لقد كان لي الشرف أنني كنت مرتبطاً بخلية في هذا التنظيم وبالقائد المسؤول الشهيد " محمد مطهر"، كنت أعد نفسي للموت كغيري من ضباط الثورة الذين عملوا وفجروا ثورة 26 أيلول/ سبتمبر، وكنت ضمن المستوى القاعدي، ومن يقل : إن الكل قادة؟ فهذا ما لا أقوله ولا يجوز لأحد أن يدعي ذلك. والادعاء الكاذب يفقد الثورة معناها ، ويفقد التنظيم أهميته ويسيء إلى قيادته، نحن كنا الضباط الجنود للتنظيم وللثورة ، كان الملازم هو قائد الطقم وهو المعمر وقائد الجماعة، وقد أردت أن أتحدث عن تاريخ تسجيل الأحداث والمشاركة في الحدث من دون مبالغة أو ادعاء
وتسجيل الأحداث التاريخية أمانة ولا أدعي أني كنت على علاقة مع فلان أو اجتمعنا في بيت فلان، لكني أقول كنت ضمن حلقة صغيرة داخل التنظيم، جندياً وضابطاً ومشاركا ً في عمل تنظيمي كبير ، وأنا جزء منه مستعد لتنفيذ الأوامر التي تصدر من قيادة التنظيم للقيام بالثورة، ومن كانت له أدوار خارقة فهذا من حقه أن يذكر ويدون أحداثها، لكني تحدثت فيما كنت مشاركاً به، في مجتمع يسوده الخوف والجهل، وكنت ضمن المجموعة المؤمنة بربها ووطنها ومع الذين قدموا أرواحهم قرباناً لوطنهم لغاية نبيلة هي إخراج اليمن من العزلة والجهل، وإنها حكم الإمامة المتخلف.
وقد ظلت علاقة التنظيم مع الشخصيات السياسية في الاتجاه الوطني ولو توسعت علاقتنا الفردية والجماعية مع جهات متعددة لما قامت الثورة ولأخفق التنظيم، لكن القيادة حسمت أمرها وأعدت قوتها خلال تسعة أشهر من البداية، في هذه الأشهر التسعة كانت الدراسة والتحصيل المعرفي والإعداد لمهمة وطنية كبيرة تنهي العهد الإمامي المتخلف.
بلغنا بالمهمة من القائد محمد مطهر زيد قائد مجموعة المدفعية الساعة الثامنة تقريباً 26أيلول/ سبتمبر، وتوزعت المهام بحسب التخصصات، والذي قام بقراءة التوزيع الأخ الملازم صالح الأشول من دفتر صغير وكنت أتمنى أن يحفظ ذلك الدفتر أو الكتاب الذي ما زال أمام عيني، وفيه سجّل كل التوزيعات بموجب خلايا التنظيم وتخصصاتها، وبعد عدة سنوات التقيت به وهو سفير في باريس في بداية الثمانينيات، فقلت له : أين دفتر توزيع مهام الضباط ليلة الثورة؟ قال لي: دفتر أبو بقشة ونصف؟ قلت نعم . الذي وزعت فيه مهام الضباط ليلة الثورة، وقرأته علينا، وكلفتنا بالمهمة وأخرجتنا لنموت . أين هذا الدفتر؟ يجب أن تحتفظ به فهو الوثيقة التاريخية في توزيع المهام ليلة الثورة، لأن فيه خلايا التنظيم وتوزيعاتهم بحسب تخصصاتهم "فين وديته؟" تكلمت معه بهذه البساطة وبروح الزمالة.
قال: والله لا أعرف من أخذه وأنت " فين السيكل حقك" وشنطة الملابس التي كانت معك في الكلية"" لأن أغراضنا الشخصية لم نعرف عنها شيئاً بعد قيام الثورة، ومنها الشهادات التي هي جديرة بالحفظ، لكننا تركناها وتحركنا إلى الجبهات لمطاردة البدر المخلوع، وأصبحت المدرسة مقراً لقيادة مجلس قيادة الثورة.
وبعد أن بلغنا بأوامر التحرك والتوزيع تحركت مع مجموعة المدفعية لإعداد المدافع، وحمل الذخيرة على السيارات وكنا ننتظر أمر التحرك من القائد محمد مطهر الذي سُمي بدينمو الثورة، كما سماه الضباط والمشير عبدالله السلال ، لقد ذكرت القياديين وسوف أذكر السائق ناصر سنهوب من بني الحارث، الذي كان دوره كبيراً لأنه يتمتع بالولاء والإخلاص والانتماء للثورة، وأدى واجبه كان سائقاً في كلية الطيران وانتقل إلى مدرسة الأسلحة، هذا الرجل من الجنود المجهولين والذي أدى دوره كاملاً وكان يتحرك وينقل المدافع والذخيرة من مدرسة الأسلحة ومن سلاح المدفعية.
وكان القائد التنظيمي المسؤول عن سلاح المدفعية الأخ حمود بيدر الذي كان له الدور المميز في الإعداد للثورة، واستطاع بحنكة أن يكون للتنظيم وجود من الصف والضباط في المدفعية ، وتمكن من إعداد الذخيرة لدعم قوة المدفعية المرابطة خارج صنعاء التي تولت ضرب القصور الملكية، وتمكن بحكمته وحنكته من إقناع القوة الموجودة في سلاح المدفعية بالمشاركة مع وجود بعض العراقيل التي حدثت في ليلة الثورة، وتمكن من فتح باب المدفعية، وحملنا الذخيرة على ظهورنا.
واليوم نتساءل من أين جاءت تلك القوة التي مكنتنا من نقل الذخيرة على ظهورنا؟ إنها الإرادة والإيمان بالقضية. كنا نحمل الصناديق على ظهورنا إلى السيارة الفورجو من سلاح المدفعية. إضافة إلى الكمية المخصصة للتدريب في مدرسة الأسلحة، وكنا حريصين على الطلقات التي استخدمناها بجدارة على الأهداف المحددة.
وقد تم فتح الثغرة في السور على يد الإخوة من مجموعة الدبابات، ويمكن أن يفتحها سائق جندي والثغرة لا تستحق الخلاف حولها، وأحياناً كان الحماس من الدبابات يؤدي إلى عدم التصويب الدقيق إلى الأهداف ، ومجموعة المدفعية لم تخطئ في التصويب ونفذت الخطة، حينما تنتهي ذخيرة الدبابات تبدأ مجموعة المدفعية بالضرب بعد الفجر على القصور الملكية.
كنا حريصين على الذخيرة ولدينا الخوف من نفادها، وعدم فتح قصر السلاح كان مقلقاً لنا جميعاً لأننا نعرف ما لدينا من ذخائر ، وما ستكون عليه المقاومة،وما سيكون حالنا لو انتهت الذخيرة، وربما يتغير الموقف إلى عكسه.
لهذا كانت مجموعة المدفعية أكثر حرصاً على ضرب المواقع المحددة على دار البشائر ودار الشكر وأي موقع يطلق منه النار، لقد وفرنا كل الطلقات للوقت المناسب لكي نتمكن من الضرب على الأهداف المحددة واطمأن الجميع بأن الذخيرة متوفرة بكميات كبيرة واطمأن الثوار إلى نجاح خطتهم.
قبل شروق شمس يوم 26 سبتمبر شارفت الذخيرة الموجودة معنا على النفاد وما كانت تكفي لاستمرار المقاومة ، وقد انتهت ذخيرة الدبابات، وكانت المدفعية هي التي تواصل الضرب من الفجر إلى قبل طلوع الشمس ، أمرني الشهيد محمد مطهر رحمه الله، عليك أن تطلع مع ناصر سنهوب إلى القيادة ومقابلة الزعيم عبدالله السلال لتبلغه أن الذخيرة ستنفد والمقاومة في دار البشائر ما زالت مستمرة.
واتجهت إلى قيادة مدرسة الأسحلة أو مجلس قيادة الثورة فيما بعد، ووجدت أن الزعيم عبدالله السلال يقود الثورة داخل مدرسة الأسلحة وعند مقابلته بلغته بالرسالة من الأخ محمد مطهر قائد مجموعة المدفعية أركان حرب المدرسة ،بأن الذخيرة على وشك النفاذ، لقد كان جوابه ستنقل إليكم وقد أمرنا بفتح قصر السلاح ، وبعد ساعة أصبحت الذخيرة موجوة لدينا في المواقع وأعطونا مسدسات لمجموعة المدفعية، وارتفعت معنوياتنا حينما تمكنا من الحصول على سلاح شخصي مسدس مع ذخيرته .وفي اليوم الثاني عدنا إلى مدرسة الأسلحة وأعدنا المدافع إلى مكانها المحدد، وشاهدت في مرآب المدفعية منظراً لن أنساه حينما وجدت جثث أشخاص تم إعدامهم.
تأثرت جداً لطريقة الإعدام التي لم نعرف عنها شيئاً ، ولا من الآمر بذلك لأن أولئك الأشخاص لم يحاكموا، ولم يصدر قرار بإعدامهم، وبعضهم لا يستحقون الإعدام ، وتركت أثراً سلبياً على الثورة، لقد شاهدت خمسة أشخاص تم إعدامهم ولا أدري كيف أعدموا؟ ولا كيف تمت محاكمتهم؟ ومن أمر بإعدامهم ؟ ولكني شاهدت أمامي جثثاً مضرجة بالدماء في مرآب المدفعية وتألمت لتلك الطريقة المؤسفة والمحزنة التي تركت أثراً سلبياً على سمعة الثورة وعدالتها وعلى الأهداف النبيلة التي نسعى لتحقيقها حيث قدمنا أرواحنا قرباناً من أجل العدالة والحرية، وبعد أن أنهيت واجبي بالمشاركة في تفجير الثورة مع زملائي مجموعة المدفعية البطلة التي قامت بواجبها تجاه الوطن بنجاح، وبهروب الإمام البدر المخلوع انتهت الإمامة في اليمن وانتقلت السلطة وقيادتها إلى أبناء الشعب اليمني، وبدأت مرحلة جديدة ، شاركت في أحداثها . سوف أتحدث عنها في الفصل الثاني من المذكرات .
كلمة أخيرة
إن العمل العظيم له رجاله وقادته ومفكروه عبر التاريخ، ومن هؤلاء الرجال الذين صنعوا مع زملائهم تغيير النظام الإمامي المتخلف إلى النظام الجمهوري الحر العادل . الشهيد محمد مطهر زيد الذي كان دينمو الثورة،وله موقع خاص عند ضباط الثورة، والضباط الكبار أمثال الزعيم حمود الجائفي والزعيم عبدالله السلال وغيرهما، وقد كان مع رفيقه الشهيد علي عبدالمغني توأمان، كأنهما من رحم واحد، في عقلهما وفي تفكيرهما وأخلاقهما واحترامهما للآخر، هذا ما شاهدته وعرفته وعايشته. والمؤكد أن محمد مطهر زيد يحترم علي عبدالمغني لأقدميته ، لأن الذي يصنع الحد لا يمكن أن يصنعه وحدة، بل تشاركه مجموعة الرجال الذين أمضوا الليالي والأيام لإعداد الثورة. وكذلك أشيد بأحد مؤسسي التنظيم الأخ الملازم حمود بيدر المسؤول عن سلاح المدفعية "الطبشية" الذي تمكن من السيطرة الكاملة على هو مسؤول عنه، وهو الزميل الثالث للأخوين على عبدالمغني ومحمد مطهر.
في كتاب"أسرار ووثائق الثورة اليمنية" معظم الحقائق، ولكنه تجاهل دور المقدم عبدالله جزيلان، وهذا لا يجوز في توثيق الأحداث التاريخية، بل إنه خطأ يضعف من سجل الثورة وأخلاقها . وكذلك أهمل بعض الخلايا.
إن اللواء عبدالله جزيلان كان عضواً أساسياً في تنظيم الضباط الأحرار،فكيف يمكن أن يقوم تنظيم وتجهز أسلحته وذخائره لعدة شهور داخل مدرسة الأسلحة وفوج البدر ومدرسة الإشارة دون أن يكون هذا الضابط، المتهم بالقرب من البدر، مطلعاً على كل ما يتم إعداده في مدرسة الأسلحة وهو المسؤول الأول في قيادتها ودارتها؟ إن دوره الوطني مضاعف لأنه حافظ على هذه الأسرار وشارك في الثورة وهو الذي سمعت صوته كما سمعه غيري من الضباط ليلة الثورة وهو يقول:"تحرك!".
وكان الأخ البطل اللواء عبدالله جزيلان هو الذي أعطى أمر التحرك فيكف يصدق القارئ والباحث أن هذا الضابط المميز في عمله لم يكن مطلعاً ومشاركاً في الإعداد للثورة؟ هل كان قيام الثورة بهذه البساطة؟ لقد كنا لمدة أسبوع بعد وفاة الإمام أحمد في مدرسة الأسلحة نجهز الأسلحة للقيام بثورة وهو قائدها، ونجهز الأسلحة بوجودهوبأوامره وهو قريب من البدر، وهو لم يكن كل الثورة كما قال في كتابه متجاهلاً أدوار الآخرين، ومع ذلك لا بد من إنصاف دور الرجل العظيم دون رد فعل لما قاله، فالتاريخ يجب أن يسجل الحقائق منصفاً وعادلاً لكل المشاركين، ولا يجوز أن يكون الهوى الشخصي أو الخلاف الشخصي هو الذي يقودنا إلى تجاهل القادة الذين صنعوا التاريخ، يجب أن نتكلم عنلتاريخ ونتوقف عند نقطة الخلاف والاختلافات التي حدثت فيما بعد، ولها حساباتها ولها تاريخها، أما عن العمل التنظيمي والعمل الوطني الذي قاد إلى ثورة 26أيلول /سبتمبر فاللواء عبدالله جزيلان من أعمدة تنظيم الضباط الأحرار وأركانه، ويستحق التقدير من كل اليمنيين ، لأنه صاحب أمر التحرك