د. محمد أحمد عبدالله الزهيري
معركة غزة تتشابه كثيراً مع غزوة الأحزاب من حيث الحصار المحكم ومرحلة الدعوة وتفوق العدو وشدة البلاء مع فوارق اقتضاها تبدل الزمان والمكان وأدوار الأعداء، وهذا لم يغير من النتيجة المباشرة التي هي الهزيمة المنكرة للتحالف المعادي، كما وصف الله ذلك فقال: "ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خير"، والنتيجة غير المباشرة وهي تحول موازين القوى واتجاهات الحرب، فقد صرح النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد غزوة الأحزاب فقال: "إنهم لن يغزوكم بعدها إلا أن تغزوهم"، وكان ذلك كما أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم و؟؟؟ شدة الصراع بين الحق والباطل وشبه الابتلاء للمؤمنين كما قال الله تعالى في سورة البقرة: "أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلهم مستهم الباساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين معه متى نصر الله إلا إن نصر الله قريب".
وهذه هي المرحلة التي تكشفت من أحداث الصراع الأخير في فلسطين، وبالتحديد في غزة، فقد بدأ الصراع قبل ستين سنة تقريباً عانى فيها المسلمون لا سيما أصحاب الهوية الإسلامية كل الابتلاءات المذكورة في الآية فالقتل والتشريد والخوف والحصار وأخيراً الزلزلة، التي استعمل فيها العدو كل قوته في القضاء وهزيمة العصابة المجاهدة ولكنه فشل في تحقيق أهدافه في احتياج غزة والقضاء على المجاهدين، وبالأقل قادتهم، وصمد المجاهدون بأسلحة بدائية أمام أحداث الآت الدمار والقتل ونجحوا فيما أخفقت فيه الجيوش العربية وبالتالي فليس بعد هذا النصر المبين إلا تواصل الانتصارات حتى يتحقق وعد الله في اليهود الذين لم يتجمعوا إلا استدراجاً من الله حتى يأتي اليوم الموعود الذي يقتل فيه اليهود على أيدي المسلمين في فلسطين، وهذا الجزم ليس ناتجاً من فراغ، إنما هو قراءة واقعية لسنة الله في التغيير والنصر
وأهم المبشرات التي توحي بهذا التطور المستقبلي هي:
1- تاريخ الصراع بين الحق والباطل الذي ينتهي بانتصار أهل الحق إذا نجحوا في الابتلاء والتمحيص وأن حصلت تضحيات وابتلاءات كما قال تعالى: "إن تمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب ويتخذ منكم شهداء".
2- شبه الابتلاء والتمحيص بلغت منتهاها وظهر لكل ذي بصيرة أهل الحق والثبات والصبر الذين يستحقون النصر، كما هو واضح من آية البقرة وليس بعد الزلزلة إلا النصر القريب وإن استبعدته العقول البشرية، ومحال أن يتخلى الله عن المؤمنين الصابرين في هذه المرحلة إلا أن يؤتوا من قبل أنفسهم وهذا مستبعد لأن الأمر لا يقوم على فرد يتعرض للفتنة والانحراف والاشتباه، إنما صار بيد جماعة متماسكة متناغمة قرارها واحد والرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "لن تجتمع أمتي على ضلالة".
3- إنهم الجيش الذي لا يقهر واستعمل العدو كل وسائل الحرب العسكرية والسياسية الاقتصادية والعلمية ولكنه وصل إلى طريق مسدود، وصار محتاراً مضطرباً مرعوباً لا يدري ماذا يفعل وهذه قمة الهزيمة حينما يصل الفرد وتصل القوة والدول إلى مرحلة العجز الذي ليس بعدها إلا الإحباط واليأس ويظهر ذلك في حالة الهلع والفزع الذي يظهر في وجوه اليهود حتى يقتل يهودي وفي المئات الذين اسعفوا إلى المستشفى لأنهم أصيبوا بحالات نفسية لمجرد أنهم سمعوا انفجاراً بينما في المقابل لم نرى فلسطينياً وقد دمر بيته وقتلت أسرته إلا وهو يحمد الله ويتمنى لو كان معهم ورأينا النساء الأمهات حينما يبلغهن استشهاد أولادهن يزغردن ولا يقبلن العزاء إنما يتقبلن التهاني وهذه مسألة مهمة في إدراك مصير الصراع، كما يظهر الهلع واليأس والجزع من خلال الهجرة اليهودية العكسية ومن خلال هاجس
الأمن لدى الصهاينة وتصريحات اليهود وحلفائهم في التحذير من حماس والجماعات الجهادية ومن شدة الهجمة واستعمال كل الوسائل والأسلحة المشروعة وغيرها، فضلاً عن ذلك التبرير لاستعمال القوة المفرطة، إن من حق إسرائيل الدفاع عن وجودها ولا يخفى ما في كلمة "وجودها" من دلالات وإيحاءات حول حقيقة هذا الوجود المهدد بالخطر، ولا يقال هذا في حق المسلمين الفلسطينيين الذين يقتلون بالآلاف وقد صرح أول وزير يهودي ابن غوريون إن فلسطين لا تتسع لشعبين، وهذا حق واليهود هم الدخلاء الذين لن يبقوا إلا بالقوة والدعم اللامحدود من العالم الكافر.
4- تراجع سقف المخططات اليهودية من شعار "أرضك يا إسرائيل من النيل إلى الفرات إلا الاكتفاء بفلسطين وأجزاء من مصر ولبنان وسوريا والأردن إلى فلسطين فقط إلى فلسطين "48" الذين يريدون إقامة جدار عازل يحميهم من الخطر الذي يدركونه ويحقق لهم الأمن الذي يحلمون به ولكن هيهات فقد أجمعت كل الديانات اليهودية والصليبية والإسلام على قرب نهاية اليهود وأن تجمعهم من جميع أنحاء العالم وتمكين الله لهم كما قال تعالى: "ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا"، إنما هو علامة على وقوع هذا اليوم الموعود لأنهم لو ظلو مشتتين في العالم فلن يحصل هذا الوعد وخاصة وقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه بين المسلمين واليهود، وأن المسلمين على شرق نهر الأردن واليهود على غربه وهي الحدود الفاصلة الآن بين الضفة الغربية المحتلة والضفة الشرقية "الأردن"، وكل الدلائل التي تشير إليها تطورات الأحداث تتجه إلى تأكيد هذه الحقائق ولا تملك إلا أن نقول للمرجفين والمخدوعين بوهم السلام والمتشككين في وعد الله راجعوا إيمانكم واحجزوا مقاعدكم وانضموا إلى دينكم وأمتكم فهذا وعد الله ولن يخلف الله وعده: "فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا".