علي منصور مقراط
بينما كنت أشرع لكتابة هذه التناولة الصحفية كنت في خيارين بتناول الأوضاع المأساوية في قطاع غزة والتحركات العربية وأهمية القمم ومنها قمة الدوحة وغيرها أو عن تراجيديا الأحداث الأمنية المهولة التي ما زالت تعيشها مدينة جعار كبرى مدن محافظة أبين التي بلغت الأوضاع فيها غاية الخطورة والذهول، لكني في الأخير رأيت أن أحداث جعار لا تقبل السكوت والصمت، ما ألمني كثيراً أنني قبل كتابة هذه المادة وقد تلقيت خبر اغتيال واستشهاد أحد جنود الحراسة الأمنية على سجن البحرين المركزي بجعار هذا الجندي برتبة رقيب واسمه منصور صالح أحمد البرحي ومن أبناء مدينة المحويت استشهد وهو فوق نقطة المراقبة بالسجن وفي بدلته العسكرية على يد عناصر أطلقت عليه وابلاً من الرصاص أصابته في مقتل ولم تفد محاولة زملائه بإسعافه إلى مستشفى الرازي كونه لفظ أنفاسه قبل وصوله قسم الطوارئ فتم نقل جثته وهي مسجية الآن بثلاجة المستشفى وستنقل جثمانه الطاهر ليواري الثرى بمسقط رأسه بالمحويت المدينة، ولهذا فإن الكتابة عن جعار ضرورة لا سيما بعد أن تناولت المجازر التي يتعرض لها إخواننا الفلسطينيين في غزة بنحو "9" مواضيع سابقة واللافت أن أرواح أبناء غزة تزهق على يد قوات الصلف الصهيوني الإسرائيلي المنحط، بينما عشرات القتلى وتنهب المؤسسات وتروع السكينة في جعار على يد إخوان لنا ومن جلدتنا وهي الوحشية وأم الكبائر بعينها.
* الحقيقة أن الانهيار الأمني في جعار لم يكن فجأة أو لحظة فلتان وتراخ، وتعود الأوضاع إلى طبيعتها وتستفيد الدولة وجهازها الأمني هيبتها، بل الحاصل أن وقتاً كافياً مضى لم تفد فيه المعالجات والحسم النهائي ونحن لا نتهم أية جهة أو جماعات بعينها وراء السقوط المروع لهذه المدينة التي كانت مسالمة إلى الأمس القريب واليوم أصبحت ذاعة الصيت بالفوضى وجرائم الاغتيال في وسط النهار والنهب المنظم الذي قضي على شرف ورمزية الدولة متمثلاً بتشليح مبانيها الحكومية ولعل مرارة الشكوى والطرح الواضح والشجاع لمدير المديرية الجديد محمد علي الجمل في دورة المجلس المحلي وبحضور اللجنة الأمنية تكفي ما وجدت ويعاني منه هذا المسؤول المعين حديثاً.. الراجح أن التغيرات الأمنية على مستوى المحافظة لم يواكبها تغيير وآلية عمل أمني صارمة واستثنائية في جعار ولهذا بقي الحال إلى الأسوء، شخصياً أنا متفائل بمجيء العميد/ حمود الحارثي لقيادة أمن المحافظة وهذا التفاؤل أنني عرفت هذا القائد الأمني بشدته وقوة شخصيته خلال قيادته لفرع الأمن المركزي في أهم محافظات البلاد وهي عدن كان يقضاً وقلقاً وحريصاً على الناس وقد زرته بمعسكره في شهر رمضان استقبلنا وزميلي عبدالقادر المحوري بمكتبه وفي شهر رمضان وأجاب على أسئلتنا بكل شفافية وثقة واليوم كل ما زرته إلى مكتبه أشعر أن الأسئلة تذهب إلى مربع الخطر في جعار، لذا فكان لا بد من التأني وإعطائه الفرصة لتشخيص الأوضاع بجعار وكل المحافظة، لكن اللافت أن هناك من التدخلات والاحباطات وليس التحديات تواجه المسؤول الأمني الذكي الذي لفت الأنظار وهو يتحدث عن الأوضاع الأمنية في اجتماع محلي المحافظة بكل دقة وإدراك حتى أنك تستغرب بسرعة ذاكرته عن المسافة بالكيلو متر بين منطقة وأخرى.
* أما المحافظ م. أحمد الميسري فإن الذين غير ملمين بالأمور سيردون اللائمة عليه كونه الرأس القيادي الأول للمحافظة، لكن حين نتذكر أن الأعمال الإجرامية قد وجهت صاروخاً إلى غرفة نومه ندرك أن هناك أموراً خفية ومسلسلاً غير عادي لقوى فساد تهدف إلى عرقلة خطواته الإصلاحية، والأرجح أن إظهاره أمام القيادة والشارع العام أنه فشل في إدارة المحافظة ولملمة أمورها ويعفيني القارئ الخوض في تفاصيل أخرى.
* وخلاصة القول أنه في ظل الهدوء النسبي الذي تعيشه جعار بين وقت وآخر فإن هناك من لا يروق له هذا الاستقرار والسكينة وتبقى المسألة مطروحة أمام العميد ركن/ حمود حسان الحارثي مدير أمن المحافظة بمخاطبة الجهات العليا برفد جعار بجهاز أمني جديد من قيادة وضباط وأفراد وإمكانيات استثنائية ونقل القوة الحالية إلى المحافظة وهذه مقترحات ومعالجات مطلوبة، لكن ذلك لا يعفي المواطنين من مسؤوليتهم بالتعاون الأمني المتكامل لفرض السيطرة وإن لم يتحرك الجميع وكما قال المدير الحارثي إن الجهود لا تفي حتى وإن وضعنا مع كل مواطن وسيارة ومبنى جندياً ذلك قد لا ينفع إن لم يستشعر الناس بمسؤوليتهم وكشف الأيادي العابثة بأرواح وممتلكات الدولة والخاصة، وللموضوع بقية والله على ما نقوله شهيد.<