ممدوح طه
لولا العدوان الصهيوني الإجرامي، ولولا الصمود الشعبي الفلسطيني في غزة ومقاومته البطولية لهذا العدوان وإفشال أهدافه، ما امتد طوفان الإدانة الشعبية العالمية والغضب العربي والإسلامي بامتداد قارات العالم، من فنزويلا إلى جنوب افريقيا، ومن تركيا إلى اندونيسيا ومن أميركا إلى أوروبا، ومن صنعاء إلى الرباط، ضد الاحتلال الإسرائيلي والعدوان الصهيوني والشراكة الرسمية الأميركية والتواطؤ الأوروبي وللتخاذل العربي.
وما دخلت تركيا أردوجان إلى جانب الشعب الفلسطيني بهذه الشجاعة، ولا قطعت فنزويلا شافيز ولا بوليفيا موراليس علاقاتهما الدبلوماسية، ولا جمدت موريتانيا علاقاتها السياسية، ولا قطر علاقاتها التجارية مع الكيان الصهيوني.
ولولا جنون القوة الصهيونية وحماقة القوة الأميركية البوشية، وبسالة مقاومة الشعب الفلسطيني، ما تعرت إسرائيل أمام شعوب العالم بحقيقتها الإجرامية والإرهابية، وما أضحى قادتها مطلوبون وملاحقون كمجرمي حرب أمام المحاكم الدولية.
وما عادت القضية الفلسطينية العادلة بوجهها التحرري الوطني ضد الاحتلال إلى مكانتها الصحيحة في قلب الضمير الإنساني العالمي، وليس بالصورة الدعائية الصهيو أميركية الزائفة التي حاولت وفشلت في وصم المقاومة بالإرهاب ووصف الاحتلال الإرهابي بالمحارب ضد الإرهاب.
ولولا انخراط الأنظمة الأميركية والأوروبية وتوابعهما مع الاحتلال الإسرائيلي في المؤامرة الإجرامية الموزعة الأدوار في محاولة للقضاء على المقاومة أو وصفها بالإرهاب أو محاصرتها بهدف تصفية القضية الفلسطينية، بأغطية سياسية وعسكرية، ما انكشفت هذه الأنظمة أمام شعوبها .
وما اتسعت الجبهة العالمية الشعبية والحقوقية المناهضة للحروب العدوانية وللاحتلالات غير الشرعية ولجرائم الحرب اللا إنسانية في ملاحقة المجرمين، بما سوف يفرض على المعتدين المجرمين الإرهابيين والمشاركين والمتواطئين يوما ما دفع ثمن عدوانهم وجرائمهم ضد الإنسانية وتحدي غضب الشعوب.
إن الاحتلال الصهيوني لفلسطين والأراضي العربية المدعوم بالحماية الأميركية والأوروبية وطرد المواطنين العرب من ديارهم نازحين ولاجئين خارج بلادهم هو أصل الصراع وليست المقاومة العربية ضد الاحتلال والعدوان والحصار، التي هي واجب مفروض قبل أن تكون حقا مشروعاً.
من هنا فإن الصفحة الأولى التي ينبغي على الإدارة الأميركية الجديدة في عهد أوباما القائل «إن القوة لا ترتب حقاً ولا تحل مشكلة«، إعادة قراءتها لملف هذا الصراع، وإن الدرس الأول الذي على العالم الغربي أن يفهمه ويعيه هو، أن إسرائيل قامت على الإرهاب والإجرام واغتصاب الأرض بالقوة لا بالحق ولا تزال كياناً إرهابياً إجرامياً عدوانياً.
وأن اغتصاب الصهاينة لأكثر من أربعة أخماس فلسطين، ورفض التسليم حتى بإقامة الدولة الفلسطينية على الخمس الباقي وفقاً لآخر درجة من درجات التنازلات الفلسطينية في « أوسلو» والمبادرات العربية في «بيروت» هو المشكلة وليس الكفاح الشعبي الفلسطيني السلمي أو المسلح أو «صواريخ المقاومة» أو «تهريب السلاح» !.
المشكلة إذاً هي في الاحتلال الإسرائيلي العدواني، وليس في مقاومة «حماس والجهاد والجبهة الشعبية وسرايا القدس وشهداء الأقصى» بالسلاح، أوفي نضال «فتح» السياسي بالكفاح، بل هي في السماح باستمرار العدوان الاحتلال، والذي لا نتيجة له إلا استمرار المقاومة والنضال، لأن النتيجة الحتمية والمنطقية لأي احتلال هي في تفجر المقاومة الوطنية بكل وسائلها المتاحة وبكل توجهاتها المباحة، بالسياسة أو بالسلاح.
وهو ما كفله القانون الدولي للمناضلين من أجل التحرر من الاحتلال والدفاع ضد العدوان، مما يتطلب من أميركا وأوروبا إعادة قراءة ملف الصراع بموضوعية بمقدماته ومساره ونتائجه، وتحمل مسؤولية الظلم والجرم الذي ساهموا في صنعه. إن أرادوا حلولاً حقيقية موضوعية عادلة أو ممكنة للمشكلة الأصلية لا الفرعية. <