;

أوراق من ذگرياتي ..الحلقة الثانية 1038

2009-01-25 23:02:30


 
 حادث في عام 1948م أثر في نفسي

"نهب وسرقة بيض!"

حينما خرجت من منزلنا شاهدت دكاكين جيراننا اليهود في سوق صنعاء قد نهبت مع جميع المحلات التجارية الأخرى، وجدت صندوق بيض في دكان أحد اليهود في سوق الملح المجاور لبيتنا، دخلت إلى هذا المحل وأخذت أربع بيضات، وكان عمري ست سنوات، فلما رجعت إلى البيت وقابلت والدتي، سألتني ما هذا ؟قلت : بيضات أخذتهن من دكان اليهودي، فضربتني وألزمتني أن أرجع البيضات إلى الدكان، قالت : هذا حرام. كانت هذه من الأشياء الصغيرة والبسيطة، والقضايا الصغيرة التي تركت في نفسي أثراً وعرفت بأن هذا حرام، قالت والدتي: "هذا نهب ومنها سمسرة محمد بن أحسن التي كانت "بمنزلة البنك يحفظ فيها التجار أموالهم"، هذه الحالة المحزنة المؤسفة وحادثة البيض من الأشياء التي جعلتني أفهم أن في الأشياء حلالاً وحراماً في وقت مبكر، وبعدها دخلت المدرسة الابتدائية لكي أتعلم وأدرس في مناسبة ما كان يسمى بعيد النصر الأول في ربيع عام1949م.

سكان صنعاء وأحياؤها

كل منطقة من مناطق صنعاء وأحيائها كانت تتميز عن الأخرى وظيفياً وحرفياً فسكان المناطق يميزون على هذا الأساس، بموجب التخطيط الحضري للمدينة، فسكان المنطقة المحيطة بمدرسة نُصير عبارة عن مجتمع بسيط سهل يدرس أبناؤهم كما ذكرت إلى الصف السادس الابتدائي، ثم ينخرط كل واحد منهم في عمله وحرفته في النجارة والتجارة وبيع الفواكه.. ونحو ذلك، قام هذا التقسيم الجغرافي على أساس مهني. وثم منطقة ثانية سكانها تجار وفقهاء وتضم حارات: الفليحي ، العلمي القُزالي طلحة الوشلي إلى السائلة، بروم ، القاسمي، الأبهر، وهؤلاء يمثلون الطبقة الثانية. المنطقة الثالثة غرباً : مركز الدولة: بيت الوزير، بيت العمري، بيت راغب، بيت عبدالقادر بيت الشامي وأمثالهم، وهم الطبقة العليا في المجتمع. هذا هو تقسيم صنعاء الجغرافي وتوزيع السكان فيها.

أما مدرسة نصير فمعظم طلابها انخرطوا في مجالات شتى من المهن والوظائف وفرقتهم الحياة وهمومها، وكانت المدرسة تقع في إطار التقسيم العام لصنعاء، وتخطيط صنعاء تخطيط حضري، والأسواق متخصصة لمهام محددة وهذا عندما كنت أميناً للعاصمة صنعاء حينما نتكلم عن صنعاء مع أمناء العواصم والمحافظين العرب، وكذلك وزراء الإسكان العرب، فكانوا يندهشون أن هذه المدينة بهذا التقسيم الحضري الموجود في الدول الراقية والمتقدمة. وكانت المدارس الابتدائية في مدينة صنعاء وقتها هي : مدرسة الزمر "ابن الأمير اليوم"، مدرسة الإصلاح وهي جزء لصيق من وزارة المعارف ، مدرسة نصير في ميدان اللقية، مدرسة الأيتام "الأمن القومي حالياً"، وفي حارة طلحة كان لسيدنا عبدالله الحيمي مدرسة صغيرة أرقى من "الكتاتيب" وكانت مشهورة، هذه هي المدارس التي أنشئت في عهد الإمام بالإضافة إلى المتوسطة والثانوية والعلمية "دار العلوم" وأخيراً التحضيرية التي أسست عام 1957م.

وهكذا وجدت الوضع مختلفاً جداً، لأننا في مدرسة نصير في تلك المرحلة كنا طلاباً صغاراً ، والمرحلة المتوسطة هي بداية الرجولة والشباب، وزملاؤنا الذي التحقوا بالمدرسة المتوسطة من المدارس الابتدائية الأكبر سناً جاؤوا من مدرسة الأيتام كانوا أكبر منا سناً ، ومنهم: علي بن علي الحيمي وأحمد زايد وحميد سوار وعلى الهيلمة ومحمد مرغم وحسين القواس وعبدالله العتمي وأخوه علي العتمي وعلي الجائفي وناجي المسيلي ومحمد حاتم الخاوي وحمود بيدر وصالح العريض وغيرهم من الطلاب الآخرين.

ومن الزملاء الذين التحقوا بالمدرسة المتوسطة في الوقت نفسه "الدكتور" حسين بن عبدالله العمري ومحمد اليازلي وإسماعيل بن أحمد الوزير ومطهر بن عبدالله الوزير وعبدالرحمن إسحاق وإخوانه من الزملاء.

وكان المنهج الدراسي في المدرسة المتوسطة هو مواصلة للدراسة الابتدائية، على مستوى أعلى، وكان أهم من المواد الدراسية الروح المعنوية الجديدة التي افتقرنا إليها في المدرسة الابتدائية، كانت المدرسة المتوسطة بحكم موقعها الجغرافي في منطقة حضارية وحي جديد استحدثه الأتراك " هو حي بئر العزب"، حيث كان سكن معظم شخصيات الدولة في هذه المنطقة، ومنها بيت الإمام يحيى وسيوف الإسلام "أبناء الإمام" الأربعة عشر" ، وكذلك منزل وزير خارجية الإمام يحيى القاضي محمد راغب بك"ت1958م"، وعامل صنعاء السيد حسين عبدالقادر الكوكباني ، ودار الضيافة المخصصة للوفود التي تزور اليمن " المتحف العسكري حالياً " وبستان الخير ، القصر الملكي المخصص للإمام أحمد، وكذلك القصر الجمهوري الذي كان يسمى بدار الوصول لكي يسكنه الإمام أحمد بعد انتقاله من تعز إلى صنعاء ولم يدخله !! وكذلك "دار البشائر" السكن الأخير لولي العهد محمد البدر.

هذا الحي الراقي الجديد، هو من المظاهر الجديدة بما فيها المدرسة التي بها حديقة ومطعم للمدرسة ، وكان الطلبة يمارسون نشاطاً دراسياً ورياضياً، هذه أشياء جديدة جداً عرفتها في المدرسة المتوسطة، بما فيها الألعاب الرياضية كألعاب القوى وكرة القدم والسلة وغيرها، وهذه الأنشطة نقلتني نقلة كبيرة في توسيع مداركي وأحلامي التي كنت أحلم بها قبل دخولي المدرسة المتوسطة.

وفي أول سنة من دخول المدرسة سنة 1955م-1956م بدأ النشاط الثقافي وبدأت أدرك وأعرف أن ثمة شباباً وطلاباً متميزين ومهتمين بالقضايا التاريخية والسياسية ، غير الدروس والمواد المقررة في المنهج المدرسي ، وكنت شاباً صغيراً أحاول أن أتطلع وأزامل هؤلاء الطلاب الأقدم مني والأكبر سناً، فهذه بداية فتحت نوافذ كبيرة متعددة حاولت اقتحامها والمشاركة فيها.

وقد كان من أبرز المدرسين والمديرين في المدرسة المتوسطة الذين كان لهم تأثيراً في الدفع بتفعيل التعليم والأنشطة الصيفية- كما نسميها الآن - الأساتذة: علي أحمد العيني وعبدالله الذماري ، ولمدة قصيرة الأستاذ الكبير المرحوم أحمد المروني بعد خروجه من سجن حجة، وكذلك الأستاذ محمد الحلبي - رحمهم الله جميعاً - كانوا نماذج للمديرين الأكفاء مع زملائهم المدرسين : أحمد الكراز وعبدالله كًُباس وعبدالله الخروش ومحمد ريحان، هؤلاء كان لهم الفضل في توسيع مداركنا وتحقيق أحلامنا في الدراسة والثقافة . فعلى سبيل المثال كان الأستاذ محمد ريحان الذي انتقل من نُصير إلى المتوسطة يدرس الكيمياء والعلوم، ولأول مرة عرفت الكيمياء، وفي دروس الصحة عرفت ما هي الملاريا، والبلهارسيا والمسميات والمصطلحات الطبية للأمراض . هذه هي البداية الأولى للمعرفة ثم جاءت الحركة المتطورة الجديدة التي تمثلت في دخول المدرس المصري والفلسطيني لليمن بعد عام 1956م.

وأتذكر من أسماء المدرسين الذين عرفتهم مع جيلي الأساتذة : محمد عباس سليمان مصري، وكذلك المدرس الفلسطيني الأستاذ محمود دجاني وزميله الأستاذ محمد ستكشه وكانا يدرسان لغة إنجليزية سنة 1956م، واللغة الإنجليزية كنا نعدها علامة لقدرة الطالب وتحسن وعيه وتطوره ومن يتكلم الإنجليزي ننظر إليه بإعجاب ، هذه نقلة نوعية ومعلومات جديدة استوعبتها، وما حدث عام 1955م في تعز ضد الإمام أحمد كان حدثاً مأساوياً، لكنه في المفهوم الوطني والقومي فتح المدارس لمعرفة قسوة النظام الأمامي وبطشه وكشف التناقض الذي كان قائماً بين الإمام وإخوته، وهي بداية النهاية لحكم أسرة بيت حميد الدين وقد تزامن ذلك مع تأثرنا بثورة تموز/ يوليو 1952م في مصر وإعلام صوت العرب وتأثيره الإعلامي علينا وعلى تطلعاتنا القومية.

لكنني لا أستطيع أن أقول إني في تموز / يوليو 1952 كنت أعي الحدث، لقد عرفت عن الاستعمار المعتدي على مصر وفي تعز قتل الأحرار في حركة 55، كنا نسمع كل هذا ولم نكن نفهم الفهم الذي يؤدي إلى موقف، ولكنها أحداث شكلت تراكمات أثمرت فيما بعد لديّ ولدى الجيل الذي تزامنت معه.

مرحلة الوعي

وهكذا تطور ونما التفكير الذي أدى إلى قيام المظاهرة التي حدثت عام1956م من قبل طلبة المدارس العلمية والتحضيرية والمتوسطة والثانوية ، وألقى القبض على عدد من زملائنا الطلبة في كانون الأول/ ديسمبر 1956م بعد العدوان الثلاثي على مصر بأسابيع، وبعدما انتصرت مصر على العدوان. قمنا بالمظاهرة من ساحات المدارس، وبدأت الفعاليات الثقافية والخطابات ،والأناشيد الوطنية عن السلام، أناشيد فايده كامل ! وعاد السلام يا نيل، شارك في هذه الفعاليات من هم أكبر منى سناً وعلماً، من الزملاء الذين جاؤوا من الثانوية والتحضيرية، منهم علي عبدالمغني وحسين خيران ومحمد السراجي ومحمد مهدي العلفي وصالح المجاهد وعلي الشيبة وأحمد الكبسي ومحمد مطهر زيد، وغيرهم من المتقدمين في الدراسة الذين كانوا يقودون المظاهرة. ومنهم الأخ زيد الشامي كان من خيرة الطلبة في الرياضة وفي الخط، كان خطاطاً قديراً وكان يدرسنا الخط. هؤلاء الطلبة الأكبر منا سناً وعلماً هم الذين سجنوا عقب مظاهرة 1956م في سجن الرادع وعددهم عشرة طلاب من المبرزين في دراستهم، وكان لهم قدراتهم في العلم وفي دخولهم السجن بفعل تفوقهم. وكانت المظاهرة تأييداً لمصر ضد العدوان الثلاثي، وأذكر حينها أنه زار اليمن وفد مصري رسمي برئاسة المرحوم السيد حسين الشافعي عضو مجلس قيادة الثورة، وذلك عقب انقلاب الثلايا، عبر السعودية، جاء برسالة في 1955م ونزل إلى تعز ثم إلى صنعاء، واحتفل به في ميدان التحرير وألقيت الخطابات الحماسية، وكان الخطباء البارزين حيث ألقى المدارس ترحيباً بالضيف الكبير الأخ علي بن علي الجائفي، مناضل شريف مثقف وقارئ ومطلع، ألقى كلمة وطنية في ميدان التحرير "ميدان شرارة سابقاً " أمام الشافعي ، هؤلاء الزملاء البارزون. وثمة أيضاً طلاب آخرون تميزوا في الخطابة من الزملاء في المدرسة وهم كثير، أذكر منهم: صالح المجاهد وعلي عبدالمغني ومحمد مهدي العلفي وغيرهم ، والمدرسون كان لهم تأثير مباشر في توجيهنا الوجهة الثقافية الوطنية من خلال النشاط الصيفي، أو في النشاط المسائي.

وقد كانت مرحلة الثانوية مرحلة جديدة ومتقدمة تعرفنا فيها على أساتذة كبار مصريين ويمنيين بصورة عامة ، وكان للمصريين بشكل خاص تأثير كبير في النشاط الثقافي والتوعية السياسية وبطرق غير مباشرة.<

 

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد