عبدالوارث النجري
لم تعد هناك رغبة لدى المواطن للخروج في مظاهرات الإدانة والاستنكار لما يلاقيه أخوة لنا في الدين والنسب والأرض من قتل وتشريد وحصار على أيدي العدو الأول للعروبة والإسلام دولة إسرائيل المحتلة، منذ منتصف القرن الماضي والدماء تسيل بشكل يومي في أرض الرباط فلسطين، ونحن نستنكر وندين هذا إذا سمح لنا العدو وأذنابه بذلك، دماء مسلمة وعربية زكية تسيل في فلسطين، وأرواح تزهق وأعراض تنتهك وأطفال ومشائخ تحاصر دون أي ذنب اقترفوه سوى أنهم يريدون حياةً حرة كريمة على تراب أرضهم الطاهرة، منذ ذلك الوقت وقرابة السبعين عاماً وثكالى القدس الشريف وغزة وأريحا وجنين والضفة الغربية ونابلس وغيرها تناشدنا باسم الدين الإسلامي، باسم الدم العربي، باسم الجوار، باسم الإنسانية عساها تجد من يقوم بنجدتها ورد حقها المغتصب، تنادي وامعتصماه وإسلاماه وين الملايين، لكن لا حياة لمن تنادي، أين صلاح الدين؟ أين خالد بن الوليد؟ أين الفاروق عمر؟ لقد رحلوا جميعاً، وخلف بعدهم قوماً اختلفوا وتنازعوا فيما بينهم، الأخ يقتل أخاه ويتآمر مع العدو الأوحد عليه، خلف بعدهم قوم اعتبروا التعاليم الإسلامية وقيم ومبادئ الشريعة السمحاء مجرد أصوليات عفي عليها الدهر وصارت اليوم من المحرمات ودعائم الإرهاب وإحدى الخرافات التي تقف أمام الإنسان لتحرمه من حريته وحقوقه، في عصر الإنترنت والعولمة خلف بعدهم قومٌ تكاسلوا وأدمنوا على المحرمات والمسكرات والمخدرات وصاروا علامة على غيرهم من أعدائهم في الشرق والغرب، فهم يتسكعون في شوارع واشنطن وجنيف وباريس وبكين بهدف جلب المزيد من المساعدات والقروض وبعضهم يتسكعون في نفس تلك الشوارع بهدف قضاء الإجازات الصيفية والليالي الحمراء الماجنة ويعبثون بملايين الدولارات للحصول على ذلك خلف بعدهم قومٌ أصبحوا اليوم طوائف وجماعات متفرقة كل طائفة تكفر وتدين الأخرى ولكل كل طائفة علماؤها وخطباؤها ومرشدوها، وتحول حديث الاختلاف رحمة إلى مواجهة دامية وأكثر من مذبحة ومجزرة لكل جماعة وطائفة، بعد أن أصبح حالنا اليوم هكذا فكيف لأطفال فلسطين ومشائخها ونسائها أن يأملوا فينا خيراً، إذا كنا نحن أخوتهم أول من يحاصرهم وكيف لتلك الدماء أن تجف ولتلك القناديل من الشهداء أن تتوقف عن السقوط والخلاف والتناحر قد وصل إلى عمق الجسد الفلسطيني الواحد رغم واحدية الهدف وواحدية الألم وواحدية الدماء واحدية العدو؟! إلى متى سنظل نناشد ونشجب ونستنكر وندين والعدو ينهش في أجسادنا الواحد تلو الآخر، لم تعد فلسطين وحدها الجريحة، لقد صارت الأم تدوي في كل شبر عربي وداخل كل منزل مسلم والعدو بلا شك واحد، أليست العراق جريحة ولبنان وأفغانستان والصومال والشيشان والبوسنة وغيرها، ماذا بعد الاستنكار والشجب؟! ألسنا اليوم بحاجة إلى إصلاح النفس قبل التفكير للبدء بأي عمل؟ في حالة للعودة إلى تعاليم وقيم وأخلاق ومبادئ وقواعد ديننا الإسلامي قبل الشجب والاستنكار، هذا إذا كنا صادقين في أفعالنا وأقوالنا وشعاراتنا وحشودنا إذا كنا صادقين في تظاهراتنا في تنديدنا وشجبنا واستنكارنا، أما إذا كنا غير ذلك وما تلك المظاهرات والمسيرات سوى إسقاط واجب فمن الأولى الجلوس في منازلنا والبحث عن لهونا وأطماعنا وكل ما يشبع بطوننا وشهواتنا ولا داعي لأن نضحك على أنفسنا وليكفي ما وصل إليه حالنا اليوم، ولا داعي لأن نجرح ونغضب من كانوا بالأمس أعداءنا واليوم حلفاؤنا وأصدقاؤنا من أبناء القردة والخنازير وأعداء الله والخير والسلام في الأرض، أنجس البشر وأرذلهم قتلة الأنبياء والرسل، فإذا كان من العيب السكوت عما يجري اليوم في غزة، فإن العيب كله أن نظل منذ أكثر من ستين عاماً في شجب واستنكار ومظاهرات وقمم جوفاء وقرارات وبيانات هزيلة في الوقت الذي فيه الدماء تسيل وتسيل وتسيل ولا حول ولا قوة إلا بالله.<