عصام المطري
غزة الكفاح والنضال والجهاد صمدت أمام الآلة الحربية الصهيونية طيلة ثلاثة أسابيع خلافاً للجيش العربي الذي غزاه الوهن والضعف عام 1967م حينما سقط أمام الترسانة المسلحة للعدو الصهيوني خلال ست ساعات، فأزيز الأباتشي وصواريخ إف "16" لم تثن أهالي غزة عن الصبر والظفر في نهاية المطاف، فلقد ضربت غزة أروع الأمثلة في الصمود والصبر والتضحية، رجالها ونساؤها وأطفالها كلهم صامدون زرعوا البسمة في القلوب وكانوا أمام نصر محقق أسطوري يذهل الأبصار.
لقد اغتر العدو الصهيوني، وكان يؤمل أنه يستطيع اجتثاث المقاومة من الأرض، وحسب ما خطط له كان الزعيم اليهودي "أولمرت" ينتظر ساعة الاستسلام للمقاومة الإسلامية "حماس"، ولكنه فوجئ بصمود قوي دوخ الآلة الحربية العسكرية الصهيونية، فجن الجيش الصهيوني جنونه، وبدأو بكل هستيرية يستخدم أسلحة الدمار الشاملة، ويطلقها على الحوامل والنساء والأطفال والعجزة، محطماً المنازل، والمساجد، والمدارس، والجامعات، مستهدفاً الأنفاق ودمرها تدميراً جباناً حاقداً أبان فيه وجهه القبيح المسحن.
وأتى الجيش الصهيوني اللعين على الأراضي الزراعية وجرفها، وأهلك الحرث والنسل، كما رأينا وشاهدنا في شاشات التلفزة عبر الفضائيات وأولها قناة الجزيرة المجاهدة التي غطت الأخبار خير تغطية، وكانت حاضرة اللحظة والثانية والدقيقة والساعة، وكانت حقيقة قناة قومية إسلامية تذود عن حمى الأمة في المقابر الجماعية التي أنتجها العدو المحتل اللعين الذي اجتهد كثيراً في إحراق غزة مستخدماً كما أوضحنا أسلحة مدمرة ومحرمة دولياً في استخفاف بالقيادات والزعامات العرب الذين انقسموا إلى دول الممانعة ودول الاعتدال، ولم يجرؤ على تقديم المفيد لغزة الصمود والنصر.
انتصرت غزة الإباء والشموخ، انتصرت غزة في صمودها الطويل رغم العدد الهائل الذي قدمته من الشهداء والجرحى، انتصرت غزة أمام الترسانة العسكرية المسلحة والعتاد الصهيوني المطور، وانتصرت بصمودها على الجيش الصهيوني خامس جيش عالمياً من حيث القوة حيث ضربت غزة بمقاومتها أروع الأمثال في الصمود والصبر والتضحية والإيثار والإباء أمام الضربات المتلاحقة للأباتشي وإف "16" وللقصف المدفعي للدبابات المتوغلة في الاجتياح والاكتساح البري المخيف.
ولئن أريد في هذه الحرب تصفية القضية الفلسطينية، فإن ذلك يستدعي استنفار كامل لكافة قوى المقاومة والجهاد، ولملمة الجراحات وإشاعة أجواء التحالف السياسي، وتوفير مناخات الوفاق الوطني، والعمل الجاد والمثمر على توحيد الرؤى، ووجهات النظر، والتخلي عن لغة الأحادية السياسية، ومفردات المفارقة والقطيعة السياسية التي علت نبرتها،وتوقدت نارها ودقت أجراسها بين مجاميع المقاومة والجهاد المسلح، وهذا ما يندي الجبين، ويحقق النكسة السياسية.
ويعقد في هذه الأثناء وبعد استيعاب درس غزة خلال ثلاثة أسابيع أن تحزم القوى الفلسطينية أمتعتها نحو الحوار والوفاق الوطني السياسي الدفاق الذي يحتوي نصر غزة أمام التقتيل الواسع بالقنابل الفوسفورية وبهجمات الطائرات وقصف مدافع الدبابات هذا النصر يجب أن يحتوى، ويعزم العدو الصهيوني، وتسارع في بناء قدراتنا العسكرية، فالكيان الصهيوني فشل في تحقيق أهدافه من هذه الحرب، فلقد هزم الكيان الصهيوني وهي هزيمة بكل المقاييس ذلكم أنه لم يستهدف المقاومين المجاهدين وإنما استهدف المدنيين العزل الأبرياء، فحقاً أن غزة انتصرت بصمودها وإبائها.
ومن هذا المنطلق ينبغي أن يتعاظم النصر الغزاوي من خلال مبنى الحوار الوطني السياسي بين جميع فصائل المقاومة الوطنية، وعلى حركة فتح وباتجاه تقديم حسن النوايا عليها أن تقدم على إطلاق الأسرى من حركة حماس لديهم، وسرعة تهميش الخلافات، ورد الاعتبار للقضية الفلسطينية عن طريق إعادة اللحمة الفلسطينية من أجل الذود عن حياض الأمة، وعدم الهرولة في مباحثات السلام مع العدو الصهيوني، فالدم العربي المسلم لم يجف بعد هذا فضلاً عن ضرورة التوصل إلى استراتيجية موحدة لجميع الفصائل الفلسطينية في التعامل مع العدو.
إننا مع الحوار السياسي الوطني بكافة الفصائل الفلسطينية، وسوف ندعم هذا الحوار بما أوتينا من قوة من خلال الإشادة به في كتاباتنا الصحفية وإخراجه من أزمته بوضع مجموعة من الحلول المتواضعة لإستئناف الحوار، المهم أن غزة انتصرت بعدم تحقيق العدو لأهدافه، فسلاح المقاومة محظوظ وآلتها العسكرية محفوفة بعون الله وهي كانت هدفاً من أهداف الآلة الحربية العسكرية، فمبروك لغزة هذا الانتصار، ولا بد من توافق سياسي وطني بين جميع فصائل المقاومة الفلسطينية والله أكبر وعلى الباغي تدور الدوائر. <