بقلو/ نواف الزرو
في ظل هذه الحرب الإسرائيلية الشاملة على غزة، تكشفت بعض النوايا الإسرائيلية الحقيقية المبيتة الكامنة وراء الحرب في سياق مخطط «ما بعد غزة»، فعلى خلاف كافة مراحل الصراع السابقة مع إسرائيل على سبيل المثال، لم يحدث أن أثارت المجازر والجرائم الصهيونية المقترفة ضد الشعب الفلسطيني جدل «الوطن البديل» لتصفية القضية، كما أخذت تثيره المحرقة الإسرائيلية الجارية منذ أكثر من أسبوعين في غزة هاشم. .
حيث تربط الدوائر العسكرية والاستراتيجية الإسرائيلية عمليا ما بين محارقها المفتوحة وما بين أجنداتها السياسية وعلى نحو حصري منها مخططات «الترانسفير- الترحيل» و«الوطن البديل»،الأمر الموثق لديهم في الكثير الكثير من الأدبيات السياسية ، فمنذ أن أقيمت تلك الدولة الصهيونية في فلسطين، ربطت المؤسسة الأمنية الاستراتيجية لتلك الدولة ما بين هواجسهم الأربعة المزمنة وهي :
- الهاجس الأمني الذي يمتد على امتداد العواصم العربية والتي تأتي معادلة الربط ما بين العراق وفلسطين في إطارها.
- الهاجس الديموغرافي الذي يحظى بإجماع صهيوني إسرائيلي، وتستند إليه مخططاتهم المتعلقة ب «الترانسفير» و«الوطن البديل»!
- هاجس وجود إسرائيل كدولة يهودية، وقد تعاظم هذا الهاجس في أعقاب حرب لبنان 2006 وتفاقم أكثر في ضوء الوضع المتأجج في فلسطين.
- وكذلك هاجس حق العودة وتقرير المصير لملايين اللاجئين الفلسطينيين الذي يثير لديهم أيضا «رعب الوجود ومستقبل الدولة اليهودية».
فإن ترحل الدولة الصهيونية من تبقى صامدا راسخا من العرب على أرض فلسطين المحتلة من بحرها الى نهرها، كي تصبح فلسطين «دولة يهودية نقية»، هو إذن حلم ومخطط صهيوني قديم جديد متجدد بانتظار اللحظة المناسبة فقط من وجهة نظرهم!
ما ينقلنا هنا للتوقف وإن بعبارات واستشهادات مكثفة أمام غيض من فيض الوثائق والتصريحات السياسية القريبة التي لاتزال ساخنة - في الذاكرة - المتعلقة ب «المحرقة» و«الترانسفير» و«الوطن البديل - الأردن ».
فهاهو الشيخ رائد صلاح العالم الخبير بالفكر الصهيوني وادبياته يكثف لنا خلاصة الفكر والاستراتيجيات الصهيونية المتعلقة بفلسطين وشطب القضية ومحاولة فرض ما أسموه«الوطن البديل» على الجميع!
فهو يقول بمنتهى الوضوح: لا أستبعد ان يكون العدوان على غزة جزءا من العودة الى مخططات إسرائيل للبحث عن وطن فلسطيني بديل شرقي الأردن على حساب أشقائنا الأردنيين ، ولذلك لم يكن مفاجئا ايضا ان تنتعش هواجس «الوطن البديل» في ضوء «المحرقة» المجازرية الإسرائيلية المفتوحة في فلسطين وغزة في هذه الأيام على نحو حصري في الأردن أيضا!
ففي مختلف المحافل أخذت تطفو الهواجس على نحو واضح وصريح على الأجندة الأردنية عبر سلسلة من التصريحات والتحليلات التحذيرية، بدءا من تحذير الملك الأردني من أن «هناك أجندة وراء ما يجري في غزة»، مؤكدا في تصريحات للجزيرة على «وجود مؤامرة على القضية الفلسطينية»، معتبرا «أن النتائج التي سيسفر عنها العدوان الأخير على غزة هي أخطر بحد ذاتها من تفاصيل العدوان اليومية البشعة التي يعيشها القطاع»، مرورا برئيس الوزراء الذي تحدث عن «إعادة النظر في العلاقات مع إسرائيل.
وكذلك بمستشار الملك الراحل عدنان أبو عودة الذي ذهب أيضا في تصريح للجزيرة- نت إلى أن القضية الآن مرتبطة بأمن الأردن ومصالحه الخاصة، وصناع القرار في الأردن يدركون وجود مخطط لحل القضية الفلسطينية على حساب الأردن، من خلال طرح فكرة الوطن البديل، أو إلحاق الضفة الغربية بالأردن وقطاع غزة بمصر».
وهي وجهة النظر التي أيدها الأمين العام لجبهة العمل الإسلامي زكي سعد بن إرشيد، قائلا: إن هناك تخوفا لدى الأردن من مخطط إسرائيلي لحل القضية الفلسطينية على حساب الأردن، معتبرا أن ما جرى في غزة هو بداية عملية لتنفيذ هذا المخطط. . . وليس انتهاء بعدد من المحللين والتحليلات!
الى ذلك- تحدث د. عبدالله الأشعل مساعد وزير الخارجية المصري السابق عن وجود مخطط يرجع لعدة سنوات لجعل مصر وطنا بديلا للفلسطينيين بإلحاق قطاع غزة بشبه جزيرة سيناء، وإدارتها سياسيا من قبل القاهرة كما كان الوضع قبل حرب يونيو 1967، مضيفا: أن الضم هذه المرة يختلف عن سابقه، بأن إسرائيل والولايات المتحدة تريدان أن يكون حلا نهائيا وبديلا للدولة الفلسطينية، مع تطبيق الأمر نفسه على الضفة الغربية التي كانت تخضع أيضا للإدارة الأردنية قبل ذلك التاريخ.
الأمر الذي عززته دراسة صدرت عن معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى وهو أحد مراكز الفكر الأميركية الموالية لإسرائيل بقضية الصراع العربي الإسرائيلي تحت عنوان «إعادة التفكير في حل الدولتين» للباحث الاستراتيجي الإسرائيلي «غيورا أيلاند»، وتروج هذه الدراسة لطرح خيار «الوطن البديل» الحل الذي يطرح دمج الضفة الغربية مع الأردن من خلال صيغة اتحادية بحجة عدم واقعية وصعوبة تحقيق الخيارات والمطالب الإسرائيلية من جهة والفلسطينية من جهة أخرى.
ما سارع منّظر المحافظين الجدد «المسيحيين المتصهينيين» دانييل بايبس للتأكيد عليه في مقال له في الجيروزاليم بوست الإسرائيلية - إذ كتب: أن الحل الوحيد الناجح للقضية الفلسطينية هو ضم الضفة الغربية وقطاع غزة للحكم الأردني والمصري المشترك، موضحا أنه يجب أن تخضع الضفة الغربية للوصاية الأردنية وغزة للوصاية المصرية.
لنقف هنا في الخلاصة المكثفة ونحن أمام «المحرقة» الصهيونية المفتوحة في غزة وأمام الحقيقة الكبيرة الساطعة الماثلة أمامنا في فلسطين: إننا ما زلنا أمام مشروع صهيوني استعماري استيطاني اقتلاعي إحلالي كبير ومرعب يستهدف فلسطين والأردن معا وليصل إلى حدود الفرات ، بل إن هذا المشروع لن يتوقف أبدا وربما يشهد مستقبلا المزيد من التصعيد و«المحارق» المرعبة الرامية الى محاصرة وخنق الشعب الفلسطيني لإجبار اكبر عدد منه على الرحيل باتجاه الشرق. . باتجاه «الوطن البديل» لتكريس أدبياتهم ومخططاتهم المشار إليها، إذا لم يجد الجد لدى العرب وإذا لم يتحملوا مسؤولياتهم العروبية والتاريخية في عملية التصدي لذلك المشروع. <
* كاتب فلسطيني