حمير منصور محمد علايه
شكراً لك أيها الطيب أردوغان.. شكراً لوقفتك الشجاعة في وجوه القتلة والمجرمين والسفاحين.
شكراً لأنك لم تصمت لحظة كانت الحرب الهمجية تشن على غزة في فلسطين من قبل الكيان الصهيوني اللقيط كما صمت عنها من هم على مثل كرسيك في الوطن العربي والإسلامي والعالم كله سوى شافيز ولحظة كان المجرمون يصوغون عبارات الاستعطاف ويمارسون سياسات التزوير لإيهام العالم بأن ما فعلوه في غزة ليس سوى دفاع عن النفس، ولتبرير ما ارتكبوه من جرائم حرب ومجازر وحشية في حق أطفال ونساء وأبرياء غزة.
شكراً لدموعك وهي تنساب من عينيك على الجرحى الفلسطينيين، لحظة رأيت أجسادهم المحروقة وأعضاءهم الممزقة تتلقى العلاج في مستشفيات بلدك وتحت رعاية أطبائك.
شكراً لقلبك الشجاع لحظة نبض بدماء أطفال غزة، ولضميرك الحي الذي لم يستعذب الموت لأطفال غزة، كما استعذبته بعض الضمائر الخائنة والميتة، لحظة كان الموت هناك بالمجان.
شكراً لصوتك.. صوت الحق والضمير والإنسانية، لحظة كان يعدو أصحاب دعاة الحرب ومدافعها وأصوات الكذب والنفاق السياسي المقيت، وأصوات الدفاع عما ترتكبه إسرائيل في شعب غزة من حرب إبادة، ولحظة كان صوتك بنبرته الصادقة والجهورية يقطع أصوات التصفيق لشائعات "بيريز" وتبريراته قتل الأطفال والمدنيين في حرب ظالمة ومدمرة أحرقت الأرض والإنسان: من المحزن جداً أن يصفق أشخاص لموت الكثيرين، واعتقد أنهم مخطئون في التصفيق لأعمال قتلت أشخاصاً، وكم كبرت في أعيننا وهزت كلماتك أعماقنا وأنت تغادر قاعة مؤتمر "دافوس" واعد بأنك لن تعود إليه مرة أخرى، ومرافقاً بتصفيق شديد ومدو كصوت المدافع عن جثث أطفال غزة عمن أحرقها، فيم كان شعبك يصفق لك ويهتف باسمك في تركيا وينتظر عودتك، وقد خرج إلى الشوارع ليستقبلك استقبال الأبطال الفاتحين.
ولقد سمع صوتك أطفال غزة وسمعه العالم كله، أما نحن العرب فعذراً إن لم نسمع صوتك واضحاً برغم وضوحه، أو عاد إليك بعض صدى محزناً، فلربما ارتطم بجدران عالية من الفصل والبعد والقطيعة فيما بيننا أقامها الاستعمار الغربي بعد أن ترك أجدادك العثمانيون بلادنا بسبب رغبتنا في ذلك.
شكراً لك يا ابن القسطنطينية وحفيد فاتحها العظيم جدك محمد الفاتح لحظة أعدت لها مكانتها وأعدت فتح "الباب العالي" لمن أراد أن يعيش عالياً وحراً، في زمن الذلة والهزيمة والانكسار.
شكراً لك يا حفيد رجال الدولة العثمانية وسليل جدك عبدالحميد، لحظة صرخت في وجه الظلم والاحتلال، وخاطبت اليهود الجبناء بقولك: إن ما تفعلونه هو بقعة سوداء في تأريخكم، لقد آويناكم حينما كنتم مضطهدين من قبل النازية، أنا أخاطبكم بصفتي حفيداً لرجال الدولة العثمانية، وليس رئيساً لأي دولة، ولقد فهموا الرسالة جيداً، وادركوا ما صرحت به وكنيت عنه من تذكيرهم بتاريخهم الأسود وبما قدمتم لهم من إيواء وما من من محرقة النازية التي لم يكن أطفال غزة ونساؤها شركاء فيها حتى يعاقبوا بمحرقة أبشع منها وتذكيرهم بنواياهم الخبيثة ونفوسهم اللئيمة التي قادتهم إلى إيذاء الخلافة العثمانية في اسطنبول والسعي إلى إسقاطها عبر "الاتحاد والترقي" و"الفتاة" حقداً على الخلافة الإسلامية وعلى عبدالحميد الذي رفض تسليمهم فلسطين أو جزءاً منها.
إنه التاريخ الذي ليس من السهل طي صفحاته، أو تناسي أحداثه، وعليهم أن يعلموا أن عبدالحميد لا يزال حياً بمبادئه التي ورثها لأحفاده الذين عادوا اليوم أقوياء كجدهم لن يتخلوا عن أرض وشعب فلسطين فنعم الحفيد الوفي أنت يا أردوغان.
شكراً لك يا أردوغان لأنك لقنتنا نحن العرب ولا سيما حكامنا درساً بليغاً ورائعاً في العزة بالنفس والعيش بكرامة والتحرر من سلطة التبعية العمياء والخوف من المجهول وأن القائد قوي بإيمانه وبشعبه واحترام أمته وحضارته، وأن من لا أصل له لا فرع له، والتاريخ لا يرحم أحداً، ولأنك أعطيتنا أيضاً درساً جديداً آخر في التاريخ، فلقد درسنا في مراحل دراستنا الأولى أن وجود العثمانيين في بلادنا العربية لم يكن إلا احتلالاً، وليس فتحاً، هكذا قالوا لنا صغاراً لكننا لم نعرف سبب ذلك "الاحتلال" ولم يخبرونا بأنه كان بسبب النفط فآنذاك لم يكن لدينا نفط وثروات!! ولما كبرنا عرفنا عبدالحميد وموقفه التاريخي من فلسطين الذي لا ينسى، وعرفناك أنت الآن، بينما كان أولئك الذين أغراهم الإنجليز بالسلطة والمال ليقوموا بما سموه "ثورة على الأتراك" في نفس الوقت الذي كانت بلادهم العربية تقسم كمستعمرات بين الدول الاستعمارية الغربية، أحفاد أولئك اليوم يباركون احتلال فلسطين، بل ويتواطؤون مع مغتصبيها على قتل أطفالها وانتهاك مقدساتها فما أشبه الليلة بالبارحة!
شكراً لك لأنك أعدت كتابة فصل مؤلم من فصول تأريخنا الماضي كاد أن يغيب عن الأذهان، وكتبت فصلاً جديداً من فصول حاضرنا العربي المرير.
شكراً لك أولاً وأخيراً، وشكراً لشعبك الحي العظيم الذي خرج معك لأجل غزة وصمود غزة، وليسمع العالم صوته الرافض لإسرائيل، وما ترتكبه من جرائم حرب يجب أن يحاكم مرتكبوها، منذ اليوم الأول للحرب وأنت تستنكر وتندد وتهاجم وتدعو وتكشف وتعري ووليت وجهك شطر العرب تبحث عن السند العربي لموقفك وموقف شعبك وذهبت إلى مصر لكن أحفاد صلاح الدين لم يكونوا هناك، فصلاح الدين لم يكن من مصر بل أتى به أبوه إليها من مسقط رأسه تكريت العراق "رحم الله العراق"!
إن التاريخ لن ينساك يا أردوغان وسيذكرك زعيماً كبيراً وقائداً إنساناً وحراً رفض السكوت المفروض والتزوير المرفوض وكشف عن وجوه مقنعة ونفوس حاقدة وتواقة إلى سفك الدماء وقتل الأطفال والأبرياء، لن يكون لك أصحابها وداً أبداً بعد اليوم.
سيحفر التاريخ اسمك في ذاكرة الأجيال من غزة إلى اسطنبول، وسيظل نهر البسفور متدفقاً بالحرية والحياة، يحكي حضارة عريقة وسامقة سموق المآذن من حوله، وعبقة كعبق الذهب الذي آن له أن يخرج من قرنه الآن.