عصام المطري
الوطن اليمني خرج من عباءة الظلم والجور والاستبداد والشمولية والتفرد بالقرار عقب الإعلان عن قيام الجمهورية اليمنية في الثاني والعشرين من مايو المجيد عام 1990م حيث دخلت مع ذلك الإعلان إلى رحاب عهد جديد من الديمقراطية التي تعني التبادل السلمي للسلطة والتعدد السياسي وحرية التعبير بما يتماشى مع روح الدستور العظيم وحرية إنشاء وتشكيل الأحزاب والتنظيمات السياسية وحرية الرأي والرأي الآخر، وكفالة حق تكوين النقابات المهنية والاتحادات الطلابية والزراعية والمنظمات الشعبية والجماهيرية والجمعيات الخيرية والتعاونية.
وكان أن ما مارس الجميع مسؤولياته في بناء وأعمار الوطن الواحد وكان الشارع السياسي اليمني خصباً لزراعة العديد من الأفكار والمبادئ الديمقراطية، وكان التنظير هو المسيطر ذلك أن الائتلاف الحكومي بين المؤتمر الشعبي العام والحزب الإشتراكي اليمني كان يشهد نوعاً من الاضطرابات والخلافات السياسية الحادة، فكان كل تنظيم مهما يعد العدة، ويغلب الإنتماء للحزب السياسي على مصلحة الوطن، فنشأت الأزمة السياسية الحادة بين المؤتمر والإشتراكي عقب انتخابات أبريل عام 1993م والتي أظهرت الحجم الحقيقي للحزب الإشتراكي الذي سيطر على دوائر الجنوب وحكم الناس بالحديد والنار من أجل أن يختاروه.
ثم تطورت الأزمة إلى أن انفجر الوضع واندلعت حرب صيف 1994م والتي خرج منها المؤتمر الشعبي العام كاسباً وحدة وطن وأزاح الحزب الإشتراكي اليمن في شريكه في تحقيق الوحدة الوطنية بيد أن الإقتصاد اليمني تأثر تأثراً كبيراً من جراء تلك الحرب ومضيفاً من عام 1994م في طريق الإصلاح المالي والإداري المجحف الذي زاد عملتنا هزالة، وزاد اقتصادنا تدهوراً وانحطاطاً، وتحولت الأزمة إلى أزمة اقتصادية.
وفي الأمس القريب دخل الوطن اليمني مرحلة جديدة من المعاناة إذ تم إيقاظ الفتنة من قبل دعاة الفتنة في صعدة، ودخلنا في مواجهات عسكرية مسلحة خسرنا فيها الكثير في الاقتصاد وفي السياسة، ونحمد الله سبحانه وتعالى على أن الحرب وضعت أوزارها، وحل السلام والأخوة والعمل الوطني المشترك ربوع السعيدة نحن على أمل في التخلص من آثار حرب صعدة، فهنالك الجرحى من الجيش ويتم معاملتهم بلطف في المستشفيات داخل أمانة العاصمة وهم قدموا أرواحهم رخيصة في سبيل الوطن، وكأن هنالك لوبي فساد سياسي يريد "تطفيش" أبناء القوات المسلحة والأمن بهذه المعاملة القاسية الشديدة عليهم.
واليوم ظهرت أزمة تطل بقرونها المزعجة على بلدنا اليمني الحبيب. . إنها أزمة الانتخابات وأزمة اللقاء المشترك الذي له تحفظات على الإجراءات الانتخابية لم يأبه لها، وهنالك لوبي في المؤتمر الشعبي العام يحاول أن يضع الأزمات تلو الأزمات، ولا يستجيب للقوى الفاعلة في الساحة الوطنية، ويريدون تعطيل الرئيس عن تنفيذ برنامجه الانتخابي، فلك الله يا وطن كم تتحمل من المتاعب والمشاق، ولك الله يا وطن كيف يصنعون في طريق تقدمك الأزمات تلو الأزمات، فأنت أيها الوطن المعطاء لا تتحمل المزيد من الأزمات، وعلى العقلاء في المؤتمر والشعبي العام، وعلى العقلاء في اللقاء المشترك أن يمهدوا للحوار والتوافق السياسي قبيل خوض الانتخابات ولنعمل على تجسيد الانتماء الوطني على غيره من الانتماءات الضيقة ولا تعمل لمصلحة الأحزاب فقط، ولرفع شعار "بكل حزبه والوطن للجميع".
والمهم اليوم أن نقول بدور الوسيط لإصلاح الأوضاع السياسية بين السلطة والمعارضة ممثلة باللقاء المشترك، وندفع إلى الحوار البناء السياسي الوطني المسؤول، وحصول التوافق السياسي بين السلطة والمعارضة، فالوطن وكما أشرنا لا يقوى على تحمل المزيد من الإحباطات والانتكاسات فعلينا أن ندعم الحوار الهادئ الدفاق ولنؤمن بأن الوطن أمانة في أعناقنا جميعاً وسيوقفنا الله وسائلاً وهو أعلم بما قدمنا وفعلنا لهذا الوطن المعطاء الحر الشامخ، فنتمنى أن تكون الأجواء والمناخات مهيأة أمام استئناف الحوار والتوصل إلى توافق سياسي وطني بين جميع المجاميع والتنظيمات والأحزاب والقوى السياسية والاجتماعية إحقاقاً للحق وإبطالاً للباطل، وتحقيق عافيةا لوطن الواحد والوقوف أمام كل القضايا بمسؤولية مقدسة وبحزم وحسم على أن هنالك بعض الغوغاء من المستفيدين الحقيقيين من الأزمة بين المشترك والحاكم فعلينا أن نفوت عليهم الفرصة ونضمن لبلدنا التقدم والانطلاق وتحقيق مزيد من الرفاهية والسؤدد والمجد.