بقلم / عبد الله الحوراني
لم تلده امرأة عربية، ولم تنجبه الأرض العربية.
واسمه ليس بمحمد ولا علي ولا عمر أو عثمان.
لم ينتم إلى قحطان أو عدنان.
ولا هو من العرب العاربة أو المستعربة، ولا حتى من نسل إسماعيل.
لم يلبس كوفية أو عقالاً، ولا عباءَة مقصبة .
لم تجمعه بالعرب صلة قربى أو نسب ولا حتى قربى التاريخ أو الجغرافيا.
لم يقرأ كتاب الله العزيز ولا سنة نبيه الكريم.
ليس بحنفي أو شافعي، ولا هو مالكي أو حنبلي أو جعفري.
وليس بزيدي أو اباضي، ولا حتى وهابي.
لم يفاخر أن بلاده مهبط الوحي وأرض الرسالات.
أو أنها تضم بيت الله العتيق، ومسجده الحرام، وقبر نبيه الصادق الأمين.
أو أنها شرفت بميلاد عيسى أو إسراء محمد عليهما السلام.
لم ينصب نفسه أميراً للمؤمنين يدعى له في المساجد والطرقات.
ولا يملك دوراً للإفتاء تهدي الناس لما حلّل الله أو حرّم.
ولا ينافق شعبه ببناء دور العبادة.
. . . . . . . . .
لم يعجب يوماً بحماسة المتنبي، أو هجائيات الفرزدق وجرير، أو لزوميات المعري.
لم يسمع بالحسن البصري، أو الحسن ابن الهيثم، ولا الفارابي أو الرازي أو أي من علماء العرب الأقدمين.
وربما لا يعرف الكثير عن الحضارة العربية الإسلامية التي انطلقت من بيت الحكمة في بغداد.
وبالتأكيد لا يعرف شيئاً عن قصة المعتصم مع المرأة العربية التي استنجدت به حين أهان شرفها الروم .
. . . . . . . . .
لم ينشد في صغره :
بلاد العرب أوطاني من الشام لبغداديِ
ومن نجد إلى يمن إلى مصر فتطوان
ولم يجعل من نشيده الرسمي الله أكبر فوق كيد المعتدي .
. . . . . . . . .
فلسطين ليست جزء من قارته .
والقدس لا يعنيه منها غير كونها تحتضن كنيسة القيامة حيث بعث السيد المسيح عليه السلام .
إسرائيل لم تغز بلاده ، ولم تعتد على شعبه .
ولبنان عنده ليست أكثر من بلد للجمال حدثه عنها بعض مواطنيه الذين هاجروا منها .
لا تسمى لديه باريس الشرق .
ولا تعرف بعاصمة الثقافة الأمريكية اللاتينية ، بل هي عاصمة الثقافة العربية .
. . . . . . . . .
خلاصة...... تاريخنا ليس تاريخه .
وأرضنا ليست أرضه .
وشعبنا ليس شعبه .
وهو ليس واحداً من حكامنا .
. . . . . . . . .
لكنه انتخى لنا ، لعروبتنا ، لإسلامنا ، لتاريخنا وحضارتنا ، لمقدساتنا ، لأطفالنا ونسائنا وشيوخنا . وهو ما لم يفعله حكامنا العرب .
اسمه " هوغو شافيز ". ومن بلاد اسمها " فنزويلا " ومن قارة اسمها " أمريكا اللاتينية ".
لم يحتمل حصار العراق على مدى عشر سنوات ، وتدميره وموت أكثر من مليون طفل من أطفاله فزاره في مثل هذه الأيام من عام 2000 ، وكان الوحيد من بين رؤساء العالم الذي كسر هذا الحصار .
وهزته مذابح غزة وجنين في فلسطين .... وقانا والقاع في لبنان .
وعزت عليه كنيستا المهد والقيامة ، وما تتعرضان له من مهانة الأسر الإسرائيلي .
واستفزه ما يجري للبنان المحبة ، والكرامة ، والشعب العنيد .
فسحب سفيره من دولة إسرائيل . بينما لا تزال أعلام إسرائيل ترفرف فوق سفاراتها في عواصم عربية ، تفقأ عيون مشاهديها العرب ، وتدمي قلوبهم . وتسمم الهواء في هذه العواصم.....أعلام يؤدي لها التحية كل صباح جنودنا العرب ، فترتعش أياديهم ذلاً ومهانة..... ومع ذلك يستمرون في أداء واجباتهم في حراسة هذه السفارات وحماية ممثلي دولة إسرائيل .
وأعلن تأييده للمقاومة في العراق وفلسطين ولبنان . بينما يدينها حكامنا العرب ، وينعتونها بالإرهاب . ويتآمرون عليها .
وهدد بقطع النفط عن أمريكا إن هي استمرت في سياساتها التآمرية والعدوانية ضد بلاده، وبلدان العالم الأخر . بينما نفطنا العربي يغذي آلة الحرب الأمريكية والصهيونية ، وأموالنا العربية تسخر لتنمية مصانع السلاح الأمريكية ، ولتغطية نفقات الحروب الأمريكية ضد أرضنا وأمتنا العربية .
. . . . . . . . .
فعل ذلك لأنه وطني وقومي. ومن يحب وطنه وقومه فهو إنسان حقيقي، ويحب الإنسانية.
وفعل ذلك لأنه يملك قراره ولم يرهن إرادته للأجنبي.
لم يثنه وعد أو وعيد ، ولم يوقفه تحذير أو تهديد.
ولم ترتعد فرائصه عند أول إشارة من السيد الأمريكي كما يفعل الآخرون من أهلنا الأقربين.
أقدم على ذلك لأنه يقدر المسؤولية، ويحترم إرادة شعبه الذي اختاره لقيادته، ولإدراكه أن القيادة وسام شرف لا يستحقه إلا من كان أمينا على حمله والدفاع عنه .
. . . . . . . . .
حين قدم له أطفال العراق ورودهم عندما زارهم قطفوها له من حدائق قلوبهم.
وحين طبع قبلاته على وجناتهم حمّلها مشاعر البشرية كلها التي تقف معهم.
حين جاءَهم كان أطفال العراق في انتظار الأعمام والأخوال الذين لم يأتوا .
بل أرسلوا لهم الطائرات تقصفهم وتقصف أعمارهم فيختلط أنينهم بقول شاعرهم:
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند.
وحين ضمته أحضان العراقيين في شوارع بغداد أودعته كل أشواقها المخزونة للأهل الذين طال بهم الغياب.
وحين درجت خطاه على شواطئ الفراتين تراقصت له أمواجهما وتهامست. رب أخ لك لم تلده أمك .
وحين تمايل نخيل العراق انتشاءً بقدومه، وانحنى له محيياً، كان يبادله الشموخ والتحدي، بينما كانت قوارض الصحراء العربية المجاورة، وجرذانها، تختفي في جحورها، مجترة سمومها وأحقادها، ومحتمية بكلاب الحراسة الأجنبية.
واليوم ، يغني له أطفال لبنان وفلسطين ، وتمتلئ قلوبهم بالحب له ، والحقد على حكامهم العرب العجزة المستسلمين ، كما تضرع عيونهم إلى الله بالدعاء له بالبقاء وطول العمر ، والدعاء على حكامهم بالرحيل وقصر العمر .
. . . . . . . . .
بلده بلد نفطي، لكن قلبه ظل من لحم ودم ولم يتحول إلى صفيح.
عروقه تنبض بالحياة، وبحب الفقراء والمقهورين والمظلومين، ولم تتحول إلى أنابيب نفط أسود أو حقد أسود.
لم يستأذن سيداً حين اتخذ مواقفه هذه .
ولم ينتظر قرار قمة لم تعقد للقدس أو لبغداد وبيروت ..... وإن عقدت فلتلبية المطالب الأمريكية .
ولم يسأل عن جامعة لا تحسن الجمع ولا تعرف غير القسمة .
مواقفه كسرت حاجز الخوف ، فهل يتشجع الخائفون والمترددون؟
أم ينتظرون حتى يأتي الأوان من صاحب الأمر والشان ؟