علي بدوان
لم يكد إيهود أولمرت ليعلن عن وقف «وقف اطلاق النار» من جانب واحد حتى كانت دائرة الجدل والنقاشات الداخلية في اسرائيل تنطلق لتقييم مرحلة مابعد الحرب على قطاع غزة.
فقد باتت حرارة التساؤلات بالارتفاع، وفي هذه المناخات من الجدل الدائر لدى المستويات العليا للقرار في إسرائيل حول الحصاد النهائي للعملية العسكرية، بدا انقسام واضح بدأت تباشيرة بالتبلور الأولى وفق اتجاهات عدة، تعبر عن طيف من الآراء السياسية، فمنها من طالب باستمرار العملية العسكرية باعتبارها لم تستنفد أغراضها بعد. ومنها من اعتبرها حرباً مجنونة لافائدة مرجوة منها وطالب بوقفها منذ البداية، ومنها من أقر بأن ماحدث كان نصراً وانجازاً خالصاً لحركة حماس.
ومن بين الأصوات الإسرائيلية التي امتلكت رأياً آخر في المنحى ذاته، كان الرأي المنادي بالعمل من أجل ترتيب تهدئة جديدة، بالرغم من قيام إيهود باراك، بوضع حدا للشائعات التي تفيد أن إسرائيل تقوم باتصالات غير مباشرة مع حركة حماس، من خلال الوساطة المصرية، معلناً بتشدّد أن العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة والضفة الغربية ستتواصل.
فيما بدت السلطة الوطنية الفلسطينية في موقف شديد الإحراج لم تستطع فيه أن تعلن وقفها الفوري للمفاوضات كما كانت تطالب جميع القوى الفلسطينية بما في ذلك كتائب شهداء الأقصى فأعلنت فقط عن وقف المفاوضات لأيام محدودة، لكنها تابعت الاجتماعات مع حكومة أولمرت بما في ذلك التنسيق الأمني بالرغم من قيام قوات الأمن الإسرائيلية بأعمال التوغل والاغتيالات داخل مدن ومخيمات الضفة الغربية.
في هذا السياق، وفي معمعة المناقشات الإسرائيلية والآراء المنطلقة في إسرائيل من كل حدب وصوب، فان أصواتاً خافتة بدأت تنطلق بهدوء داخل إسرائيل منذ مدة ليست بالقصيرة، لكن تواتر أصواتها بدأ يعلو قليلاً حتى بات واضحاً في ايقاعاته على قطاعات من الناس داخل إسرائيل كما أشارت نتائج بعض الاستطلاعات الأخيرة،
وعلى لسان المزيد من الشخصيات العامة، بمن فيهم ضباط كبار في الاحتياط، يطلقون مواقف تدعو للتفاوض والحوار مع حركة حماس، ويقترحون بديلاً يصفونه بأنه الأكثر معقولية عبر فتح قنوات الحوار المباشر أو الغير مباشر والتفاوض مع حركة حماس بهدف استقرار الوضع من جانب والبحث بإمكانية التفاوض مع إطار فلسطيني أوسع يجمع فتح وحماس، منطلقين من ماحدث في قطاع غزة من تحطيم للمعابر مع مصر ومن صمود وثبات فلسطيني وانكسار للعملية العسكرية الأخيرة دون اقتلاع حركة حماس، مع تقديراتهم بأن حركة حماس يمكن لها استئناف القتال، وتحطيم الهدوء الشكلي،
ومن يقين تام بأن حركة حماس ما زالت تملك حضوراً قوياً في الضفة الغربية تستطيع من خلاله إحباط أي طريق سياسي وإعادة (قلب الطاولة)، وأن بإمكانها تصعيد العمل المسلح، وتالياً في إمكانية تحديد كفة المسيرة السياسية.
وعليه فإنهم يقترحون سلب حركة حماس هذه المفاعيل بضبط إسرائيل لنفسها إزاء تصعيد عمليات إطلاق الصواريخ، والانطلاق نحو الحوار مع حماس التي غدت «الذراع الجنوبي لذاك الإخطبوط الذي يحيط بإسرائيل» على حد تعبير بعض الصحافيين الإسرائيليين، ومحاولة إغوائها والتقاطها سياسياً.
وهو ماكرره الصحافي الإسرائيلي اليكس فيشمان على صفحات يديعوت أحرونوت بعددها الصادر يوم 28/3/2008 الذي حذر من ما أسماه تطور عمل الهيئة العسكرية لحماس والتي تعنى ب «الهندسة العسكرية» و «الفن العسكري» في قطاع غزة، التي توصلت إلى انجاز من خلال إنتاج سلسلة من صواريخ القسام ذات مقاييس تصل إلى مدى 21 ؟ 22كم، بل وحدث في الحرب العدوانية الأخيرة وفي رد المقاومة أنها استطاعت انتاج صواريخ ذات مدايات أبعد من ذلك بكثير.
وعلى هذا الأساس كان المحرر السياسي لصحيفة هآرتس قد اقترح في عددها الصادر يوم 11/3/2008 قيام حوار حتى لوكان مختبئاً ومختفياً عن الأبصار مع حركة حماس عبر الطرف المصري لترتيب هدنة ولو مؤقتة، توقف حركة حماس فيه نار الصواريخ، وبالتوازي، فان إسرائيل توقف هجماتها على قطاع غزة والضفة الغربية، ويتقلص مبدئياً على قطاع غزة. وتفتح المعابر مثل كرم سالم، كرني وبيت حانون، والعمل في العودة لاتفاق المعابر بالنسبة لمعبر رفح.
وبهذا الصدد فقد جاءت نتائج استطلاعات الرأي الأخيرة في إسرائيل التي أجرتها «هآرتس؟ ديالوغ» بإشراف البروفيسور كميل فوكس من جامعة تل أبيب منتصف مارس الماضي والمنشورة على صفحات الصحف الاسرائيلية، أجاب فيها الجمهور اليهودي في فلسطين المحتلة عام 1948 بأغلبية كبيرة داعياً للحوار المباشر مع حرة حماس كانعكاس واقعي لجملة من التطورات والأحداث التي جرت خلال العامين الماضيين.
فقد أشارت نتائج الاستطلاع الأخيرة والمنشورة على صفحات هآرتس إلى وجود أغلبية إسرائيلية وصلت نحو (64%) من الذين يعتقدون بأن على إسرائيل أن تتفاوض مباشرة مع حماس، وعلى تحقيق صفقة تبادل لإطلاق الأسير جلعاد شاليت، بينما عارض الحوار والمفاوضات مع حماس اقل من ثلث العينة أي بنسبة (28%).
أما في استطلاع عينة من جمهور اليمين العقائدي الصهيوني (حزب الليكود) فنحو نصف العينة (48%) يؤيدون المفاوضات مع حماس، مقابل (51%) يعارضون، وفي حزب إيهود أولمرت( كديما : يمين الوسط) فان (55%) يؤيدون فتح قنوات التفاوض المباشر مع حركة حماس، وفي أوساط حزب العمل (اليسار الصهيوني) فان نسبة (72%) يؤيدون ذلك. .
* كاتب فلسطيني