د. محمد أحمد عبدالله الزهيري
الفرح والتفاؤل بفوز أوباما المرتد الأسود الأفريقي المعارض للحرب على العراق والمصر على نقل المعركة أو الحرب ضد الإرهاب إلى أفغانستان وباكستان والداعي إلى فتح حوار مع إيران عم العالم كله ومن ذلك العالم الغرب، مستبشرين بالإنفراج وتغيير السياسة الأميركية إلى الحوار والدبلوماسية بدل القوة والحرب متناسين أن السياسة الأميركية تصنعها مؤسسات ومخططة لعشرات السنين ولا صنعها فرد ولو كان الرئيس لكن قرح المتفائلين قام على مقارنة وقياس على بلداننا وسياستنا الإرتجالية التي يتحكم فيها الزعيم الأوحد والقائد الفذ. جاءت الخطبة التي ألقاها في حفل التنصيب يوم الأربعاء الماضي 23 من محرم 1430 الموافق 2/1/2009م مخيبة لآمال المتفائلين فقد خرج بحديثه عن القضية الفلسطينية بتأكيده على الدولتين وهذا التوجه إن كان فيه جانب إيجابي فالفضل يرجع إلى الرئيس السابق جورج بوش "الابن" الذي رحل اليوم من البيت الأبيض وأن الإيجابية في تثبيت الوجود الصهيوني الغاصب في فلسطين برضى وتواطئ أصحاب الحق، وهو في الوقت يؤكد دعمه اللامحدود للعدو الصهيوني الذي من حقه الدفاع عن النفس وفي كلامه على غزة الذي نستطيع القول إنه سكت دهراً ونطق هجراً حتى قلنا ليته سكت، مع أن تعليله بأن لأميركا رئيس واحد يتناقض مع إدانته لعمليات بومباي ثم هو يؤكد على حق الكيان الصهيوني في الدفاع عن وجود ويأسف لقتل المدنيين فقط، وكأن دماء الرجال والعسكريين المسلمين صار مباحاً، أما دم العسكريين اليهود المغتصبين فهي مصانة محفوظة ويظهر ذلك في إدانة العالم لاختطاف الجندي اليهودي "شلعاط" وتصريح الرئيس الأميركي الأسبق "بيل كلينتون" إنه لن يسمح بقتل الجنود اليهود "الإسرائيليين" مهما بلغت معاناة الشعب الفلسطيني، فخاخ الرئيس الأميركي الجديد تظهر رسالة التفكير العربي المأزوم الذي يعيش حالة تيهان وجعل العقل العربي يعيش حالة من فقدان الذاكرة جعلته لا يفرق بين العدو والصديق فيتعاون ويتآمر مع اليهود والنصارى لضرب الخلافة العثمانية الإسلامية واحتلال البلاد العربية فيما يعرف بالثورة العربية الكبرى في العام 1916م ويصدق "إيران" الإنجليزي في إنشاء "الجامعة العربية" السقط الميت لأنه هجين بريطاني عربي غريب ويجعل القيادة العليا للقوات العربية في فلسطين في العام 1948م بيد ضابط إنجليزي "لورنس" وينتظر من المنظمات الصليبية "الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي" والقوى العظمى "أميركا روسيا فرنسا" يحلمون مع تغيير رئيس أميركا أو الكيان الصهيوني، وقد حذر الرئيس الفرنسي "تشافيز" من الإغترار بالرئيس الأميركي الجديد "أوباما"، وأهم الفخاخ التي بدأ ينخذع بها العرب والمسلمون الآتي:
1- أصله المسلم متى ذهب البعض يبحث عن اسم أبيه "حسين" ونسوا أن المرتد أخطر من الكافر الأصلي، وأن حكم المرتد "من بدل دينه فاقتلوه" لم يكن إلا نتيجة خطره؛ لأنه بارتداده قد فضل دينه الجديد.
2- أصله الإفريقي الأسود وأغفلوا أن الأفارقة السود أخبث من الأوربيين البيض وذلك واضح في صراعات روندا ويورندي وأوغندا وسيرليون والصومال وما يقومون به من مذابح عرقية بشعة لملايين البشر وما تظهره القنوات في قيامهم بتكسير الأيدي والأرجل لخصومهم الأحياء وما يبدوا على تشنجاتهم.
3- تصريحاته بسحب الجيش الأميركي من العراق خلال ستة عشر شهراً لا يختلف عن الاتفاقية الأمنية التي تحدد 2011م كحد أقصى للإنسحاب الأميركي من العراق؛ لأن الأميركان حققوا أهدافهم في القضاء على قوى كبرى وجيش قوي كان يشكل تهديداً لإسرائيل ولمصالحهم النفطية، فحلوا الجيش العراقي وقضوا على النظام العراقي الغير مرغوب به ووضعوا أيديهم على النفط العراقي وصمتوا قيام دولة صفوية من خلال تسليم الحكم إلى الميليشيات الصفوية التي يعرفون مواقفها التأريخية الخيانية، وأنهم يتحالفون مع كل عدو غازٍ وليس لهم عدو إلا أهل السنة والجماعة وقد أظهروا حقدهم من خلال التصفيات لمئات الآلاف ومثلهم على الهوية تحت حراسة الغائب "بوش" الذي عجل الله فرجه، كما تمكنوا من تقسيم العراق جغرافياً وسياسياً واجتماعياً على أساس طائفي "سني شيعي" وطائفي عرقي "عربي كردي" مما يجعل الحرب الأهلية الطائفية أمراً محتماً بعد رحيل القوات الأميركية حينما تجد الطوائف نفسها وجهاً لوجه وقد خططت أميركا لها تخطيطاً دقيقاً، وهذه الحرب ستحقق المخطط "الصهيو أميركي" في تقسيم العراق إلى ثلاث "كوثنات" طائفية ضعيفة وحكومة مركزية ضعيفة مما يضعف خطر العراق على الكيان الصهيوني ومنابع النفط ذي القسيمة الإستراتيجية الكبرى لأميركا والغرب، وتشعل حرباً "سنية شيعية" تدمر كل شيء وتمنع أي نهوض إسلامي وتقوية الشيعة من خلال تسليم العراق لهم وكذلك الرئاسة الباكستانية والسماح بتقوية حزب الله وتلميح سوريا وإيران يصب في هذا الاتجاه، كما أنهم يعملون على ضرب أي صوت سني أكان فرداً أو جماعة أو دولة والمؤامرة على باكستان والسودان ليست خافية على أحد.
4- تصريحه على جعل حربه المركزية على أفغانستان وباكستان وما جاورهما يؤكد ما سبق من أنه حقق أهدافه في العراق والمتمثلة بضرب نظامه السياسي المشاغب وجيشه القوي ووضع اليد على نفطه وتمزيق نسيجه الاجتماعي الذي جعل الفرز الطائفي المذهبي والعرقي حقيقة واقعة مرشحة لاندلاع حرب طائفية كفيلة بإضعاف العراق وتدميره بينما في أفغانستان يختلف الأمر على الرغم من دعم تحالف الشمال الذي يغلب عليه العرقية الطاجيكية إلا أنهم يلتقون مع الباشتون التي تؤلف معظم قوة طالبان بأنهم سنة وهذه هي الهوية الأولى للمجتمع الأفغاني المعروف بقوة تدينه ولا يقدم على هويته الإسلامية أي رابطة أخرى على الرغم من المخططات والمؤامرة لإيجاد صراع عرقي "كاجيكي باشتوني"، إلا إنه لم يفلح وعلى الرغم من تشجيعهم للأقليات "الشيعية الأثنى عشرية والإسماعيلية" إلا أن قلة هذه الطوائف لم يؤهلهم للقيام بالدور الذي قاموا به في العراق، كما أن الحساسية الإسلامية عند الأفغان من القوى الكفرية جعل من الصعب وربما من المستحيل إيجاد قوى مضادة للمقاومة تقوم بدور مجالس "الصحوات" في العراق فضلاً عن ذلك فإن ضعف الدولة الباكستانية على منطقة الحدود مع افغانستان جعل هذه المناطق عمقاً إستراتيجياً ومنطقة دعم لوجستي للمقاومة. . كل هذا جعل هذه المنطقة بحق هي منطقة الخطر الحقيقي على المشروع الاستعماري الصهيو صليبي بما تملكه من عقيدة صلبة وتدين عميق وبعد تاريخ وظروف جغرافية وكتلة سكانية كبيرة كما جعلها مؤهلة لظهور قوة إسلامية كبيرة تشكل خطراً على المشاريع المعادية لا سيما وهي تملك السلاح الذري النووي، هذا الذي جعل أوباما يصرح أن محور الحرب على الإرهاب سينتقل إلى أفغانستان وباكستان وما جاورهما وهو امتداد للمخطط الصهيو صليبي بتفتيت أي دولة أو جيش يمكن أن يؤسس لقيام دولة قوية وما تشجيع الطوائف الدينية أو العرقية في السودان والطائفة الشيعية في السعودية واليمن إلا جزء من هذا المخطط.
5- تصريحه بشأن فلسطين وأنه سيعمل على إحلال السلام وقيام دولتين دولة لليهود تعهد بحمايتها ودولة فلسطينية قابلة للحياة وتأكيده على محاربته الإرهاب والتطرف الفلسطيني لا يختلف عن تصريحات الرئيس الأميركي السابق بوش وهي تصريحات تصب في صالح الكيان الصهيوني الذي صار في خطر حقيقي مع تنامي المقاومة الجهادية الإسلامية والتي استطاعت توجيه ضربات موجعة للجيش الصهيوني واستطاعت في معركة غزة قهر الجيش الذي لا يقهر، وصارت حماس تمثل خطراً على العالم كما صرح الرئيس السابق جورج بوش فصار لزاماً على أميركا بذل ما بوسعها بذله لحماية الكيان الصهيوني والحفاظ على وجوده، وقد تنجح الدبلوماسية من خلال عقد اتفاق سلام مع فريق اسلو في انتزاع شرعية لهذا الكيان الغاصب ويجعل المقاومة في صراع مع المجتمع الدولي ويبرر لفريق أسلو ويدعم الكيان الصهيوني والأنظمة العربية المطبعة مع الكيان الصهيوني التي بدأت بعض قيادته ترحب بالمبادرة العربية للسلام ويدعم من العالم أجمع لشن حرب على الجماعات الجهادية المقاومة فتحقق الدبلوماسية ما عجزت عنه القوة العسكرية.
فالسياسة الأميركية لا يصنعها فرد ولو كان الرئيس نفسه، ومن ينظر لفريق أوباما لا سيما فريق السياسة الخارجية "هيلاري كلينتون" وزيرة الخارجية و"دنسي روس" المبعوث السابق للشرق الأوسط في عهد بيل كلينتون و"مارتن إنديك" السفير السابق لدى الكيان الصهيوني و"دانيل كيرتز" السفير السابق لدى الكيان الصهيوني أيضاً.
و"جيم سينبيرغ" نائب وزير الخارجية و"دان شتابيرو" مساعد أوباما منذ فترة طويلة و"رتيشارد هاس" الخبير الإستراتيجي في الخارجية بإدارة بوش ورئيس المجلس الفاعل للشؤون الخارجية وهو فريق يميني مؤيد للكيان الصهيوني ومدافع عنه، وأخيراً "جورج ميتشل" المبعوث الخاص للسلام في الشرق الأوسط، فهل يفهم أبناء جلدتنا أننا قد خدعنا كثيراً باعتمادنا على تغيير رئيس أميركي أو صهيوني وأننا أضعنا أنفسنا وقضايانا وصرنا شوكة في مهب الريح لا قيمة أو تأثير لها؟ وأننا سلمنا رقابنا إلى أعداء لا يرقبون فينا إلاً ولا ذمة "قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أعظم"، ونعي قول الله تعالى: "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم"، ونعرف صدق قول الشاعر الجاهلي:
ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه يهدم
ومن لا يظلم الناس يظلم؟