصومال حتى شمالي أفريقيا والمحيط الأطلسي. (4) تشريد آلاف الأطفال الذين فقدوا مستقبلهم، وأصبحوا يعيشون مع الحيوانات المألوفة في بيوت الأشباح المهجورة في مقديشو نتيجة الصورايخ التي دكّتها دكاً خلال سنوات الحرب الأهلية. وفي يوم 1/12/2006م وزّعت واشنطن مُسوّدة قرار في مجلس الأمن الدولي الذي يطالب برفع حظر الأسلحة المفروض على الصومال منذ عام 1992م، ونشر قوات إقليمية في الصومال وقد أرادت بذلك إرجاع عقارب الساعة إلى الوراء، بعشقها قتل الشعوب بالضربات العسكرية تارة، وبالحصار الجائر تارة أخرى وباسم الدفاع عن الديمقراطية والحرية؛ إذ لا يمكن أن تتخلى عن مشروعها العدواني، فهي المتصفة بالمواصفات العدوانية تجاه الإسلام وأمته والعرب (دوما ). . . تابع في العدد القادم الحلقة الثامنة بعنوان (الصومال والمجاعة )
Shukri_alzoatree@yahoo. com