بقلم / حارث الشوكاني
الموقف المصري مما يجري في غزة من المقاومة والصمود الأسطوري موقف متخاذل لا يضر بالموقف الفلسطيني وإنما بالأمن القومي المصري والعربي والإسلامي بشكل عام.
أما الصامدون في غزة فلا ضرر عليهم لأن الرسول عليه السلام قد بشرنا بنبوءة مستقبلية بأن هناك من أمته رجال سيظلون ظاهرين على الحق ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس ( لا يضرهم من خذلهم ) كما ورد في الحديث الصحيح وها هي النبوءة تتحقق حيث استعصت غزة المقاومة على الآلة العسكرية الصهيونية الهائلة الجبارة البرية والبحرية والجوية وفشلت في تحقيق أهدافها العسكرية وحققت هذه المقاومة من المكاسب السياسية والإعلامية للقضية الفلسطينية مكاسب هائلة لا تقدر بثمن حيث أثارت الوحشية اليهودية التي اعتدت على المدنيين من الأطفال والنساء الرأي العام العربي والإسلامي بل والعالمي وخرجت مسيرات الغضب الهادرة بشكل غير مسبوق بحيث يمكننا القول أن الرأي العام العالمي اليوم قد احتشد مناصراً للقضية الفلسطينية بصورة منقطعة النضير ، وهنا تكمن الخسارة الحقيقية لليهود والمكاسب الحقيقية للقضية الفلسطينية بفضل بركات المقاومة والجهاد المشروع والدماء الزكية التي سكبت في غزة لتستقي منها شجرة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
ومن هذا المنطلق فإنني أتوجه بالخطاب للقيادة المصرية وأقول لهم أن موقفكم هذا لن يضر الفلسطينيين بل يضر بالأمن القومي المصري خصوصاً والأمن القومي العربي والإسلامي عموما لأن المخططات الصهيونية لا تتوقف عند غزة ومعبر رفح كما يتوهم الرئيس المصري ومستشاريه الذين يفقدون الحد الأدنى من الوعي السياسي الإستراتيجي.
لذلك فإنني أنصح الرئيس المصري بأن يبعد من حوله مستشاريه الذين لا يتجاوز نظرهم أنوفهم ويقرب إليه العقل السياسي الإستراتيجي الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل إن كان يدرك الظروف الخطيرة التي تمر بها مصر والأمة العربية والإسلامية في هذه المرحلة.
على القيادة المصرية أن تدرك أن المخطط الصهيوني ليس محصوراً في فلسطين بل إن طموحاته تمتد من الفرات إلى النيل وقد بدأ العمل لهذا الطموح من بعد سقوط الإتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة تحت عنوان كبير هو المشروع الشرق أوسطي وهو مشروع يهدف إلى تقسيم المقسم وتفتيت المنطقة المحيطة بإسرائيل ( دول الطوق ) العراق وسوريا ومصر ثم السعودية وبقية الدول العربية المؤثرة ، بتفتيت الدولة القطرية إلى عدة دويلات والشعوب إلى كتل مذهبية وطائفية وعرقية متصارعة متحاربة لتصبح إسرائيل هي القوة الإقليمية المهيمنة على الشرق الأوسط وموارده الإستراتيجية.
وأنها فيما هي منهمكة في تنفيذ هذا المخطط الإستراتيجي الخطير ( المشروع الشرق أوسطي ) بعد أن طوعت وطبعت الكثير من الأنظمة العربية والقيادة الفلسطينية الرسمية انبعثت لها هذه المقاومة من حيث لا تحتسب كشوكة في حلقها تقض مضجعها وتكفكف مخططاتها.
وبالتالي فإن علينا أن نعي أن هذه المقاومة بمثابة خط الدفاع الأول عن الأمن القومي المصري والعربي والإسلامي وأن استهدافها فيه خطر إستراتيجي كبير على المنطقة بأسرها التي تقف على فوهة بركان المشروع الشرق أوسطي الذي قد بدأ بقذف حممه البركانية في العراق تفتيتاً وتمزيقاً وعما قريب ستطال هذه الحمم البركانية مصر وسوريا والسودان والسعودية وبقية دول المنطقة.
إن تقسيم وتفتيت مصر وسوريا والسعودية التي تمتد خارطة إسرائيل الكبرى إليها يأتي تحت عنوان ( حرب المياه ) ( والصراع المذهبي والطائفي ) عبر إقامة دولة مستقلة في جنوب السودان تحجز نهر النيل عن مصر التي هي هبة النيل وعبر إثارة النعرات الدينية والمذهبية والعرقية بحيث تتحول مصر إلى دويلات ( دويلة سنية - دويلة قبطية - دويلة نوبية ) وسوريا يحجب عنها نهر الفرات عبر مشروع فتنة يهودي لإثارة حرب مياه بين سوريا وتركيا وعلى قيادتي الدولتين المسلمتين أن يتنبهوا لهذا الخطر.
أما السعودية فسيتم تمزيقها عبر الصراع المذهبي من خلال إيران وبموافقة أمريكية لأن خريطة إسرائيل الكبرى تمتد إلى خيبر على مشارف المدينة المنورة وستكون حسابات القيادات السعودية خاطئة إذا تصوروا أن أمريكا ستقف معهم لأن إسرائيل الكبرى هي الأهم.
ولخطورة هذا المخطط تحدثت عنه النبوءات الواردة في الكتب السماوية وكتب السنة الصحيحة لتنبيه المسلمين للمخاطر السياسية المستقبلية المحيقة بهم ليضعوا إستراتيجيات سياسية طويلة المدى لمواجهة هذه المخاطر.
فقد وردت الإشارة إلى مخطط حرب المياه في كتب السنة الصحيحة عبر الأحاديث التي تنبأت عن انحسار الفرات بقول الرسول عليه السلام (لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات ( صحيح مسلم ، وقول الرسول عليه السلام في صحيح البخاري (يوشك أن يحسر الفرات (.
وقد وردت نفس النبوءة عن انحسار الفرات في الإنجيل ( ثم سكب الملاك السادس جامه على النهر الكبير الفرات فنشف ماءه لكي يعد طريق الملوك الذين من مشرق الشمس ) (رؤيا يوحنا 16/12 (.
كما جاءت الأحاديث التي تبين مخطط اليهود وأهدافهم في تقسيم السعودية بما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح ( عمران بيت المقدس خراب يثرب وخراب يثرب حضور الملحمة ) والمقصود بعمران بيت المقدس هو عمران دولة إسرائيل وعمران دولة إسرائيل خراب السعودية
كما أن أسفار التوراة مليئة بنبوات كلها تتحدث عن آخر الزمان وعن المخاطر السياسية الحالية وهذه النبوءات التوراتية قد صدقها القرآن بقوله تعالى (أَعِندَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى{35} أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى{36} ) (النجم (.
من ضمن هذه النبوءات ما ورد عن انحسار النيل وتمزيق مصر وإلغاء دورها الإقليمي (9 و تكون ارض مصر مقفرة و خربة فيعلمون أني أنا الرب لأنه قال النهر لي و أنا عملته* 10 لذلك هاأنذا عليك و على أنهارك و اجعل ارض مصر خربا خربة مقفرة من مجدل إلى أسوان إلى تخم كوش* ) (حزقيال 29 (.
ثم يأتي البيان التوراتي عن سبب تجفيف نهر مصر وتمزيق مصر (15 تكون أحقر الممالك فلا ترتفع بعد على الأمم و أقللهم لكيلا يتسلطوا على الأمم* 16 فلا تكون بعد معتمدا لبيت إسرائيل مذكرة الإثم بانصرافهم وراءهم و يعلمون أني أنا السيد الرب* ) (حزقيال 29 (.
والحقيقة أن هذه النبوءات التي ظاهرها النصرة لليهود وباطنها النصرة للمسلمين هي المحركة للقيادات السياسية اليهودية والأمريكية في حين تتوهم القيادات العربية أنها قيادات علمانية وهذه النبوءات التي في التوراة قد لخصها العالم الجليل كعب الأحبار الذي أسلم وكان زعيماً لليهود في زمن الرسول عليه السالم وأصبح مرجعاً للمسلمين في فهم نبوءات الكتب الثلاثة وقد لخّص كعب الأحبار نبوءات آخر الزمان والمشروع الشرق أوسطي بعبارة موجزة وعميقة بقوله ( يوشك أن يعرك العراق عرك الأديم ويشق الشام شق الشعر وتفت مصر فت البعرة وعندها ينزل الأمر ) (كتاب الفتن لنعيم بن حماد ص 122 (.
وهذه المقولة قد صدقها الواقع فها هي العراق تعرك كما يعرك الأديم ( كما يدبغ الجلد ) وبقية المخطط هو تقسيم مصر وسوريا والسعودية وهي الدول التي تمتد فيها خارطة إسرائيل الكبرى.
فهل تعي القيادات العربية المخاطر المحدقة بالمنطقة وتترك الحسابات التكتيكية الخاطئة وتفكر بعقلية سياسية إستراتيجية فتتخذ القرارات السياسية الهامة في هذه اللحظة التاريخية الهامة ، هذه الأمانة أضعها بين يدي القيادات العربية التي ستجتمع في قمة الكويت.
وإذا لم يفعلوا ولن يفعلوا فأقول لهم الآن فقط أدركت أن المشروع الشرق أوسطي الذي سيفتت دول الطوق المحيطة بإسرائيل هو مشروع ظاهره العذاب وباطنه الرحمة ، وظاهره النصرة لإسرائيل وباطنه النصرة للمسلمين.
فقد اتضح لنا عملياً الآن أن إسرائيل بقوتها العسكرية وبالدعم الأمريكي السياسي والعسكري من ورائها لا تشكل خطراً حقيقياً فقد عجزت عن مواجهة أحزاب عربية إسلامية فكيف سيكون الحال لو تعززت هذه الأحزاب بجيوش عربية وإسلامية ومتطوعين وإمكانيات مادية وعسكرية ، واتضح أن عامل النصر الحاسم لإسرائيل هو الأنظمة العربية الحامية لأمنها المانعة عن تدفق الأموال والأسلحة والمتطوعين.
وعلى هذا الأساس فإن فوائد المشروع الشرق أوسطي غير المنظورة هو تفتيت هذه الأنظمة الحامية لإسرائيل وتحويل الشعوب المدنية إلى تكتلات مختلفة متصارعة فيكون هذا الصراع المؤقت داخل كل شعب يفقد نظامه بمثابة دورة تأهيلية عسكرية للشعوب لتتحول من طبيعتها المدنية إلى طبيعة عسكرية مقاومة مقاتلة ، لأن الصراع الطائفي والعرقي مهما احتدم فلا بد أن ينتهي كما حصل في لبنان ثم ينقلب السحر على الساحر فتتحول الشعوب إلى كتل مقاتلة ترتد على إسرائيل من كل جهة ، أما القيادة لهذه المجموعات المقاتلة فإن لم تتوفر في القلب فستكون في الأجنحة.
ولله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.
"الدر المنثور" (ج7/488).