فارس الصليحي
في مثل هذه الأيام ودعت اليمن رمزاً من أجل وأعظم رموزها ورجلاً من أبرز وأرفع رجالها إمام المناضلين وأستاذ المعلمين أبى اليتامى وكافل الأرامل وقائد الشجعان الذي شاع اسمه بين القبائل والعشائر فكان مرجعية للأصاغر والأكابر وطبيباً حكيماً إذا حلت المخاطر واندلعت الحرائق والمجازر إنه سند اليمن واليمنيين الشيخ الراحل/ عبدالله بن حسين الأحمر رحمه الله رحمة الأبرار وأسكنه جنة الأخيار.
على هذا عاش فقيدنا الراحل وعلى مثله رحل ولكنه ليس كمثل الراحلين فسيرته النضالية والدينية والوطنية لا تغادر الأسماع ولا تفقدها الذاكرة فلا تكل الألسن من الحديث عنه ولا تقف الأقلام ولن تقف لحصر ما قدمته ووضعته يداه على المستوى المحلي والدولي لقضايا الأمة بشكل عام وفلسطين والعراق بشكل خاص وهذا إن دل فإنما يدل على الغيرة العربية التي توطنت فيه والدم العربي الذي يسري في عروقه كما يسري الدم اليمني الأصيل وكل من كان كذلك حاله ودأبه ماذا عسى الألسن أن تصف وتقول فيه وماذا عسى الأقلام أن تكتب عنه وتأخذ منه كون فقيدنا يستحق أكثر من هذا "وعلى مثله يناح ويبكى ** لا على درهم ولادينار" ولهذا بكته القلوب وبكته العيون وحزنت عليه اليمن بشراً وأرضاً وسهلاً وجبلاً.
وحن لفراقه اليتامى الذين كان يكفلهم ولا يزال وحزنت لوفاته الأرامل فلم يكن لهم الأب فحسب بل الأخ والعم والظهر والسند خصوصاً عند اشتداد الأزمات واستحالة بلوغ الغايات وإذا بفقيدنا يصبح الحل الوحيد بعد الله لنيل الأمنيات وقضاء الحاجات مهما تأزمت القضايا وحلت المعضلات وما هي إلا لحظات وأيام قلائل حتى يأتي الفرج بعد الكرب والنصر بعد الصبر وينال كل مراده ويحصل على مطلبه ومقصده برعاية كريمة وأيدي رحيمة وصدق عزيمة من فقيدنا فقيد اليمن الراحل طيب الله ثراه وبعثه في مقام الصديقين والشهداء والصالحين رضي الله عنهم ورحمهم أجمعين.
كان فقيدنا الراحل كاليعسوب بين أمثاله وهدهد سليمان بين أقرانه إذا نزل في مجمع أو محفل قصده الحضور كالجراد المنتشر وتنحاز إليه الجماهير كالمطر المنهمر فيصبح أجل وأصدق المتحدثين والناس لكلامه وحديثه مستمعين صامتين صادقين صابرين يتلذذون لسماع قوله ويفتخرون لشجاعة وقوة فعله بل إذا تحدث نقر القلوب نقراً وإذا تكلم سبى إليه العقول سبياً يحمل فكراً مستنيراً وعقلاً نقياً صافياً لو لم يكن من مناقبه إلا القضية الفلسطينية ودعمه الحسي والمعنوي لها لكفى ولو لم يكن من أفعاله ومناقبه إلا كفالة اليتامى ومئات الأسر الفقيرة لوفى وبقدر ما كان شجاعاً بقدر ما كان رحيماً وشفوقاً كانت له صفة يتميز بها عن كل ذي جاه وحكم وسلطان وهي أنه لو عرف شخصاً لمدة وغاب عنه لعشرات السنين ثم التقى به ولو بالصدفة يعرفه ويقرأ له الحديث الذي دار بينهما بيوم كذا وشهر كذا وسنة كذا وكأنه جهاز مودإم بأعظم ذاكرة وسبحان الله الذي ميز خلقه ورفع بعضهم فوق بعض درجات ورغم الأعمال وكثرة الأشغال والأسفار لفقيدنا الراحل إلا أن ذاكرته ضلت بلا تأثر ولا نسيان.
كما أنه رحمه الله يتألم لمناظر البائسين وأصوات القاصدين ودموع الشاكين فيدفعه ذلك لبذل العطاء ورحمة الفقراء وحل مشاكلهم يشاركهم الأحزان ثم ينتصر لهم على غدر الأزمان ويساعدهم على الأمان والاطمئنان.
كان رحمه الله يمثل هذه الحقائق ويتصف بهذه الصفات التي هي بمثابة غيض من فيض وقطرات من أبحر ومحيطات وليست كلها بقدر الواصفين له ولكنها بقدر ما أرادها أن تكون لنفسه فقيدنا الراحل في حياته وموته والمرء يضع نفسه حيث يشاء كما قيل وكان حصاد ذلك العلم العظيم تلك الملايين وتلك الحشود التي زفته إلى مأواه الأخير بحزن لفراقه وفرح وله أن ينال الجزاء من الله لحسن قوله وخيره وفعاله سائلين الله أن يرحمه رحمة الأبرار ويسكنه جنة الفردوس الأعلى وسلام عليه يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حيا (والفاتحة عشراً لروحه الطاهرة)... اللهم آمين.<