يوسف الزمزمي
إنني وجدت أن هذا السؤال يتردد على لسان الكثيرين ممن التقيت بهم منذ أعلن الكيان الصهيوني وقف إطلاق النار من جانب واحد ، وعندما تدخل في حديث مع أحدهم تجده متبنياً وجهة نظر ترددها إحدى الفضائيات العربية ، فهناك من يستشهد على انتصار حماس بما تبثه قناة " الجزيرة" أو "القدس" و"الأقصى"، ومنهم من يبرهن على خسارتها بقناة " الحرة" أو "العربية"
وهم مزورون لا شك في ذلك ، فالأوراق أصبحت مختلطة، فهل فعلاً انتصرت المقاومة وفي القلب منها حماس-أم خسرت؟! هذا ما حاول الجميع الإجابة عنه بأشكال مختلفة ولعل الواقع وبعيداً عن العواطف يميل إلى ترجيح كفة المقاومة ، فأكثر المتفائلين على صمودها لم يكن يتوقع أن يستمر وجودها في الميدان أكثر من أربعة أو خمسة أيام على أكثر تقدير، كما أن الكيان الصهيوني وحلفاءه من داخل فلسطين وخارجها كانوا يتوقعون أن تسيطر القوات الصهيونية على غزة وتعتقل أو تقتل قادة حماس وتقضي على المقاومة الفلسطينية بشكل نهائي، مما يعيد غزة إلى حضن فريق رام الله المسالم، وما يؤكد ذلك هو سقف التصريحات في الأيام الأولى للحرب والذي تجاوز في حق المقاومة بشكل لم يسبق له مثيل، وبعد أول أسبوع من الحرب تبدلت التصريحات وتغيرت الآراء وحتى الخطط الحربية للقوات الصهيونية شهدت العديد من التغيرات بعد المقاومة الشرسة من المجاهدين وهو أول انتصار يُحسب للمقاومة.
أما الانتصار الثاني الذي حققته المقاومة فهو النزول بسقف الأهداف السياسية للحرب والتي بدأت بتصريحات ليفني من القاهرة قبل الحرب بيومين بأن كيانها سيغير الوضع على الأرض داخل القطاع ، مما يعني إخماد حركة حماس والإجهاز بشكل كامل على المقاومة ، ومع بداية العدوان وخلال الأيام الثلاثة الأولى كانت تصريحات الصهاينة بأنهم ماضون في هدفهم من الحرب وهو تغيير الأوضاع على الأرض، ثم ما لبث هذا الهدف أن تغير إلى مجرد تقليص قوة حماس، ثم أصبح الهدف المعلن مع بداية العدوان البري هو تدمير قوة حماس الصاروخية والقضاء على منصات إطلاق الصورايخ.
وبعد أكثر من أسبوعين على الحرب أصبح الهدف المعلن هو القضاء على الأنفاق التي يقول الصهاينة إنها تستخدم لتهريب الأسلحة من رفح المصرية، ومع دخول الحرب في أيامها الأخيرة كان هدف الحرب المعلنة هو مجرد وقف تهريب السلاح لحماس والمقاومة، وكانت المفاجأة على لسان قادة الكيان خلال إعلان وقف إطلاق النار من جانب واحد هي أن القوات الصهيونية حققت أهدافها، وهي الحد من تهريب السلاح لحماس، أي أن الحرب بدأت بالإعلان عن تغيير الوضع على الأرض وأخذت في التقلص إلى أن وصلت إلى مجرد الحد من تهريب السلاح، وهو ما يبرهن عليه الاتفاق الذي وقعته وزيرتا خارجية الكيان والولايات المتحدة الأمريكية، والذي يسمح بمقتضاه بتقديم الدعم اللوجيستي والأمني الأمريكي للكيان لمنع تهريب السلاح للمقاومة، وهو الانتصار الثاني من وجهة نظري، لأن حماس بقيت ولم يقض عليها، والخسائر التي حدثت في صفوفها لا تكاد تذكر باستثناء واستشهاد كل من الشيخ نزار ريان والوزير سعيد صيام، إضافة إلى تدمير عدد ليس كبيراً من منصات إطلاق الصورايخ.
ثم يأتي الانتصار الثالث للمقاومة وفي القلب منها حماس، وهو الاعتراف الدولي بشكل أو بآخر بالمقاومة وبحماس، واعتبارها نداً قوياً للكيان الصهيوني، رغم اختلاف الإمكانيات والعتاد والدعم السياسي الدولي، وهو ما أحيا القضية الفلسطينية من جديد، والتي كادت تموت شيئاً فشيئاً في ظل الحديث الجاف عن مبادرات السلام العربية تارة والأمريكية تارة أخرى، وتعدد المؤتمرات التي لم تحرك القضية من مكانها، مما جعل القضية تتقهقر في جدول الأولويات الدولية بل والعربية والإسلامية أمام ما يحدث من أفغانستان والعراق وما يجري بين الهند وباكستان فضلاً عن الموقف من سوريا وإيران، حتى جاء هذا العدوان ليعيد القضية الفلسطينية إلى صدارة المشهد وعاد مرة أخرى مصطلح الاحتلال الصهيوني ليطل برأسه من جديد في المؤسسات الدولية هو المصطلح الذي كاد أن يختفي بفعل فاعل.
ويأتي الانتصار الرابع ليتمثل في هذا التعاطف الشعبي الجارف مع القضية الفلسطينية، سواء داخل القطاع حيث المجازر والعدوان.. أو داخل الضفة، حيث الاحتلال والتنكيل والاعتقال، وهو التعاطف الذي أخذ أشكالاً متعددة وشاركت فيه أجناس مختلفة، ما بين مسلم ومسيحي وحتى يهودي وما بين إسلامي وعلماني واشتراكي، فالكل خرج في مظاهرات ومسيرات طافت أرجاء العالم من أقصاه إلى أقصاه، ليعيد التعاطف الشعبي مع قضية العرب والمسلمين الأولى، وأعتقد أن أحداً لم يكن يتخيل أن يحدث تعاطف من دول أمريكا الجنوبية أو أن يخرج مئات الآلاف من المتظاهرين في لندن وواشنطن وباريس وبرلين واليابان والهند، ومدريد، فالكل خرج من أجل غزة، في مقابل زيادة الغضب والكره الشعبي الجارف للكيان الصهيوني وهو انتصار كبير في حد ذاته.
ويأتي الموقف التركي الرائع ليكون الانتصار الخامس للمقاومة، حيث أعادت هذه الحرب تركيا إلى أحضان أمتها بعد سنوات طويلة من التغريب والبعد عن القضايا الإسلامية.
أما الانتصار السادس فهو إصلاح الموقف المصري من نفسه مع حركة حماس، بعد جفاء وقطيعة طويلة بين الطرفين وهو ما يعد خطوة جيدة في سبيل المصالحة الوطنية الفلسطينية.
وعلى الجانب العسكري كان الانتصار السابع للمقاومة التي أعطت الكيان الصهيوني درساً لن ينساه، فالخسائر الصهيونية رغم التكتم عليها كبيرة والصور التي نشرت في معظم المواقع للجنود الصهاينة المصابين والقتلى ليؤكد أن الحرب لم تكن نزهة وإلا لما أعلن الكيان وقف القتال من جانب واحد.
وما سبق لا يعني أن المقاومة لم تخسر شيئاً أو أن الدمار الذي خلفه العدوان ليس كبيراً لدى المقاومة، إلا أنه يجب التنبيه إلى أن الاستقلال والتحرير الوطني من الاحتلال لن يأتي باللقاءات الدبلوماسية والأيادي الناعمة والقبلات الحارة بين المفاوضين والصهاينة، وإنما يأتي بالدم والاستشهاد.