د. محمد أحمد الزهيري
القرصنة الصومالية ظاهرة تحتاج إلى توافق لا سيما وقد ظهرت إلى العلن وصار لها ناطقون رسميون بينما القواعد والأساطيل في كل مكان وتقصف شباب المجاهدين إلى الكهوف والصحارى بينما يمرح القراصنة ويمرحون في المحيط الهادي وخليج عدن وليس لهذا تفسير غير واحد هو رضى القوى العظمى عن هذه القرصنة ولكن هذا الاستنتاج يحتاج إلى البحث عن مبررات وأسباب ودوافع هذا الموقف السلبي المتخاذل من قبل القوة العظمى وحلفائها سادة البحار، وهذه المبررات والدوافع والأسباب لا تختلف عن الحرب الشاملة التي يشنها التحالف البروستانتي الصهيوني ضد الإسلام والمسلمين والتي تهدف إلى ضرب المسلمين سياسياً ودينياً واجتماعياً واقتصادياً بحيث تقضي على أي مشروع نهضوي عربي إسلامي مما يسمح بالهيمنة الصهيونية الدائمة، فضرب ومنع ظهور حكومة مستقرة وقوية لا سيما إذا كانت تنطلق من منطلق إسلامي كما حصل لحكومة طالبان والعراق واتحاد المحاكم الإسلامية التي سيطرت فانتشر الأمن والاستقرار، فحركة طالبان سيطرت فقضت على زراعة الأفيون وقطاع الطرق الذي انتشر الآن بصورة كبيرة ليقوم الإعلام بلصقة بطالبان وأنه يمول حربها من أجل تشويهها والعراق كان يتهم بالأمن والأمان والوئام على الرغم من الحصار الجائر فحوله الغزو التحالفي الدنس "البروستانتي الصهيوني الصفوي" إلى بؤرة للحرب الطائفية القذرة تقتل وتشرد الملايين وتدمر المدن وتنتهك الأعراض وتنهب الثروات تحت شعار من أجل عراق جديد خال من الديكتاتورية، واتحاد المحاكم الإسلامية سيطرت على أغلب الصومال ستة أشهر فلم تحدث جريمة واحدة، فأفزع وجود نموذج إسلامي يحقق الأمن والاستقرار في القرن الأفريقي فدفعت بحليفتها أثيوبيا العدو اللدود للصومال على الإرهاب ودعم الحكومة الشرعية لتعود الفوضى من جديد ومن ذلك انتشار القرصنة التي سيلصقها الإعلام الغربي بالإسلاميين المجاهدين الذين يقاومون الاحتلال الأثيوبي ليكون ذلك مبرراً للحرب عليها بعد أن تنتصر على القوات الأثيوبية باسم محاربة الإرهاب الذي يشجع القرصنة التي تمول حربه وبالوقت نفسه يستقلون أعمال القرصنة للرأي العام الغربي لتأييد الحرب على الإرهاب ونقل صورة مشوهة عن المسلمين، أما المبرر الثاني فهو ضرب الملاحة العربية الإسلامي لا سيما في باب المندب وقناة السويس التي هي أزحم منطقة ملاحية للعالم ويمر بها "30%" من نفط الخليج من خلال جعلها منطقة خطرة والابحار من خلالها مغامرة ومن يغامر فسيكون التأمين فيها مرتفع جداً يجعل الابحار الدائري عبر رأس الرجاء الصالح أقل كلفة وأكثر أماناً، وقد يخفى هدف اقتصادي صهيوني وراء فوضى القرصنة في البحر العربي الذي يجعل الإبحار في هذه المنطقة الغربية من مضيق باب المندب محفوفة بالمخاطر مما يضطر الدول الخليجية النفطية إلى مد أنابيب نفطها إلى البحر المتوسط عبر الأراضي والموانئ الفلسطينية المحتلة والذي يتردد اليوم عن خط كركوك حيفاً تهيئة ومقدمة لما بعده مما يزيد من هيمنة الكيان الصهيوني ويرفد خزينته بملايين الدولارات، ولا تكتفي الدولة العظمى بالموقف السلبي تجاه القرصنة والقراصنة إنما هناك ضوء أخضر يظهر من خلال تصريحات الإدارة الأميركية بأنه ليس من مهامها وصلاحياتها عقاب القراصنة الجياع وربما هناك دعم لهم وبدل على ذلك امتلاك القراصنة الزوارق سريعة وحديثة لا تمتلكها القوات اليمنية التي ابتاعت زوارق أوروبية بعشرات الملايين من الدولارات وقد ظهر تفوق زوارق القراصنة على زوارق البحرية اليمنية في عجز الزوارق الحربية اليمنية من إنقاذ السفينة الأسبانية، وتظهر كل الدلائل على تواطؤ القوى الكبرى مع القراصنة فالسفينة السعودية العملاقة المحملة بالنفط تختطف من عمق المحيط وعلى بعد آلاف الكيلو مترات وأمام أنظار القوات البحرية السوفيتية، وقادها القراصنة أمام كل الأساطيل والسفن الفرقاطات التي وصلتها ولم يحدث أن أنقذت القوات العظمى سفينة واحدة وهي غير محتاجة لنداءات الاستغاثة، فهل يفهم العرب والمسلمون أن المخطط الغربي الصهيوني مخطط شامل سياسي وثقافي واقتصادي وعسكري واجتماعي، وأن للقرصنة أهداف سبق ذكر بعضها وبقيت بعضها يمكن إجمالها في الآتي:
1 إيجاد مبرر للتواجد العسكري في المياه والأراضي العربية الإسلامية من أجل زيادة الهيمنة والضغط ومعرفة كل ما يمر واعتراض السفينة المحملة بالصواريخ الكورية خير مثال.
2- تهيئة الأجواء للتدخل الأممي في الصومال وبقرار من مجلس الأمن الدولي ومباركة دولية تحت مبرر القضاء على القرصنة ومواجهة الإرهاب لا سيما بعد انتصار المقاومة الإسلامية في الصومال وسيطرتها على أغلب الصومال وفشل الاحتلال الأثيوبي والحكومة العميلة له في المواجهة وقد صدر القرار الأممي الذي يخول التدخل العسكري في الصومال لمدة عام.
3- محاصرة ممرات النفط الخليجي وزيادة التحكم فيه وتحميله فواتير إضافية بدعوى حماية خطوط الملاحية وارتفاع مبالغ التأمين أو اضطراره إلى استعمال الخط الدائري "رأس الرجاء الصالح" ويعد انخفاض سعر النفط مؤشراً قوياً في هذا الاتجاه.
4- ضرب خطوط الملاحة البحرية ذات المردود الاقتصادي المهم لا سيما قناة السويس ومضيق باب المندب بجعل الإبحار فيهما عالي التكلفة بحماية القوى العظمى التي ستدفع فاتورة حمايتها مع ارتفاع حجم المخاطر، وقد تضطر الدول الخليجية عن النقل البحري إلى مد أنابيب إلى شواطئ البحر المتوسط التي هي دول حليفة للغرب كتركيا والأردن ولبنان والكيان الصهيوني وقد يكون مشروع الشروق الأوسط الجديد وشق القناة البديلة لقناة السويس والدعوة إلى إحياء مشروع أنبوب "كركوك حيفا" الذي يطالب به الأكراد وجزء من إنجاح هذا المخطط وبالتالي ضد ممر استراتيجي ثالث هو "مضيق هرمز".
5- استنزاف عائدات النفط العربي التي ارتفعت بسبب ارتفاع سعر النفط في السنة السابقة عن طريق دفع فاتورة وتكاليف هذه القوة التي تحمي خطوط النفط ودفع أسعار التأمين المرتفعة بسبب المخاطر الأمنية أو ارتفاع أو ارتفاع أسعار النقل بسبب الخط البعيد، ودفع فاتورة الإرهاب في القرن الأفريقي الذي يشكل خطراً على المنطقة وأنظمتها، فما سيزيد ارتفاع تكاليف الإنتاج والنقل وانخفض سعره إلى زيادة كميتة حتى تستطيع دفع تكاليف الفواتير الجديدة والحفاظ على الوضع الاقتصادي الداخلي من الانهيار والتراجع، وهذا يصب في المخطط الأميركي الذي كان أحد الأسباب الغزو الأميركي للعراق والسيطرة على الخليج وهذا الهدف هو السيطرة على النفط حتى تضمن التحكم بأسعاره فتجعله بعشرة دولار للبرميل الواحد وهي بهذا تضرب عدة عصافير حجر واحد، فهي تضرب الاقتصاديات للبلدان العربية النفطية وتحصل على النفط بأسعار رخيصة وربما مجانية وتضرب الاقتصاد الروسي الذي انتعش بسبب ارتفاع سعر النفط.
فهل يعي العرب والمسلمون حجم هذه المخططات الذي تستهدف دينهم وإنسانيتهم ووحدتهم وأراضيهم وثرواتهم ودمائهم وأعراضهم، وأن هذه المخططات قد بدأت "بسان ريمو" و"سيكس بيكو" التي قضت على وحدتهم وخلافكم وجعلت من الدولة والأمة الواحدة ستين دولة وحاربت ثقافتهم وقيمهم وأخلاقهم واستبدلتها بثقافته ثقافة السطح والقرى وتحت شريعتهم من دساتيرهم وقوانينهم واستبدلتها بقوانينها الوضعية البشرية.
واحتلت بلادهم فدمرت بنيانهم وقتلت رجالاتهم وانتهكت أعراضهم ونهبت ثرواتهم ودمرت اقتصادهم عن طريق الربا والتأميم ثم الخصصة والجرع وأخيراً فتح المعابر وحرية انتقال السلع وسيطرة راس المال وإثارة النعرات والحروب الداخلية والحدودية في أكثر البلدان، ولم تكتف بتقسيم الأمة الواحدة إلى أكثر من ستين دولة، وألحقت شعوباً كاملة كأقليات في دول غير إسلامية، بل هي الآن تثير النعرات والدعوات العنصرية العرقية والطائفية المقيتة حتى توجد حروباً لا تبقي ولا تذر، ودعمها للشيعة الأثنى عشرية الجعفرية الأمامية فقضت على أكبر عدوين لها وهما نظام طالبان في أفغانستان وصدام حسين في العراق وسلمت لها العراق وباكستان ولمعت سوريا وحزب الله وشجعت الأقليات في الخليج العربي واليمن.
إن هذه المخططات الجهنمية لم تسثنى شيئاً ولم تدخر سلاحاً حتى مصنع الأدوية السوداني قصفته بدعوى أنه لأسامة ابن لادن وقد ثبت أنه ليس لأسامة إنما لأنه يغطي نصف احتياجات السودان من الأدوية البشرية والبيطرية وحتى المحاصيل الزراعية كالقمح والبطاطس وأشجار الحمضيات والحيوانات والنحل وانتشرت فيها الآفات والأمراض المختلفة وحاصرت أسواقها وهي مستمرة في تنفيذ مخططاتها الجهنمية في تدمير هذه الأمة دينياً وثقافياً وسياسياً وعسكرياً واقتصادياً وصدق الله القائل: "قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أعظم" والله الموفق. <