عصام المطري
قليل من الناس يجعلون من معرفة ذواتهم الهم الأولي والواجب المقدس ذلك أنهم ومن خلال معرفتهم لذاتهم يستطيعون أن يتعاطوا ويتعاملوا مع تلك الذات، فالذكي الأريب هو من يخسر جميع الناس، ويكسب نفسه، وهذه ليست دعوة إلى الفردية والأنانية وتقديس الذات، بل إنها حكمة صريحة لفن التعامل مع الذات، والتي تكون مقدمة صائبة لإقامة العديد من العلاقات الإنسانية، فالذي يهمل ذاته ولا يتعهدها بالرعاية والاهتمام، ويمضي لإقامة علاقات عديدة مع أبناء جنسه لا نستطيع أن نقول عنه بأنه رجل ناضج لأنه في نهاية المطاف سوف يكون له موطأ قدم في حياة الفشل، وسيخسر نفسه خسارة فادحة.
وعلاقتك بذاتك هي عنوان لفن التعاطي والتعامل مع الذات، والقول عنها إنها التهيئة النفسية أو عملية البرمجة الذاتية، فحاول أن تقنع ذاتك بأنك إنسان مهم وقيادي في ظل هذا الركام، واقنع نفسك بأنك القادر دوماً على تشخيص ذاتك ومعرفة مواطن القوة فيك، ومعرفة أيضاً مستطيلات الضعف في شخصيتك، فأنت إنسان مؤثر قادر على العطاء وتهتم بذاتك وتبدأ أولاً من الجوهر، فأنت تعتني بنفسك وبذاتك من الجوهر وتترك المظهر لتشكيل الأيام، ولا يمنع أن تهتم بذاتك من خلال المظهر لكن بعدما تكون قد بذلت جهداً في تنميق ذاتك جوهرياً.
وعلاقتك بذاتك تفرض عليك أن تكون علاقة مع ذاتك تبثها أحزانك، وتحدثها عن أمجادك، وتشرح لها همومك وتطلعاتك الحياتية في مهبط حياتك، فاجعل من ذلك مستودع أسرارك، ولا تأمن أحداً من الناس على أسرارك حتى وإن كان من أقرب الناس إليك.
وكن الصديق الحميم لذاتك، وافتخر في ذلك، ولا تكترث من مواطن الفشل، واحرص على الوقت الثمين، ولا تبدده إلا بفائدة، وتنازل عن حقوقك أو بعض حقوقك ليعيش الآخرون، وقدم واجبك ولا تنتظر الأجر من المخلوق وإنما انتظر الأجر من الله الواحد الرزاق، ولا تصنع أعداءك بنفسك، فإن الذي يصنع أعداءه لا شك أنه إمرء ابله يستبدل الحسن بالقبيح.
وإذا لم تستطع أن تجعل كل ما في الوجود وفق هواك فاجعل هواك وفق ما في الوجود تعش أبد الدهر في يسر وعافية، كما قال الأديب والشيخ/ علي الطنطاوي في كتابه الجميل، فأنت قد تسمع الحداد يحد الحديد وتسمع النجار يشكل الخشب، وأنت تريد أن تنام لكن لا تستطيع من الإزعاج فدورك يتوقف على "التطنيش" وعدم إلقاء بال للنجار وللحداد مثل الأديب الفرنسي الذي كان يتوجه للكتابة ويسمع حدوث ديك جيرانه فيشتت أفكاره ولا يستطيع الكتابة فأخبر خادمه بأن يذهب لشراء الديك من الجيران ويعده سفرة طعام لذيذة، فكان من الأديب الفرنسي أن دعا صاحبه، وأخبره بأن الديك الذي أزعج باله قد ذبح اليوم وسوف نتناوله وجبة هنية إلا أن الخادم قال: يا سيدي إن بيت الجيران لم يوافقوا على بيع الديك، فذهبت إلى السوق واشتريت غيره، فهنالك سمع صوت الديك المزعج، فعلق الشيخ الطنطاوي على هذه الواقعة وخط حكمة من حكم العيش السعيدة، "إذا لم تستطع أن تجعل الوجود وفق هواك فاجعل هواك وفق ما في الوجود".
وعلاقتك بذاتك معناها أن تقيم علاقة ود حميمة مع الذات، فلا تأنب الذات وتعنفها في حالات الفشل وكن رحيماً بذاتك ولا تفسد هذه العلاقة الحميمة أيضاً يدخل في إطار العلاقة الذاتية حنوك على الذات، وتقبل قدراتك ومواهبك وإمكاناتك، فلا تكترث من ندرة قدراتك وإمكاناتك، وكن عاقلاً نزيهاً أوقف مع الحق وأعمل على تطوير الذات من خلال القراءة والمطالعة في الصحف والمجلات والكتب والمراجع الهامة وانشغل بذاتك فقط ولا تنشغل بذوات الآخرين من أجل السعادة الفردية والجماعية، وحذاري أن ترتبط بالجماعات المشبوهة المتنطعة الإرهابية المغالية المتشددة، فالتنطع ليس أساس الدين إنما أساس الدين هو الوسطية والاعتدال والابتعاد عن الجماعات المغضوب عليها كي تحل النعمة وتتلاشى النقمة في العديد من مجالات الحياة المتعددة والمتنوعة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية والأمنية والعسكرية والتربوية وغيرها الكثير من مجالات الحياة المتعددة والمنقوعة، فاصنع أحبابك ومحبيك ومريديك ولا تعنف مخلوقاً واحداً ولا تضر بمصالحك الهامة.