;

صلاح الدين الأيوبي.. وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس .. الحلقة الـ«106» 824

2009-01-06 03:48:20

المؤلف/ علي محمد الصلابي

4- المرأة النصرانية التي تبحث عن ابنها الرضيع:

كان للمسلمين لصوص يدخلون إلى خيام العدو، فيسرقون منهم حتى الرجال ويخرجون، فأخذوا ذات ليلة طفلاً رضيعاً له ثلاثة أشهر، فلما فقدته أُمه باتت مستغيثة بالويل والثبور في طول تلك الليلة، حتى وصل خبرها إلى ملوكهم، فقالوا لها : إنه رحيم القلب، وقد أَذِنا لك في الخروج إليه، فاخرجي واطلبيه منه فإنه يرده عليك، فخرجت تستغيث لليزك الإسلامي، وأخبرتهم بواقعتها، فأطلقوها وأنفذوها إلى السلطان، فأتته وهو راكب على تلّ الخرّوبة، وكان القاضي ابن شداد في خدمتة وهو الذي روى القصة- وكان في خدمته خلق عظيم، فبكت بكاءً شديداً ومرّغت وجهها في التُّراب، فسأل عن قِصتها، فأخبروه، فَرقّ لها، ودمعت عينه وأمر بإحضار الرضيع، فمضوا، فوجدوه قد بيع في السوق، فأمر بدفع ثمنه إلى المُشتري، وأخذه منه، ولم يزل واقفاً رحمه الله حتى أحضر الطّفل، وسُلم إليها، فأخذته وبكت بكاءً شديداً وضمّته إلى صدرها والناس ينظرون إليها ويبكون، وأنا واقف في جملتهم فأرضعته ساعة ، ثم أمر بها، فَحُملت على فرس، وألحقت بمعسكرهم مع طفلها، فانظر هذه الرحمة الشاملة لجنس الإنسان.

5- معاملته لملك إنكلترا:

تكررت الرّسائل من الفرنج إلى السلطان شغلاً للوقت بما لا طائل تحته، منها أن ملك الإنجليز طلب الاجتماع به، ثم فتر بعد أياماً، ثم جاء رسوله يطلب الاستئذان في إهداء جوارح جاءت من البحر ويذكر أنها قد ضعُفَت وتغيّرت وطلب أن يحمل لها دجاج وطير تأكله لتقوى، ثم تٌهدى ففهم أنه محتاج إلى ذلك لنفسه، لأنه حديث عهد بمرض، ثمّ نفّذ أسيراً مغربياً عنده، فأطلقه السلطان صلاح الدين، ثم أرسل في طلب فاكهة وثلج، فأرسل إليه ذلك.

خامساً: أسباب سقوط عكا:

كان ثمة أسباب عديدة تجمعت وأدت إلى سقوط عكا المريع، بعد أن دافع عنها المسلمون قرابة السنتين ولعل من أبرزها:

1- وصول قوات أوروبية جديدة:

حسم الموقف لصلاح الصليبيين فعلى الرغم من كثرة من قتل منهم، إلا أن البحر كان يزودهم بإمدادات جديدة، حتى أضحوا في أعداد لا تحصى من أمم كثيرة تلك التي اشتركت في هذه الحملة الصليبية الضخمة، فتجهز لها الأمراء بما أعدوه من الأموال والأدوات وبما تكلفت به المدن الإيطالية من بذل المساعدة والاشتراك في نقل العساكر والمعدات، وعدم السماح للسفن الإسلامية بإيصال المؤن والمعدات اللازمة إلى المدينة المحاصرة، فكان تفوقهم البحري واضحاً. لقد قاومت المدينة حصار الصليبيين سنتين كاملتين وشهدت خلالهما أعظم عمليات حربية اشترك فيها الصليبيون بأكثر من ربع مليون جندي وامتاز الصليبيون خلال هذا الحصار بأسطول قوي وآلات حربية ضخمة.

2- استخدام الصليبيين لأسلحة جديدة ومتنوعة:

استعمل الصليبيون في قتال عكا أنواعاً كثيرة من الأسلحة والمعدات الحربية القديمة منها أو التي أدخلوا إليها التحسينات سواء الهجومية منها لدك أسوار المدينة أو لحماية أنفسهم خلف الجدران والخنادق التي أقاموها لمنع وصول قوات صلاح الدين إليهم، واستطاعوا بعد مرابطتهم الطويلة بين أسوار عكا وقوات صلاح الدين، إحداث الخلل في الأسوار ففي رسالة حررها القاضي الفاضل بعث بها صلاح الدين إلى الخليفة العباسي أعلن فيها أن الصليبيين: قاتلوا مرة بالأبرجة، وأخرى بالمنجنيقات ورادفة بالدبابات وتابعة بالكباش، وآونة باللوالب ويوماً بالنقب، وليلاً بالسرايات، طوراً بطم الخنادق وآناً بنصب السلالم، ودفعة بالزحوف في الليل والنهار وأحياناً في البحر بالمراكب. وكان رجال ريتشارد يستطيعون أن يتسلقوا جدران السور بواسطة آلة جديدة مستحدثة سموها: " الهر" ومجانيق تستطيع رمي الحجارة الضخمة التي تزعزع الجدران وتحدث الهزات حيث تقع في المدينة.

3- طول مدة الحصار البحري والبري:

ولّد تعباً أصاب المسلمين وسبّب ذلك ضجراً ، رغم ما كان يحدثه صلاح الدين من تبديل بين المحاربين بإرسال البدل داخل المدينة ، إلا أنه لم يستطع الاستمرار على ذلك، لا سيما حين شدد الصليبيون من حصارهم عليها، وكذلك لم تجد نفعاً النجاحات التي أحرزها الجيش الصلاحي الذي يحاصر الصليبيين- بين فترة وأخرى- ولا سيما في بداية الحصار الصليبي، وكانت النتيجة الحتمية هي التواني في بذل المجهود الحقيقي، ثم إبداء الأمراء التذمر حتى صار عادة وتطور إلى نقد ثم إلى معارضة، أضعفت الصف الإسلامي، وقد روى السلطان للخليفة العباسي في رسالة أوضح فيها أبعاد الموقف أمام عكا، وانسحاب الأمراء واحداً بعد آخر لأن: المدة الطويلة والكلف الثقيلة قد أثرت في استطاعتهم لا في طاعتهم، وفي أحوالهم لا في شجاعتهم، فالبرك (الثياب) قد أقضوه، والسلاح قد أحفوه والدرهم قد أفنوه في حين أن البحر يمد الإفرنج بمراكب أكثر عدة من أمواجه. . . فإذا قتل المسلمون واحداً من البر بعث عوضه ألفاً، وإذا ذهب بالقتل صنف منهم أخلف بدله صنفاً. إلا أن السلطان لم يأسف لشيء بقدر ما أسف لتغيب ابن أخيه تقي الدين عمر الذي ذهب إلى إمارته في الجزيرة على أن يعود في أقرب وقت، فشغلته أحداث الإمارة عن العودة السريعة، وقد رأى صلاح الدين في غياب تقي الدين أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى سقوط عكا.

3- ضعف المؤسسة المالية في جيش صلاح الدين:

كشف الصراع الطويل مع الصليبيين، وسقوط عكا عن مواطن الضعف المادية في جيش صلاح الدين، ومعروف عن صلاح الدين أنه لم يول اهتماماً كافياً بالإدارة المالية ولم يدخر المال ليوم الحاجة، ويفسر بذل المال الذي عرف عنه، بأن ظروف الجهاد اقتضت ذلك: فقد أنفق المولى مال مصر في فتح الشام وأنفق مال الشام في فتح الجزيرة، وأنفق مال الجميع في فتح الساحل. وسرعان ما لقي نفسه بحاجة شديدة إلى المال، لسد نفقات الأسلحة والمؤن والعلف والمعدات وعطاء الجند، وكذلك لم يقدر على التخفيف من الضائقة المالية عن العساكر المرابطين على عكا، والذين اضطروا على الاستدانة، وكذلك إحلال خيول وأسلحة جديدة بدلاً من المستهلة، فالخيول: أجهدها الجهاد. . والعدد فقدت بالكلية وعدمت وتكسرت، وتحطمت وأما النشاب فقد فني ونفضت الكنائب. ويضيف العماد إلى كلامه أنه: احتيج في هذه السنين إلى أحمال كثيرة لا يفي بها الصناع ولا يرفعها العمال.

هذه هي أهم الأسباب التي أدت إلى سقوط عكا.

4- بعد عكا:

كان لسقوط عكا تأثيره الكبير على وضع المسلمين وعلى الرغم من أن الضربة لم تكن قاضية، إلا أن هذا الحدث أضعف المسلمين كثيراً بحيث ركنوا بعده إلى الدفاع السلبي والذي من مظاهره تخريب بعض القلاع والحصون لكي لا تقع بيد العدو ثم يجعل منها مرتكزاً للهجوم على المناطق الإسلامية، صحيح أن فشل جيش صلاح الدين في حصار صور يعتبر بداية لخط الانكسار الإسلامي، إلا أن هذا الفشل يوضع في التحليل الأخير ضمن إخفاقات جيش صلاح الدين، وليس ضمن انتصارات الصليبيين، والقصد من ذلك أن ما حصل في صور هو عدم نجاح حصار المسلمين لإحدى المدن، أما في عكا فقد هزم المدافعون عنها وانتصر الصليبيون.

سادسا|ً: وقعة أرسوف:

وضع ريتشارد قلب الأسد خطة تقضي باسترداد المدن الواقعة على شاطئ فلسطين من عكا حتى عسقلان قبل أن يتوجه إلى الداخل ليسترد بيت المقدس، فغادر عكا يوم الخميس في (29رجب 587ه/ 22 آب 1191م) على رأس الجيش الصليبي متخذاً الطريق الساحلي حيث يلقي جناحه الأيمن الحماية والتموين من الأسطول الصليبي، لم تكن ظروف الرحلة سهلة، فقد عانى الصليبيون من شدة الحر وقلة المؤن، وخراب المدن والقرى التي مروا بها، ومضايقة المسلمين لمؤخرتهم، والواقع أن صلاح الدين لم يشأ أن يدع الجيش الصليبي يزحف بسلام وإنما رحل في إثره، وكان يخشى أن يتحرك ريتشارد قلب الأسد نحو عسقلان ليحتلها ويتخذ منها قاعدة يقطع بواسطتها طريق الاتصال بينه وبين بيت المقدس ومصر التي تمده بالقوة الضاربة، وبعد أن استولى الصليبيون على حيفا التي أخلتها حاميتها الإسلامية، استأنفوا زحفهم نحو قيسارية، ولما اقتربوا منها في (7شعبان / 30آب ) أضحى الالتحام بين الجيشين وشيك الوقوع ، تمتّع المسلمون بميزة حرية الحركة في الوقت الذي حصر الصليبيون أنفسهم بينهم وبين البحر، وكان القتال الحاد ينشب بينهم كل يوم وحاول صلاح الدين استدراج الصليبيين إلى الداخل حتى ينحرفوا عن خط سيرهم بمحاذاة الساحل، فيفقدوا ميزة دعم الأسطول، إلا أن ريتشادر قلب الأسد الذي اتصف بالبراعة القتالية لم يقع في فخ صلاح الدين، وحافظ على خط سيره ودعا رجاله إلى الحفاظ على النظام ، وألا ينساقوا وراء الاستفزازات الإسلامية، مفوّتاً فرصة طالما كان صلاح الدين تواقاً إليها، واستولى الصليبيون على قيسارية الخاوية على عروشها بعد أن خرّبها المسلمون ولم يستفيدوا منها بزاد أو مال، ثم واصلوا زحفهم حتى بلغوا مشارف أرسوف وتحركوا باتجاه غابتها الواقعة في شمال شرقي المدينة على امتداد ميلين من البحر، حيث كان من السهل الاتساع ما يكفي لنشوب اشتباك، وقرّر صلاح الدين الذي سبق العدو إلى الغاية، أن يصدم به في هذا المكان فعبّأ قواته استعداداً للمواجهة، وحين علم ريتشارد قلب الأسد بخطته تصرف على محورين:

-أرسل بطلب نجدة صليبية من عكا.

- حاول تسوية القضايا مع صلاح الدين بالطرق السلمية.

والراجح أن صلاح الدين أراد أن يكسب الوقت حتى تصل قوات التركمان التي كان قد طلبها ، فتظاهر بقبول مبدأ التفاوض وأناب عنه أخاه العادل الذي اجتمع بريتشارد قلب الأسد (في 12 شعبان / 5أيلول) لكن المفاوضات تعثرت بسبب تصلب ريتشارد قلب الأسد في موقفه، إذ أصرّ على أن يتنازل المسلمون عن الأماكن التي فتحوها في مملكة بيت المقدس فبادر العادل على الفور إلى قطع المفاوضات ولم يبق أمام الطرفين سوى القتال. ووصلت في هذه الأثناء، نجدات عسكرية إلى كل من الطرفين فتعبا للقتال وبدأت المعركة في ضحى (يوم السبت 14 شعبان 587ه/ 7أيلول) أحاط الفرسان المسلمون في بدايتها أحاط الفرسان المسلمون في بدايتها بالصليبيين وأوشكوا أن يقضوا عليهم، لكن ريتشارد قلب الأسد ثبت في القتال، وأعاد تنظيم صفوف قواته بسرعة، فمال ميزان المعركة إلى صالحه ولم تلبث صفوف المسلمين أن تداعت، ولما رأى صلاح الدين ما نزل بالمسلمين صاح فيهم وحرضهم على الجهاد في سبيل الله، وبقي هو ثابتاً في المعركة، فلما رآه الناس على تلك الحالة من الشجاعة والصبر توافدوا عليه، وقاتلوا الصليبيين قتال الأبطال حتى تمكنوا من دحرهم وإجبارهم على

 

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

أحمد عبدالملك المقرمي

2024-11-29 03:22:14

نوفمبر المتجدد

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد