بقلم/ ممدوح طه
الحقيقة الثابتة ثبوت الجغرافيا والتاريخ هي التأثير المتبادل في علاقة الكل العربي بالجزء العربي وبالعكس سلبا أو إيجابا، ولا يجدي إنكار مابدا الآن واضحا بأن الانقسام العربي انعكس على الانقسام الفلسطيني واللبناني والعراقي بقدر أكبر مما انعكس فيه الانقسام الوطني على الانقسام العربي! ، وهي الحقيقة التي سبق أن أثبتتها الأيام والأحداث التي شهدتها الأمة العربية سواء في انتصاراتها أو في هزائمها وفي ما حققته من إنجازات ومايمر بها من أزمات، فعندما يتحقق التوافق العربي يؤثر إيجابا على التوافق الوطني في كل بلد عربي، وإن التوافق العربي يتأثر سلبا بأزمة التوافق الوطني.
فلولا التوافق العربي الذي تحقق قبل حرب رمضان المجيدة عام 73 حول ضرورة القتال بعد استنفاد فرص الحلول السلمية لتحرير الأرض العربية التي احتلت عام 67 ، ما تحقق زلزال النصر العسكري على الجبهتين المصرية والسورية، ولولا غياب هذا التوافق بعد الحرب مباشرة لما وقع ما وقع من خلافات أدت إلى أداء سياسي أقل من مستوى الأداء العسكري حرمت العرب من استثمار أفضل لنتائج تلك الحرب.
ولولا غياب التوافق العربي الذي خيم على العلاقات العربية العربية قبل عام 67 بفعل المواجهة السياسية بين النظم الثورية والمحافظة ووصل بها إلى حد المواجهة العسكرية، لما وقع ما وقع من هزيمة عسكرية أصابت في الصميم كل العرب الثوريين منهم والمحافظين، ولولا استعادة العرب لهذا التوافق في قمة الخرطوم في نفس العام لما أمكن لجبهات القتال المصرية والسورية والأردنية أن تصمد وتتحدى الهزيمة وتعيد بناء جيوشها وتحقق الانتصار العسكري في حرب رمضان.
إن هذا يؤكد أن التوافق السياسي القومي شرط لا بديل عنه للنصر في معاركنا القومية مع أعداء الأمة العربية، مثلما يؤكد أن التوافق السياسي الوطني هو شرط لازم لمنع وقوع الانقسامات الوطنية بما يسمح للأطراف الخارجية بالتدخلات السياسية وتحويل الوطن المنقسم على نفسه إلى ساحة للمواجهات الإقليمية والدولية الدافعة بالفتنة إلى الوقوع في مخاطر الحروب الأهلية بما يحقق للدول المعادية أهدافها الخبيثة بأيدينا وليس بجنودها ليخسر الوطنيون المنقسمون ويحترق الوطن في النهاية وتخسر الأمة كلها.. إن الأزمات التي تشهدها أمتنا العربية البالغة حد المآسي الوطنية والقومية في فلسطين ولبنان والعراق والسودان والصومال إنما هي نتيجة لغياب هذا التوافق الوطني بما لم يمنع من البداية وقوع مثل هذه الأزمات، وفي الوقت نفسه فإن غياب التوافق القومي هو الذي يمنع حاليا من جمع الأطراف المختلفة على طاولة حوار يصل إلى توافق وطني، وإن تحقيق الوفاق القومي يظل الشرط الضروري الذي بدونه تتفاقم الأزمات وتتباعد الحلول.
غير أن الأزمات قد تبقى بغير حلول إذا حدث التوافق القومي على ما يزيد المشاكل ولا يقدم الحلول بالانحياز المسبق مثلا إلى جانب طرف وطني أو بالرفض المطلق لطرف وطني آخر، أو بتغليب الحسابات الدولية على المطالب القومية أو بالاستجابة إلى الغالبية الضاغطة قوميا أو وطنيا بغض النظر إن كانت على الحق أم على الباطل، فالحق قد يكون مع الأقلية وليس مع الغالبية.
من هنا يبدو أن المدخل الذي أثبت فاعليته لتحقيق التوافق القومي هو عودة قاطرة المثلث العربي المصري السوري السعودي أو المربع العربي بالضلع القطري مع تنسيق وثيق لمثلث استراتيجي إقليمي تركي وإيراني وباكستاني يجمع كعمق للأمن القومي العربي عبر التاريخ، والذي تشكل عودة فاعليته ضرورة وطنية وعربية وإسلامية لا بديل عنها لمواجهة التحديات الصهيونية العدوانية ضد كل الفلسطينيين والعرب والمسلمين.<