حسن بن حسينون
عمرو موسى وزير خارجية مصر الأسبق الأمين العام للجامعة العربية حالياً كان مثالاً للسياسي المثقف والدبلوماسي المتمكن، وهو القومي العروبي والذي سارت في عروقه مبادئ الثورة الناصرية في التحرر والتنمية والوحدة، وكان مثالاً للسياسي والقائد الذي كسب احترام وتقدير العديد من السياسيين والنخب المثقفة في الوطن العربي، وأصبح مثالاً لهؤلاء وعلى وجه الخصوص طيلة سنوات خدمته وزيراً لخارجية جمهورية مصر العربية من خلال أدائه السياسي والدبلوماسي داخل مصر وخارجها، وقد توقع له الكثيرون أن يكون الرجل الأول في مصر وخليفة للرئيس حسني مبارك في المستقبل ويكون لذلك تأثيرات إيجابية كبيرة ليس على مستوى مصر فحسب بل على الوطن والشعوب العربية ككل وعلى كافة المستويات، وعلى هذا الأساس كان أمل ومستقبل هذه الأمة العظيمة بتاريخها وتراثها وأمجادها والتي أثارت العالم في مجالات العلوم الإنسانية في وقت كان العالم غرباً وشرقاً يعيش في ظلام دامس.
وعندما ضعفت وأضعفت نفسها وتوالت عليها الحروب والغزوات والهيمنة المطلقة للقوى الأجنبية الغازية منذ سقوط الخلافة العباسية مروراً بالغزوات الصليبية والاستعمارية حتى انتصار ثورة شعب مصر عبدالناصر التي هبت رياحها على العديد من البلدان والشعوب العربية في التحرر من الاستعمار والتخلف وأنظمة عصور القرون الوسطى، وهي الثورة وشعبها وقائدها التي تكالبت عليها الأعداء من كل حدب وصوب القدامى منهم والجدد ومنهم أصحاب الكراسي والعروش في المنطقة العربية الذين سخروا الثروات بالتعاون مع القوى الاستعمارية للقضاء على عبدالناصر وثورة عبدالناصر، وكان لهم ما أرادوا في عهد القائد المؤمن الرئيس أنور السادات الذي أوصلها ضحية وقرباناً أمام عتبات الكنست الإسرائيلي وتحت أقدام مناحيم بيجن الشريك الإستراتيجي في السلام الإستراتيجي مع فرعون مصر القرن العشرين السيد أنور السادات الذين عقدا مع بعضهما معاهدة الخضوع والخنوع، معاهدة الاستسلام في كامب ديفيد.
تلك المعاهدة السيئة الصيت والسمعة أدت إلى انهيار قاهرة المعز وسقوطها من جديد في أحضان القوى الاستعمارية بزعامة أمبراطورية الشر التي يهمن ويتحكم في سياساتها وقراراتها اللوبي الصهيوني وكيانه الغاصب وقادته من أحفاد قتلة الأنبياء في فلسطين وبهذا السقوط والانهيار انهارت أمة بأكملها والتي أصبحت بلدانها وشعوبها وحكوماتها عبارة عن أحجار على رقعة الشطرنك، ويخطئ اليوم من يعتقد بأن هناك دولة عربية واحدة لها سيادتها واستقلالها وقرارتها السيادية عدا بعض الأضواء الخافتة التي يمكن مشاهدتها في آخر النفق المظلم يمكن أن يعيد للأمة سيادتها واستقلالها.
كنت كغيري من الفخورين والمعجبين بالسيد عمرو موسى، وكان يحدونا جميعاً الأمل بأن يكون رجل ومستقبل الأمة المنتظر عندما كان وزيراً لخارجية مصر، وعندما تم اختياره أميناً عاماً للجامعة العربية شعرت بأن هناك مؤامرة اشتركت فيها قوى محلية عربية ودولية قررت إزاحة ذلك الرجل عن موقعه وتهميشه في مقر سلة المهملات المملوءة بمخلفات النظام العربي الرسمي "جامعة الدويلات العربية" والتي تنبعث من داخلها الروائح الكريهة التي سقط تحت تأثيرها عمر موسى أرضاً مغمى عليه، وما إن عاد إليه وعيه حتى وجد نفسه وقد تشبع بموادها ومكوناتها الكيميائية.
وكان آخر موقف إيجابي له بعد ذلك أثناء الإعداد والتحضير لغزو العراق واحتلاله وإسقاط حكومته ودولة صدام حسين، فما كان من عمرو موسى آنذاك إلا إن أعلنها صراحة في قمة شرم الشيخ بالقول "إن أي اعتداء على العراق هو اعتداء على الأمة العربية بأجمعها"، فهللت وكبرت مع المهللين والمكبرين وبأنه يوجد في هذه الأمة من يقول للغزاة لا، ولم أتمالك نفسي من الفرحة فسارعت إلى كتابة مقالاً يشيد ويتحدث عن صفات ومناقب عمرو موسى ومن شاركه القول في تلك القمة التي سبقت الغزو الاستعماري أبريل 2003م ولم أفكر بأن الغزو والحرب العدوانية واحتلال العراق سوف يتم، وإن أول الزائرين من الزعامات العربية وممثلاً عن وكر الخيانة والتآمر والدعارة السياسية هو عمر وموسى الذي فتح الأبواب لتطبيع العلاقات مع الغزاة المحتلين للعراق من جهة وتلك الزعامات الخائفة المرتجفة من جهة أخرى.
فحزنت وتألمت كثيراً وتأسفت على كل ما كتبته في حق عمرو وموسى من مناقب وأعمال وصفات حميدة ومن آمال وتوقعات المستقبل، وقد تأكد لي أن سقطته الأولى كانت لحظة دخوله عرين الوحوش وكانت لها آثار سلبية على كافة المستويات خاصة بعد أن توالت سقطاته في أكثر من مكان في العراق، والكويت، وفلسطين، وفي غزة أثناء العدوان الأخير، وفي الدوحة التي ناقشت ذلك العدوان وقد ظهر في حالة من الغضب والهيجان والعصبية ويتوعد بأن لديه شيء سوف يقوله ويعبر عنه لاحقاً وكأن ذلك سيكون عبارة عن مفاجأة سوف يقدم عليها على الطريقة العربية في المكان والزمان المناسبين ولم يحدث شيئاً من ذلك القبيل، بل إن ما قاله عبارة مسرحية من مسرحياته الهزلية المضحكة التي كانت بداياتها مسرحية وقاله مهدداً أثناء قمة شرم الشيخ قبل غزو واحتلال العراق، وقد ذكرني مشهد ذلك الرجل في قمة الدوحة بأحد ملوك وأمراء النفط عندما قام بزيارة أحد ضحايا شارون من الجرحى الذين دخلوا مستشفيات بلاده بعد إعادة احتلال الضفة والقطاع ومحاصرة السيد ياسر عرفات التي جاءت رداً على مبادرة قمة بيروت العربية كان المريض طفلاً فوقف إلى جانب سريره وانحنى وهو يذرف دموع التماسيح، ذلك الزعيم الأسطوري الذي كان أول المتآمرين على العراق وعلى المقاومة اللبنانية أثناء حرب 2006 بين المقاومة والكيان الصهيوني وهو المتآمر الأول ضد المقاومة الفلسطينية وحركة حماس أثناء الحرب الأخيرة على قطاع غزة، لم تنتهي سقطات ممثل الدويلات العربية عند هذا الحد، بل تواصلت وكانت آخرها سقطته المدوية والتي عرفها بالكامل أمام العرب والعالم أثناء لقاء المنتدى الاقتصادي في تركيا وكان في المنصة أمام المندوبين وإلى جانبه الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس وزراء الكيان الصهيوني شمعون بيريز لم يحتمل رئيس وزراء تركيا ما قاله بيرزي من مغالطات وأكاذيب في حق الفلسطينين فرد عليه بقوة وغادر المنصة ومر بعمر وموسى الذي مد له يده وبقى مثل الطفل في المرحلة الابتدائية واقفاً حائراً متردداً ماذا يفعل وفي حالة من الارتباك لم يجد أمامه عدى الانصياع لإشارة يد بأن كيمون تدعوه للجلوس في مقعده فقعد ذلك المشهد الذي حولت إلى قزم في عون الناس.