محسن الصفار
يحكى أنه في قديم الأيام وفي إحدى البلاد كان هناك رجل محتال يطوف بين التجار في الأسواق ويشجعهم على أن يتبرعوا مما جاد به الله عليهم للفقراء والمساكين ويستولي على كل تلك العطايا دون أن يصل منها شيء إلى مستحقيها من المحتاجين والفقراء وكان التجار يعطونه ولا يسألون عن مصير الأموال حتى ذهب ذات يوم إلى أحد التجار الذي حل بالبلد قريباً وكالعادة روى له القصص والاخبار وطلب منه المال قائلاً:
أيها التاجر الشريف الكريم
تبرع مما جاد الله عليك ليتيم
أو أرملة تكفيها شر كل لئيم
فإن لك عند الله أجر عظيم
ردّ عليه التاجر مرحباً:
أهلاً بك أيها الأخ الحبيب
أنت تطلب الخير ونحن نجيب
فليس الخير في أمة محمد بأمر عجيب
ومن لايتصدق فان البركة عن ماله تغيب
فرح الرجل وقال:
هكذا تكون خيرة التجار والرجال
يعطون كل سائل ما طلب من مال
فعسى الله أن يزيد في رزقك الحلال
شكر التاجر الرجل على دعوته الطيبة وإستدرك قائلاً:
ولكنك تعلم يا أخي أني مسئول
ولست بخيلاً ولا جيبي مغلول
ولا أنا في سبيل الدينار مقتول
ولكني أريد أن يكون لي مدلول
وليس هناك من علة بلا معلول
فأريد أن تحلف أن هذا المنقول
إلى مستحقيه سيذهب و يؤول
ردّ الرجل على التاجر:
أبشر أيها الكريم العزيز المعطاء
فلست من أهل السرقة والبلاء
والليلة أوزع عطاياك على الأيتام والنساء
وغداً أقسم لك على كتاب ربّ السماء
إنه للفقراء والأيتام ذهب كل هذا العطاء
سلّم التاجر صرة من الدنانير إلى الرجل الذي أخذها فرحاً بنجاح خطته وفكر في طريقه إلى البيت بطريقة يتمكن فيها حسب فكره المريض أن يحلف على كتاب الله دون أن يصيبه مكروه من القسم الكذب وجائته فكرة خبيثة وذهب إلى بيته فوراً ودخل إلى الدار ونادى على زوجته وطفليه وقال:
اتبعيني دون بحث أو كلام أو جدال
إلى صحراء حيث لا صخر ولا جبال
وعندما وصل الجميع إلى الصحراء القافرة حيث لا أحد يراهم قال لزوجته:
إخلعي يا إمرأة ثيابك في الحال
وإخلعي كذلك كل ثياب العيال
خلعت الزوجة ثيابها وثياب أطفالها وعندها سلّم الرجل صرة النقود لها ولأطفالها وطلب منهم إرتداء ثيابهم. في اليوم التالي ذهب الرجل إلى التاجر الذي أعطاه المال وسلّم عليه ووضع يده على كتاب الله المجيد وقال:
السلام عليكم يا سيد الشرفاء
يا من جادت يده ونفسه بالعطاء
ولم يقصر بجوده عن الضعفاء
ها أنا أقسم وأحلف برب السماء
قد ذهب مالك إلى عائلة في العراء
ليس لديهم بيت أو طعام أو كساء
ولا للأكل صحن أو قدر أو وعاء
وتكاد ترى جلودهم دون عناء
وبفضل ما جادت به يدك المعطاء
إرتاحوا ولبسوا وتنفسوا الصعداء
وأصبحت الثياب لأجسادهم غشاء
فرح التاجر ان معونته لم تذهب سدى لمن لا يستحقها بل ذهبت إلى عائلة ليس لديها حتى ثياب تستر أجسامها!!! وإستمر الرجل يطوف على التجار ويأخذ منهم المال ويضعه في جيبه وهو يقسم لهم في كل مرة أن المال ذهب إلى إمرأة وأطفال ليس لديهم حتى ثياب.