عصام المطري
كُثر في أرجاء البلاد وهم في مسيس الحاجة إلى من يكتشفهم ، ويقدمهم للرأي العام، ويعمل على صقل قدراتهم وإمكاناتهم الخلابة، ويأخذ بأيديهم إلى مدارج الكمال، ويحتضنهم ويظهرهم من أجل أن يخدموا هذا البلد المعطاء، فكثير من المبدعين، وقفت أمامهم عوائق ومعوقات أثنت عزامهم، وجعلتهم سراب في دنيا المحال، فلم يجدوا من يأخذ بأيديهم، ولم يجدوا لهم متنفساً كبيراً. إن الحديث عن الإبداع والمبدعين ، والموهبة والموهوبين حديث ذو شجون حيث نظل نراوح مكاننا من غير تحقيق أي شيء يذكر في حياتنا العامة، فلا نحن الذين أفدنا البلاد، ولا نحن الذين وفرنا على أنفسنا المشاق والمتاعب والخسائر الذاتية الشخصية ذلكم أننا ردنا السباحة عكس التيار، وهذا من المحظورات علينا في هذا الزمن الصعب الرديء الذي يدعونا إلى مضاعفة الجهود من دون فائدة تذكر.
والحقيقة التي لا تخطئها ملاحظة الحصيف هي أن الإبداع نوع من أنواع الرقي البشري، فهو مفخرة للمبدعين، وسجل ناصع لإسهاماتهم وإبداعاتهم ، فالمبدعون في الجمهورية اليمنية كُثر، واحتياجاتهم ومطالبهم هي أيضاً كثيرة، فمنهم من يتأزم لعدم معرفته أو قل لعدم مقدرته على طبع ديوان من الشعر، ومنهم من يتوجع لأن وزارة الإعلام لم تعطه تصريحاً لإصدار كتابه ونشره على العامة والملأ.
ولن نخالف عين الحقيقة إن قلنا بأن الإبداع عالةً على صاحبه، وعبء كبير على الموهوبين والمبدعين حيث شحة الإمكانات، وندرة القدرات المالية وقلة ما في اليد، ولا سامح الله الفلوس التي تُغري النفوس. . المهم إن الإبداع حركة نفسية متألقة، ينجذب إليها المبدع رغم الأعباء والمشاق والعوائق والمعوقات، ورغم المصاعب والصعوبات التي يمكن أن يتحملها الجسم العليل السقيم.
ففي حديث عن الإبداع والمبدعين اليوم، هناك أخُ مبدع في السلك التعليمي والتربوي آثر على نفسه إلا الحضور اليوم في هذا العمود إنه الأخ المبدع الأستاذ/ خالد مصلح العماري مدير عام مركز التوثيق التربوي بديوان عام وزارة التربية والتعليم الذي إمتهن تأليف الكتب، فقد ألف كتاباً سابقاً واليوم يؤلف كتاباً جداً ممتاز عن التنظيم الإداري لوزارة التربية والتعليم في اليمن.
إن الكتاب الشيق الذي وضع بين يدي حري وممكن بالتعريف هنا في هذه العجالة الخاطفة حيث يحوي المؤلف على أربعة فصول الفصل الأول منها يتحدث عن النظام التربوي والإداري في الجمهورية العربية اليمنية سابقاً وهو نبذة تاريخية موثقة في غاية الأهمية للتطور الحادث في التعليم.
فيتكلم في الفصل الأول هذا عن التعليم في اليمن في المساجد، والمدرسة العلمية ومناهجها، ومدارس الأيتام، والتعليم في عهد الأتراك، والتعليم في عهد الإمام يحيى حيث أعجبني أنصافه، ووضعه للنقاط فوق الحروف، فهو مجهود طيب يحسب للأخ/ خالد مصلح العماري مدير عام مركز التوثيق التربوية، هذا المركز الذي يعد فكرته وأسس وأنشأ حديثاً ، فهو من القيادات التربوي النشطة.
أما الفصل الثاني من الكتاب فهو بعنوان التنظيم الإداري للوزارة في الجمهورية العربية اليمنية سابقاً حيث يقف عند أهم أنواع التنظيمات الإدارية، ويحلل النظم الإدارية المتعاقبة على الجمهورية العربية اليمنية، فثمة محور عن الإدارة في عصر المملكة المتوكلية، والإدارة بعد الثورة ، والروتين المصري القاتل الذي حرمنا من الأبداع الإداري لسنوات طوال هن عجاف وأخرى يابسات، وأرى أن الأخ / خالد قد وقف ثم تكلم في الفصل الثالث عن التنظيم الإداري للوزارة فيما كان يسمى ب"جمهورية اليمن الديمقراطية" سابقاً حيث ناقش محور التعليم في ظل الاستعمار ، ومحاور عديدة شيقة في هذا الأصدار المتواضع الذي هو إضافة طيبة وكبيرة للحركة التعليمية والتربوية في البلاد ، فحقيقة إن هذا الإصدار يضع الأخ / خالد مصلح العماري أمام معانقة الإبداع والتألق في المجال التعليمي والتربوي.
أما الفصل الرابع فيناقش فيه التنظيم الإداري للوزارة في الجمهورية اليمنية من عام 1990م. إلى عام 2009م حيث يذكر تطور النظام التعليمي التربوي ، ووبسرعة فائقة، وعدم تمكنا من تجاوز الروتين المصري في عالم الإدارة ، وهذا يمكن بأن تقوم للتنظير في هذا المجال الحيوي الهام ، فمشكلة الإدارة في اليمن أنها محاكية مقلده عبثت بأنواع التطوير الإداري الملحوظ في السنوات الأخيرة.
وعلى كل حال نبارك للأستاذ/ خالد العماري على هذا الإصدار الرائع، وندعوه إلى تبني إصدارات جديدة حافلة بالنشاط، مثل التأليف في مجال الأنشطة المدرسية، وأزمة المناهج والمقررات الدراسية ، ومشكلات المعلمين والمعلمات، ومشكلات التطوير التربوي والتعليمي الذي لم ير النور مجدداً نتيجة للصراع بين القيادات التربوية والتعليمية.