محمد ناصر الحزمي
انتجت معركة غزة صورتين: صورة مظلمة وهي صورة الدمار والدموع والآهات وصورة مشرقة وهي صورة الصمود والنصر وهناك من يركز على الصورة المظلمة ولا يريد أن يركز على الصورة المشرقة .. إنه النصر الذي لم يتوقعه اليهود وحلفاؤهم من الخائنين فذهبوا يشككون في النصر بحجة الدمار والخسائر وهذا يدل على بلادة فكرهم وجهلهم بمفهوم النصر قال تعالى: "إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد"، وقال: "وكان حقاً علينا نصر المؤمنين"، وقال: "إن تنصروا الله ينصركم"، وقال جل ذكره: "ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين * إنهم لهم المنصورون * وإن جندنا لهم الغالبون"، هذا وعد الله بنصر المؤمنين والنصر قد يكون بالغلبة المباشرة والقهر للأعداء على أيدي هؤلاء الأنبياء والرسل، والمؤمنين كما حصل لداود وسليمان عليهما السلام قال تعالى: "وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة"، وكذلك موسى عليه السلام نصره الله على فرعون وقومه، وأظهر الدين في حياته: "ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون"، وقد يكون انتصار المنهج وظهوره كما حدث لعبدالله الغلام عندما قتله الملك فقال قومه: "آمنا بالله رب الغلام"، وهذا ما قصده سيد قطب رحمه الله عندما قال: "إن كلماتنا وأقوالنا تظل جثثاً هامدة حتى إذا متنا في سبيلها وغذيناها بالدماء عاشت وانتفضت بين الأحياء"، إن ثباتاً على المبدأ هو انتصار باهر، وفوز ساحق حيث يعلو على الشهوات والشبهات ويجتاز العقبات بشجاعة وثبات، بل إنه لا يمكن أن يتحقق الانتصار الظاهر إلا بعد تحقق هذا الانتصار، لم تكن غزوة الأحزاب أو حصار مكة حرباً ميدانياً أو نزالاً حقيقياً في ساحة قتال، بل كانت معركة أعصاب وامتحان نفوس واختبار قلوب وإرادة، ولذلك كان من البديهي أن ينتصر المسلمون ويفشل أعداؤهم فشلاً حقيقياً لا مثيل له قال تعالى: "ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً"، إنها نزلت بعد معركة الأحزاب الذين جاءوا إلى المدينة بغرض استئصال المسلمين والتخلص منهم إلى الأبد، فحشدوا قوتهم وقبائلهم مع اليهود ولكن المسلمين علموا بقدومهم فاستعدوا وحفروا الخندق كما فعل المقاومون في غزة عندما استعدوا بحفر الأنفاق، إن الناظر لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم نظرة العاقل المعتبر سيجد التاريخ يكرر نفسه، وصفحاته تفتح اليوم ثانية، كانت غزوة الأحزاب امتحاناً صعباً نجح فيه أهل الإيمان وأخفق فيه أهل النفاق، كان امتحاناً ابتلي فيه المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً، وزاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر، ولكن الله تعالى ثبت المؤمنين بصدقهم ويقينهم، وخذل المنافقين بشكهم وارتيابهم، ورد الكافرين بغيظهم لم ينالوا من المسلمين نصراً ولا غنيمة، وهو ما يحدث وسيحدث، وفي معركة غزة جاء اليهود بغيضهم وقضهم وقضيضهم بعد أشهر من الحصار حشدوا مئات الدبابات والطائرات وعشرات من البارجات البحرية وأكثر من خمسين ألف جندي وحشدوا الدعم العربي فضمنوا استمرار إغلاق معبر رفح وضمنوا وقوف أنظمة عربية معهم وصمت أنظمة أخرى، وشنوا حملة مسبقة ضد حماس والمقاومة عبر النظام المصري وأدواته الإعلامية، وزمرة عباس والمجموعة الدحلانية وعبر قناة العربية وأخواتها العبرية بأن حماس سبب في أي هجمة إسرائيلية لأنها رفضت تجديد التهدئة مع الكيان الصهيوني، والخضوع للتعليمات المصرية فبدأت الحرب بخدعة استخبارية ودينية، أما الاستخبارية فسربت الاستخبارات المصرية بأنه لا هجوم على غزة، أما الدينية فمن المعلوم أن اليهود يوم السبت مسبتون لا يتحركون حسب شريعتهم اليهودية، ولكن كما تحايلوا في سبتهم في القديم تحايلوا هذه المرة فكان الهجوم يوم السبت ما يقارب ألفين وخمسمائة غارة جوية على مساحة "360كم" قذفت غزة بحوالي مليون ونصف كيلوا من المتفجرات، أي لكل فرد في غزة كيلو من المتفرجات استمر الحرق والتدمير، كان الاتفاق بين اليهود وأهل النفاق أن تنتهي الحرب في أيام قلائل تكون المهمة قد انتهت، ولكنها طالت الحرب ولم يتحقق أي هدف إطلاق الصواريخ مستمر وحماس مسيطرة على الميدان ولم ترفع الراية البيضاء .. انتقل العدو إلى استخدام الأسلحة الأكثر تدميراً فسفورية وقنابل ارتجاجية وذخائر "الديم" المحرمة دولياً بل واليورانيوم المنضب.. لا بد من تحقيق الهدف، فردهم الله خائبين جاءوا لاستئصال حماس وتسليم السيطرة لعباس فخيب الله إرادتهم فحماس باقية ولم ينل عباس خيراً، جاءوا لإيقاف الصواريخ فخيب الله إرادتهم فبقيت تفقد الإسرائيليين الأمن الذي يبحثون عنه حتى بعد وقف إطلاق النار، جاءوا لإضعاف المقاومة وعلى رأسها حماس فخرجت حماس أكثر قوة وخسارتها أقل من خسارة العدو لا غرابة في ذلك قال تعالى: "كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين"، إنها إرادة الله وإلى لقاء آخر إن شاء الله.