;

أوراق من ذگرياتي ..الحلقة التاسعة 956

2009-02-04 00:40:02

قائداً لمنطقة كحلان

باشرت عميل في قيادة منطقة كحلان عفار في 2 تشرين الأول/ أكتوبر عام 1962م، وكانت أول مهمة واجهتني هي استقبالي للأخ المرحوم الشيخ مجاهد أبو شوارب ومعه الشاعر المرحوم القاضي يحيى البشاري عامل ذيبين في حينه، وتشاء الأقدار أن يذهب الشهيد محمد مطهر إلى ذيبين يقاتل في منطقته، ومجاهد أبو شوارب مع يحيى البشاري ومعهم 70 مقاتلاً يتوجهود من ذيبين إلى حجة لمتابعة مطاردة البدر عن طريق كحلان، وهم لا يملكون شيئاً إلا بنادقهم وعتادهم. وبعد وصولهم استقبلتهم وأعطيتهم 750 ريال فرانصي، من المبالغ التي تركها محمد مطهر مصاريف لهؤلاء الأبطال المقاتلين، وسلمتها للأخوين مجاهد أبو شوارب ويحيى البشاري والزميل أحمد قرحش تحرك معهم إلى حجة لمعرفته بالمنطقة وهو من الضباط الأحرار ولديه شجاعة وقدرة على العمل الميداني، ومتحمس لمطاردة الإمام المخلوع.. ولديه خبرة ومعرفة بالمناطق في لواء حجة.

وكان الأخ أحمد عبدالرحمن قرحش مسؤولاً مالياً ولديه مبالغ متواضعة 3000 ريال تساوي ثلاثة ملايين ريال، وهي مصاريف للقوة المرابطة في كحلان للمعيشة فقط، ولم يفكر أحد بصرف يومي، وكل الأفراد والضباط يعملون من أجل قضية وطنية كبيرة هي نصرة الثورة والدفاع عن الجمهورية التي ستحقق آمالنا وأحلامنا مستقبلاً، وتساوي الجميع ضباطاً وأفراداً في المعيشة، وكان معي الأخ أحمد الوديدي وعبدالملك الطيب ومحمد أحمد الشامي وآخرون من الضباط الزملاء، وتحرك آخرون مع محمد مطهر إلى سنوان، وتوجه إلى حجة مع مجاهد أبو شوارب وجماعته- وفيهم الأخ البطل أحمد قرحش - لمطاردة البدر، وكان التركيز على هذا المحور لأهميته ، وكان تاثير الإمام على أبنائه كبيراً وواسعاً، وهي منطقة إقلاق لأي نظام.. وبالنسبة إلى خلقت لدي تجربة جديدة في مواجهة واقع عملي أتحمل فيه مسؤولية قيادة منطقة كاملة فيها إدارة وسكان، وكذلك الوحدات العسكرية المختلفة،وكنت أتوقع بعد تخرجي أن أتولى قيادة سرية، وفجأة وفي وقت قصير كانت المسؤولية الخطيرة وتجربتي في العمل الميداني جديدة، وكانت الناحية واسعة تصل حدودها إلى حجة ومسور غرباً، وبني موهب شمالاً، وجنوباً الأشمور وشرقاً جبال عيال يزيد..

ومقر القيادة في بيت الولي هو الموقع الهام الذي حاول الأعداء احتلاله في عدة محاولات، وكنت أقابل المواطنين صباحاً في مقر القيادة العسكرية في بيت الولي، وشعرت بأني أتحمل مسؤولية هي في الواقع أكبر مني ومن قدراتي وقتها ، لكن تمثلت قول الشاعر:

إذا لم يكن غير المنية مركب

فما حيلة المضطر إلا ركوبها

وكذلك قول الشاعر:

إذا لم يكن من الموت بدّ

فمن العار أن تموت جباناً

حينما يموت الإنسان لا بد أن يكون شجاعاً بدلاً من أن يموت جباناً، فقيادة سرية أو كتيبة كانت ممكنة، المهمة تعليم، وتدريب، في بداية التجربة العملية، لكن التعامل مع الناس وقيادة المحور مهمة صعبة.

ولأهمية الواجب المكلف به تمكنت من ممارسة العمل وتحمل المسؤولية، وحاولت الاستفادة من أناس عرفتهم من المشايخ ومنهم المرحوم حاتم حبيش من مشائخ عزان، كنت حريصاً على التعامل مع صغار المشائخ وعقال القرى مباشرة لأن النظام لا يمكن أن يثبت بالتلفون أو البقاء في المكتب أو في القيادة، والطريق الوحيد لتثبيت النظام الجمهوري، هو التعامل مع المواطنين، كنا نجتمع بالمشائخ الكبار، وقد أصبح لدينا قاعدة من المشائخ الصغار والعقال بالاتصال المباشر، وكنا نناقش قضاياهم ونحلها، وإن قاتلونا وتمردوا رددنا عليهم وأوقفناهم عند حدهم ، لأننا نعمل من أجل أهداف سامية نسعى لتحقيقها، ونتطلع إلى مستقبل حافل بالخير والعطاء.

غدر وخيانة

كنا في طريقنا إلى عزلة بني الطربي منتشرين ومتحفزين لأي طارئ يحدث، وما كنا نتوقعه حدث بالغدر والخيانة.

فحصل إطلاق النار علينا من مسافة بعيدة واستشهد الشيخ حاتم حبيش وهو بجانبي على بعد خطوات ، فعرفنا أن في الأمر غدراً وخيانة، وعدنا بعد ذلك بالشهيد الشيخ وشاركنا في دفنه والعزاء مع أهله وأولاده وتقديم المساعدة المالية لأسرته.

وكان من الطبيعي أن نلتزم بقول الله تعالى" ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" لكنه الواجب والحماس ، وقلة الخبرة والمعرفة بالغدر والخيانة ، والمرحوم حاتم حبيش من الناس الذين ساعدوني وعرفوني بالقبائل. وآخرون ساعدوني في بيت صوفان، وبيت العفاري، وبيت الخطيب، وبيت حميد وتعرفت على مشائخ العزل منهم : حسين وهبان ، والنقيب علي حبيش، وقائد مخارش وجميع المسؤولين في الناحية منهم: بيت المحبشي وبيت الخطيب وأسر كثيرة عرفتهم وأصبحت المعرفة صداقة وتعاوناً في خدمة الوطن، وعرفت أن الإنسان إذا كان لديه استعداد أن يقبل ويستمع ويفهم ويتفهم الناس، من الممكن أن يتطور أداؤه، وخلال شهرين وجدت نفسي منخرطاً في العمل قائداً عسكرياً وقائداً إدارياً بكل قدرة وثقة بالنفس.

كان الوضع صعباً علي في بداية تحملي للمسؤولية، لكنني تعاملت مع الواقع إلى أن وصل الأمر أني كنت أشارك في خطبة الجمعة وكانت تعد الخطبة من خطيب الجامع يكتب لي جزءاً منها، المقدمة وخاتمة الخطبة، وفي وسط الخطبة أوصل الرسالة التي أريد أن أوصلها إلى الناس في جامع كحلان الكبير.. لقد تحولت إلى خطيب جمعه وهذا التصرف أزال من أذهان الناس أنا "كفرة" وملحدون، فإذا بالناس يشاهدونني أصلي الجمعة وأخطب فيهم.. وهدفي هو إزالة ما في أذهان الناس بأننا لا نصلي وأن الجمهوريين كفرة، هذه هي مرحلة استفدت منها في تاريخ حياتي العسكرية والقيادية التي أهلتني خلال سنة كاملة لتحمل المسؤولية وبقائي في موقع لم أغادره إلى صنعاء إلا مرتين خلال العام مرابطاً في بيت الولي.

وتعلمت خلال هذه المدة أن من الناس من لا يؤمن له، ولا يصدق فاحتطنا لأنفسنا ورددنا على أعمال الغدر والخيانة والمهاجمة العسكرية المحدودة، لأن حجم القوات التي معي لا تمكنني أن أحتل عزلة كاملة، وأفشل فيها ، فكان الثبات في مواقعنا الدفاعية من قطع عزلة كاملة، وأفشل فيها، فكان الثبات في مواقعنا الدفاعية من قطع الأشمور إلى حصن جراع ، ولكي أوضح أقول : قطع الأشمور هو جزء من عزلة الأشمور وبعدها تبدأ ناحية كحلان عفار، حافظنا على هذه الأماكن بالقوات التي معنا مدافعين، ولصد الهجوم عليها ولم تكن لدينا قوة للمهاجمة، كنا أحياناً نقوم بعملية إغارة على موقع عسكري لعرض القوة، واحتللنا حصن جراع وحصن عزان المسيطر على حسن جراع ، هذا المفهوم الذي أتحدث عنه هو مفهوم قبلي ومفهوم عسكري دقيق، لأن كل عزلة لها حدودها وتلزم كل عزلة وكل قريبة بواجباتها ومهامها، وتمكنت من إقناع كل عزلة بالمحافظة على حدودها وألا تكون ضدنا.

حوصرنا أكثر من مرة

خلال السنة التي تحملت فيها قيادة محو ركحلان تعرضنا لعملية حصار أكثر من مرة عدة أسابيع، فقد مكثت من 2 تشرين الأول/ أكتوبر 1962م إلى 16 أيلول / سبتمبر 1963م مهتماً بواجباتي العسكرية والإدارية ومحاطاً بقوات ملكية، وكانت زيارتي لصنعاء محدودة لأمر هام لتسليم تقرير تفصيلي للقيادة، ولأطمئن على أسرتي وأعود في اليوم الثاني، والقوة العسكرية كانت محدودة جداً تتكون من أربعة مدافع 75، واثنين 76، ثلاثة أطقهم 7/12 وعدد من الرشاشات المتوسطة والخفيفة وقنابل يدوية، ولدينا ذخائر ما تكفينا لنقاتل عدة أيام،وعندما نحتاج لتعويض الذخيرة نطلب من القيادة وتصلنا فوراً عن طريق عمران، وأحياناً يدعمنا بثورة عاجلة بما نحتاجه الأخ عبدالله صبره قائد عمران الذي أعتز بتعاونه وتفاعله وأخوته، وبعد الحصار الأول في عام 1963م دعمنا بمجموعة سرية مشاه مصرية أسلحة معاونة، فصيلة هاون مدفعية وفصيلة B-10.

وكان يتم التواصل والتنسيق فيما بيننا مع قيادة حجة وعمران بالأجهزة اللاسلكية R105، لأن الطرق استمرت مدة طويلة مقطوعة، وخلال عام كامل، فتحت طريق حجة مرة واحدة بالتعاون مع القيادة المصرية وبقيادة العميد عمر خالد، وهو من الأبطال المصريين الذين كان لهم دور كبير في الدفاع عن حجة وغيرها ، وبجانبه القائد البطل على عبدالله السلال، الذي اشترك مع وحدات الجيش في فك الحصار، وكان الأخ علي عبدالله السلال شجاعاً مؤمناً بقضية الوطن بأكمله بفضل المربي الكبير والده المشير عبدالله السلال، الذي حصد ثمرة جهاده بتفجير ثورة26 أيلول/ سبتمبر، وأصبح قائدها وبطلها التاريخي، وللتواصل مع صنعاء كنا نستخدم اللاسلكي القديم "المورس"، كان مأمور السلك المرحوم أحمد قيس من موظفي الاتصالات، وهو يستحق من النظام الجمهوري منحه وساماً لأنه عمل بإخلاص وتفان، كان بالمورس يتواصل مع أنحاء الجمهورية، ويبلغ بالمعلومات أول بأول، بما يلتقطه من معلومات سلبية وإيجابية، ويخرجها إخراجاً بكل أمانة، ويعمل ليلاً ونهاراً في دائرته وكان يتابع الأخبار في كل الجبهات.. وينقلها بكل دقة، وينصحني إذا وجد فيما أبلغ به مبالغة أو حماساً، يقول: يستحسن غيرها، أصلحها ، وينصحني ، راجع البرقية أو غيرها، وهذه من الأشياء التي استفدت منها، وتعلمت من هذا الرجل الأناة والتحري والدقة في نقل المعلومات، ويقول : لا تقلقهم ، وفي بعض الأوقات يكون لدي قلق، وربما أبالغ لكي يهتموا بالموقف وذلك بالدعم اللازم طبقاً للموقف، ولا سيما عندما تصلني معلومات عن تحركات العدو، وأن الموقف يحتاج إى بعض الإمكانيات العسكرية ، لأن العدو يستعد لهجوم على مواقعنا، كان لدي الاستعداد أن أقبل النصيحة من الكبير والصغير، ممن لديه معرفة في قضايا الإدارة، لأن النجاح لن يتحقق ما لم يكن لدى الشخص القيادي الاستعداد لقبول النصيحة، وبالنسبة إلى التموين الغذائي فلم يكن يوجد لدينا غير الكدم والماء والقرم من الذرة والشعير التي تسلم لنا من مدافن الدولة، ويتم إعدادها من أهالي القرى المجاورة لمواقعنا بخلاف القوات المصرية التي إمدادها بالطائرات الهيلوكبتر بالتعيينات والذخائر الضرورية. وأذكر في هذا الصدد قصة محزنة، لأن الشعور لدينا بالمسؤولية الكاملة في الدفاع عن الثورة وفهمنا أن المصريين يساعدوننا ونحن نواجه المواقف القتالية ونكون في المقدمة، لأن هذه مسؤوليتنا ووطننا ، وكنا نحافظ على القوات المصرية لكي لا تتعرض لأي أذى، وعند إمداد القوات المصرية عن طريق الجو بالطائرات العمودية، كان الجنود اليمنيون يقومون بمتابعة المظلات التي تمد القوات المصرية بما تحتاجه من أكل وغذاء وعتاد وغير ذلك، وحرصاً عليهم ولكي لا يتعرضوا للمخاطر أثناء محاولاتهم جمع الإمدادات ، ولقد استشهد ثلاثة من الجنود اليمنيين الأبطال ، ضحوا بأرواحهم لكي لا يتعرض الجنود المصريون لما حدث لهم في مناطق أخرى، هذا التصرف المثالي فيه قدر عال من التضحية، لأن إيماننا بأن هذا وطننا وبلدنا ويجب أن نكون أولى بالدفاع عنه وبالتضحية في سبيله، وهذه قمة التضحية والإخلاص والولاء للثورة والنظام الجمهوري والترجمة الصادقة للأخوة اليمنية المصرية.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد