طلال عوگل
ليس عدواناً كالذي اعتاد على مواجهته الفلسطينيون، ما وقع صبيحة يوم السبت السابع والعشرين من آخر أشهر العام المنصرم، بل حرب بكل معنى الكلمة وأبعادها مع شواهد إضافية صارخة على الطبيعة الإجرامية والإرهابية للسياسة الإسرائيلية.
إسرائيل هيأت لعدوانها البشع، بل حربها على قطاع غزة، قبل وقت من انتهاء التهدئة في التاسع عشر من ديسمبر الماضي، حيث جردت حملة علاقات عامة سياسية ودبلوماسية وإعلامية، ناجحة على المستوى الدولي، أظهرت الفلسطينيين على أنهم المسؤولون عن انهيار وعدم تجديد التهدئة، وقدمت نفسها على أنها الضحية الصابرة على إطلاق الصواريخ من قطاع غزة باتجاه بلداتها القريبة من القطاع.
في إطار حملتها قدمت إسرائيل إشارات عديدة بأن ردها الاضطراري سيؤدي إلى سقوط أعداد كبيرة من المدنيين الفلسطينيين الذين يتحملون المسؤولية لكونهم لا يتمردون على حكم وسيطرة حركة حماس على قطاع غزة، بالرغم من كل ما يكابره سكان القطاع بسبب الحصار المشدد المفروض عليهم وعليهم منذ أكثر من عام ونصف العام.
في اليوم الذي سبق بداية الحرب، المجزرة، وبغرض التضليل أعلنت إسرائيل أنها تعطي حركة حماس مهلة ثمان وأربعين ساعة، لكي تتوقف عن إطلاق الصواريخ وإلا فإنها ستضطر لاستخدام القوة حفاظاً على سلامة وأمن مواطنيها، غير أنها كانت تستهدف تحقيق عنصر المفاجأة خلال الضربة الأولى.
خلال الضربة الأولى وفي ذروة وقت العمل، قامت نحو ستين طائرة حربية ومروحية وطائرات استطلاع، بالإغارة مرة واحدة على المراكز الأمنية والشرطية من الأساسية في كافة أنحاء القطاع، مما أدى إلى سقوط نحو مئة وخمسين شهيداً وأكثر من مئة وثمانين جريحاً، عدا عمن بقوا تحت أنقاض البنايات المدمرة التي لم تجر إزالتها بسبب نقص الإمكانيات، واستمرار القصف الجوي والبحري الإسرائيلي الذي لم يتوقف لا في النهار ولا في الليل.
هكذا كانت المرحلة الأولى من حرب ستستغرق وقتاً حسب وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك، لتتبعها مرحلة أخرى، استهدفت مساجد، ومستشفيات، ومنازل آهلة بالسكان تدعي إسرائيل أنها لقيادات في كتائب الشهيد عز الدين القسام، وجامعات، وسيارات، ومجموعات من المقاومين، وأنفاق تقع على الحدود بين قطاع غزة ومصر، وأخرى داخلية، تعتبرها إسرائيل جزءاً هاماً لابد من تدميره من البنية التحتية للسلطة والمقاومة.
مراحل الحرب والقصف الإسرائيلية على قطاع غزة، لا تستغرق وقتاً طويلاً، فالحديث يدور عن أيام وساعات، تستخدم خلالها إسرائيل وسائل قتالية تدميرية هائلة حتى تنتقل إلى مرحلة الحرب البرية، في محاولة لتحقيق أهدافها بأقصى سرعة ممكنة.
وإذا كان معظم المراقبين، يتفقون على أن حرب إسرائيل على قطاع غزة، تقع في إطار المزايدات الانتخابية، ولتحسين مواقع أحزاب الائتلاف الحاكم التي تراجع نصيبها من تأييد الناخب الإسرائيلي لصالح اليمين بزعامة نتنياهو، خصوصاً حزب العمل الذي يتزعمه وزير الدفاع باراك، الذي تدهورت مكانته الانتخابية، نقول بالرغم من ذلك إلا أن إسرائيل تطرح جملة من الأهداف لتحقيقها من خلال الحرب.
في الواقع أظهرت استطلاعات الرأي التي جرت في إسرائيل بعد ثمان وأربعين ساعة من الحرب على غزة، أظهرت تحسناً فعلياً لصالح حزبي العمل وكاديما الذي تتزعمه تسيبي ليفني خصوصاً وأن حجم الجريمة يترك انطباعات قوية لدى الناخب الإسرائيلي وهو أمر يحفز باراك وليفني للمضي قدماً حتى لو أدى ذلك إلى ارتكاب المزيد من المجازر.
السياسة الإسرائيلية تطرح هدف وقف الصواريخ الفلسطينية، كمتابعة لحملة العلاقات العامة التي قامت بها، ولكنها تطرح بين الحين والآخر، أبعاداً أخرى للحرب تتحمس لها وزيرة الخارجية ليفني التي أعلنت من القاهرة قبل يوم من الحرب، أن الوضع في قطاع غزة سيتغير، بمعنى أن الحرب تستهدف القضاء على حركة حماس في قطاع غزة.
يريد الثنائي ليفني وباراك، من خلال هذه الحرب استعادة شيء من هيبة الجيش الإسرائيلي الذي أدى فشله في الحرب على لبنان في يوليو 2006، إلى سقوط العديد من المسؤولين العسكريين والسياسيين، وتعتقد إسرائيل أن القطاع هو الساحة المناسبة وفيها تجتمع العوامل المساعدة لتحقيق انتصار.
أما العوامل المساعدة فيمكن الإشارة إليها فيما يلي:
أولاً: لقد قطعت إسرائيل شوطاً عملياً ونظرياً، على طريق إقناع المجتمع الدولي والإقليمي بأنها لم تعد مسؤولة بأي حال عن قطاع غزة، الذي تدعي بأنها انسحبت منه ولم تعد تحتله، وساهم في ذلك ادعاءات فلسطينية بأن القطاع أصبح محرراً من الاحتلال. مثل هذا الوضع يساعد إسرائيل على التعامل مع قطاع غزة باعتباره كياناً معادياً، وذلك استناداً لقرارها في سبتمبر 2007، بما يتيح لها المجال لاستخدام وسائل حربية غير التي يمكن استخدامها في الأراضي المحتلة.
ثانياً: الميل الواضح للمجتمع الإسرائيلي نحو التطرف، وقد لاحظنا مثلاً كيف منح الجمهور الإسرائيلي ثقته بحزب الليكود، الذي أخذ يحتل المكانة الأولى بين الأحزاب الإسرائيلية في حال جرت الانتخابات، وكان قد تراجع إلى المكانة الثالثة بين الأحزاب الإسرائيلية خلال الانتخابات السابقة في مارس 2006.
ثالثاً: الانقسام الفلسطيني العميق، وحالة الصراع الداخلي التي لم تتوقف تشجع إسرائيل على الاستفراد بالأطراف الفلسطينية، التي يضعف خطابها، وتتعدد برامجها وأهدافها، فضلاً عن أن الانقسام يقوض إمكانيات صمود الفلسطينيين ووحدتهم وبالتالي يضعف قدرتهم على المجابهة، وأيضاً يغري إسرائيل بتحقيق أهداف سياسية بعيدة المدى.
رابعاً: ثمة انقسام عربي واضح، واتضح أكثر خلال الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب في 26/11/2008، حين اختلفوا على موضوع الحوار الفلسطيني لإنهاء الانقسام. وكل ذلك على خلفية محاور الاعتدال، والممانعة. <