محمد أحمد عبدالله الزهيري
لم يعد خافياً على أحد أن أزمة الهوية هي سبب كل المشكلات التي يعيشها المسلمون في العصر الحديث منذ سقوط الخلافة العثمانية الإسلامية وسيطرة العدو الاستعماري الصليبي الغربي علىتركة الرجل المريض وغيرها من البلاد الإسلامية، وقد كان هذا التحول بتعاون عربي من قبل الشريف حسين وأولاده فيما يعرف بالثورة العربية الكبرى في العام 1916م وإن صحت التسمية "الخدعة الكبرى" وقد كانت هذه من أبرز مظاهر أزمة الهوية التي جعلت العربي المسلم الذي يدعى الانتساب إلى النبي صلى الله علهي وآله وسلم وآل بيته الأطهار يوالي أعداء الإسلام من اليهود والنصارى الذين قال الله تعالى فيهم: "ومن يتولهم منكم فإنه منهم. . . "ضد إخوانه المسلمين الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم : المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره. . وهذه الأزمة في الهوية التي تلاشت فيها عقيدة الولاء والبراء وتساوي الكفر بالإيمان والحق بالباطل هي التي تسببت في عقيدة الولاء والبراء وتساوي الكفر بالإيمان والحق بالباطل هي التي تسببت في استعمار بلاد المسلمين وسقوط فلسطين في أيدي اليهود وهذا ما عناه مالك بن نبي حينما قال: "لم نستعمر لأسباب سياسية واقتصادية وإنما استعمرنا لأن فينا قابلية للاستعمار"، فالأمة الإسلامية لا تعاني من قلة العدد أو العدة إنما تعاني من أزمة اليهوية التي هي قوام اجتماعنا ووحدتنا وعزنا وسبب انتصارنا فضلاً عن ذلك سبب وجودنا وبقاءنا واستمرارنا فنحن لم نكن بغير الإسلام شيئاً ولن نكون بغيره شيئاً.
قضية فلسطين منذ سقوطها على يد العصابات اليهودية في العام 1948م التي هزمت ثمانية جيوش عربية مرور بهزيمة حزيران 1967م الذي دمرت فيه القوات العربية في ثكناتها خلال ستة أيام وانتهاء بالحرب الأخيرة على غزة وضحت أن المشكلة هي أزمة هوية، وقد ذكر المحللون والمختصون أن سبب هزيمة الجيوش العربية في فلسطين عام 1948م أنها دخلت بلا هدف وقد كان المذيع في صوت العرب يردد مخاطباً الجيش المصري "سيروا وأم كلثوم معكم"، فأي تيهان وغفلة وبعد عن الهوية أكثر من هذا، والكلام عن العقيدة والإيمان والقضية والهدف وأهميتها لا يحتاج إلى توضيح أو بيان وليس من اقتراع المسلمين أو الجماعات الإسلامية إنما هو من المسلمات البديهية عند الجميع والحرب النفسية والعقيدة القتالية والروح المعنوية من المقررات الأساسية في الحروب القديمة والحديثة، وقد سئل ضابط مصري أسير في العام 1948م الضابط الصهيوني الذي تولى التحقيق لماذا لم تدخلوا القدس الشرقية؟ فأجاب لأن فيها أناساً يحاربون عن عقيدة مثلنا ونحتاج للتغلب عليهم تضحيات كبيرة، وهذا الجواب يكشف سر الهزائم المتلاحقة التي نزلت بالجيوش العربية لأنها تفتقد إلى هوية وتعاني من أزمة هوية وأنها تحارب صاحب عقيدة بدون عقيدة، أو بهوية وهمية "وطنية أو قومية"، فاليهود اختاروا فلسطين وطناً قومياً لهم على أساس ديني عقدي لأنها في توراتهم "أرض الميعاد"، وسموا كيانهم باسم ديني عقدي، فإسرائيل هو اسم نبي الله يعقوب عليه السلام وهو من أنبياء التورات وهو جد اليهود ويسمون المناطق بأسماء توراته وحتى برلمانهم لم يسموه برلماناً ولا مجلس نواب ولا مجلس شعب ولا مجلس أمة إنما سموه باسم معابدهم "الكنيست" بينما العرب يرفضون ويأنفون الأتكاء على هوية الأمة الصحيح الذي لا هوية لها غيرها ولا نعد بسواها لأننا قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله وقد دلل نجاح مجاهدي حماس بأسلحة خفيفة ومتفرجات وصواريخ بدائية في قهر الجيش الذي زعموا أنه "الجيش الذي لا يقره" والذي استعمل أقوى الأسلحة البرية والبحرية والجوية المشروعة والمحرمة بينما حوصرت حماس ليس من السلاح فحسب إنما من أبسط ضروريات الحياة كالغذاء والشراب والدواء والمحروقات، ومع ذلك انتصرت حماس وهزم الجيش الصهيوني في معجزة من المعجرات وآية من الآيات وصدق الله: "كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين"، وحق للمسلمين المؤمنين بنصر الله والموقنين بوعده أن يقولوا: "الحمد لله وحده صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده، وأن يشبهوا مع حصل في غزة بغزوة الأحزاب التي وصفها الله تعالى بقوله: "إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذا زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً"، وهذا ما حصل في غزة بل أشد حالاً من السماء ومن الأرض من البر ومن البحر وقد تشابه موقف المجاهدين في غزة ورضاهم وتعينهم وثباتهم بموقف المؤمنين لما رأوا الأحزاب كما قص الله تعالى ذلك فقال: "ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيماناً وتسليما"، وأبشر مجاهدي غزة اليوم بما بشر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه بعد موقعة الأحزاب وفرار المشركين أنهم لن يغزوكم بعد ولكن ستغزوهم، وأنهم انهزموا وأنكم انتصرتم، انهزموا لأنهم استعملوا كل إمكانياتهم ووسائلهم والعالم يدعمهم فلم ينالوا ما أرادوا وردهم الله بغيظهم يجرون أذيال العار والهزيمة، وقد تخلى عنكم القريب والبعيد وحوصرتم وقصفتم فلم تتزحزوا عن الأرض ولم تتخلوا عن المبادئ ولم تتنازلوا عن الحق "فما وهنوا لما أصابهم. . "لأن النصر والهزيمة ليس بتكافؤ القوى أو بعدد الضحايا: "إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب ويتخذ منكم شهداء"، إنما النصر هو انتصار المبادئ والقيم والثبات على الحق وعدم التزحزح على أرض المعركة وتحيق العدو أهدافه وهذا الذي حصل.
معركة غزة بينت حقيقة المعركة وهويتها، وأنها معركة هوية ووجود وليست معركة أرض وحدود، معركة بين من يمثلون عقيدة الأمة وهويتها وشخصيتها وبين المعادين للأمة وهويتها وعقيدتها وشخصيتها، بين من نذروا أنفسهم لله: "فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا"، وبين حزب الشيطان الذي جمع جنده وحشد قواه وخطط ومكر للقضاء على هذه العصابة المؤمنة المستضعفة وأرادوا استئصال شأفتهم وظنوا أنها ساعة من نهار وصدق الله القائل: "ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين. . ".
أزمة الهوية التي تعاني منها الأمة أمة المليارين التي صدقت خداع العدو بإن الإسلام لا علاقة له بالقضية والحياة وأنه قناعة وسلوك شخصي لأنهم يدركون أن الأمة لا تستفز بشيء مثل أن تستفز بدينها وعقيدتها خدعونا فقالوا: القضية عربية ولا علاقة للمسلمين بها لأنهم يدركون أن المسلمين لو تفل كل واحد منهم تفلة على اليهود في فلسطين لأغرقوهم، ولأنهم يدركون بأن لا هوية للأمة غير الإسلام، وأن الهوية العربية هوية وهمية وأنهم خدعونا فقالوا: أمة عربية واحدة من المحيط إلى الخليج فإذا بهم اثنان وعشرون دولة يكيد بعضها بعضاً ويتحالف بعضهم مع الصهيونية والأميركان ضد أخوانهم العرب وجيرانهم في الأرض وأقربائهم في النسب حتى بلغ الأمر في حرب الخليج الثانية في العام 1990م ضد العراق أن تحالف البعثي السوري مع الأمبريالي الأميركي لقتال البعثي العراقي وبلغ الأمر في معركة غزة الأخيرة تأمر الأخ العربي مع العدو اليهودي فعمل على أحكام طوق الحصار على غزة ومنع تسلل الحاجات الضرورية فضلاً عن تسلل السلاح والرجال؛ لأننا لن نسمح بقيام إمارة إسلامية في غزة لأن هذا النموذج المستمد من هوية الأمة سيسحب الشرعية من الأنظمة العربية، فهو خطر على الأنظمة العربية كما صرح بذلك قادة الكيان الصهيوني، وأزمة الهوية هي التي جعلت الرئيس المصري يقول للرئيس الفرنسي لا نريد أن تنتصر حماس، وقد ذكرت صحيفة "يديغوت احرونوت" أن الحرب ضد غزة تمت بالاتفاق مع زعماء عرب ثلاثة يرفضون أن تسيطر أفكار حماس الإرهابية لتحكم المنطقة، وما ضرهم لو قالوا مثلما قال المعتمد بن عباد حينما استعان بالمرابطين فحذر منه فقال: لئن أرعى أبل ابن تاشفين خير لي من أن أرعى خنازير الأذفوش.
أزمة الهوية التي يعاني منها النظام العربي الرسمي ظهرت في فشله أيام الرخاء في بناء دولة أو دول قوية وفي وقت الشدة في الدفاع عن الأرض والحمى لأنها لا أساس لها، فما هو تراث العربية غير عشر قصائد في الخمر والمرأة، وماذا قدمت الجامعة العربية "السقط الميت" ذلك الهجين الاستعماري العربي فالأب بريطاني والأم عربية وهل يصح التلاقح بين الخنزير والبعير وصدق من قال:
أيها المنكح الثرا سهيلاً
عمرك الله كيف يلتقيان
هي شامية إذا ما استقلت
وسهيل إذا استقل يماني
ومنه قول الآخر يهجو معاوية رضي الله عنه وقد ألحقت زياد به فقال:
ألا أبلغ معاوية بن حرب
مغلغلة من الرجل اليماني
اتغضب أن يقال أبوك عف
وترضى أن يقال أبوك زان
وأشهد أن قربك من زياد
كقرب الفيل من ولد الإتان
التوجه الإيراني الأثنى عشري الجعفري سببه أزمة الهوية؛ لأن حكام المسلمين المحسوبين على السنة تخلو عن هويتهم التي سادوا بها عبر القرون وكان الشيعة يتزلفون للحكام والسلاطين ويتخفون وراء عقيدة التقية قال فيهم شيخ الإسلام ابن تيمية: لا منصورون في الدنيا ولا في الآخرة، ولكن لما تخلى حكام المسلمين عن هويتهم التي سادوا بها قروناً طويلة، وأقاموا أعظم الأمبراطوريات وأروع الإنجازات وأكبر الانتصارات أصبحوا شوكة في مهب الريح لا قيمة لهم ولا وزن، وصاروا شرطة لليهود والنصارى يحاربون الدين والعقيدة ويقصون الشريعة وينشرون الانحلال والرذيلة ويطاردون الدعاة والعلماء ويغيرون المناهج ويقلقون المؤسسات الدعوية والخيرية فقطعوا أيديهم وأرجلهم وقضوا على عناصر قوتهم، فحق للشيعة أن يظهروا وينشروا دينهم، ويلتفوا حول هويتهم كما وصف ذلك الرئيس المصري فقال: إن ولاء الشيعة العرب لإيران أكثر من ولائهم لبلدانهم لأنهم وجدوا دولة تمثل هويتهم وتنفق ربع عائدات نفطها لدعم الدين الشيعي الأثنى عشري وتدعم كل شيعي وترفض وصف أي شيعي بالإرهاب.
وإذا غاب الهر ألعب يا فار.
أزمة الهوية حلتها حماس فانتصرت وحق للرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون أن يقول: "إن حماس أصبحت خطراً على العالم، ومعلوم أن حماس لم تقم بأي عملية خارج فلسطين ولكن خطورتها تكمن في النموذج الإسلامي الذي قدمته ويمثل مناراً يهتدي به المسلمون ويستلهمون منه أسباب عزهم ونصرهم وقوتهم وهدايتهم، وهذا ما سيظهر جلياً بعد النصر الذي أحرزته حماس في حرب الهوية والعقيدة والوجود وحققت ما عجزت عنه الأنظمة والجيوش العربية التي ليس لها هوية وصدق الله تعالى في قوله: "يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون"، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : "سيقتل المسلمون واليهود فيقتل المسلمون اليهود حتى ينادي الشجر والحجر يا عبد الله يا مسلم! إن ورائي يهودي تعال فاقتله إلا شجرة الغرقد فإنها من شجر اليهود"، وما تجمع اليهود في فلسطين إلا علامة من علامات النبوة وذلك لليوم الموعود الذي قال الله تعالى: "فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤا وجوههم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علو تتبيرا"، ولو لم يجتمع اليهود فلن يحصل اليوم الموعود، وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : "يا مسلم يا عبد الله" يبين أن المعركة دينية وليست وطنية أو قومية، وأن السلام وهم، وأن النصر قريب وقد أجمعت على ذلك الأديان الثلاثة: اليهودية والنصرانية والإسلام وإن غداً لناظره قريب.