محمد مسعد الحابشي
الإمام اللبيب والخطيب الفطن هو الذي يتمكن من إيصال الفكرة ومبادئ الإسلام السامية وروحه المثالية وتعاليمه الربانية إلى كل من يخاطبهم في رحاب المسجد بصوته المجرد أو بعمل سماعات داخلية إن كان المسجد واسع وبأسلوبه السلس الجذاب الذي يأخذ بالعقول والألباب بعيداً عن الغلو والتطرف، فالدين يسر قالرسول الله صلى الله عليه وسلم: "بشروا ولا تنفروا، ويسروا ولا تعسروا"، وقال أيضاً: "هلك المتنطعون"، والمتنطعون هم المتشددون في الدين، فالذين تخاطبهم في المسجد هم أرباب الأسر ورعاتها إذا استلهموا منك روح العقيدة الصافية واستيقنتها قلوبهم نقلوها إلى بيوتهم وإلى كل من يخالطهم بسهولة ويسر لأنها خرجت من القلب إلى القلب، وهذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم وما كان عليه الصحابة والتابعين فنشروا الدين وتعاليمه السامية في أقطار الأرض بالكلمة الطيبة والتعامل الحسن والسلوك القويم لا بالمكرفونات أو الضجيج والصياح والنهيق والنباح إذا فشلت في إيصال الفكرة إلى من تخاطبهم مباشرة في رحاب المسجد، فلا جدوى من إيصالها بالمكرفون إلى رواد الشوارع والأسواق والبيوت فكلهم مشغولون عنك بمشاغلهم الدنيوية وأمورهم وحوائجهم الخاصة والعامة ويكون فعلك معهم وتصرفك هذا عبث ومصدر إزعاج وإقلاق السكينة العامة وبذلك تكون أنت محل سخريتهم واحتقارهم لأنك لم تراعي مشاعرهم، وما زاد عن حده انقلب إلى ضده، والصوت المرتفع يصدر من نفسيات مريضة وقلوب معقدة وسلوكيات منحرفة وعدوانية تتخذ من الدين وسيلة لإبراز ذاتها نتيجة للشعور بالنقص، واعلم أن تصرفك هذا يعد ضرباً من النفاق لا يسمن ولا يغني من جوع، وضره أكثر من نفعه أن كان هناك نفع، فالرسول صلى الله عليه وسلم ينهانا عن رفع أصواتنا في الصلاة وفي غير الصلاة وأن يكون بالحد المعقول وذلك بالصوت العادي المجرد، فكيف برفع الصلاة وغيرها بالميكرفون اليوم وماذا كان سيقول عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ نعم كيف بك إذا وقفت بين يدي حاكم "مسؤول" مخلوق مثلك لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً أنك ستخاطبه بأدب واحترام وتذلل ولا ترفع صوتك في مجلسه أو مكتبه بلا شك، فكيف بك وأنت تقف بين يدي الله في الصلاة وفي بيت الله ترفع الصلاة وغيرها بالميكرفون والله أحق أن تخشوه وتتقوه أن كنتم تعقلون، والله سبحانه وتعالى نهى المؤمنين عن رفع أصواتهم فوق صوت النبي قال تعالى: "لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي"، وقال تعالى: "إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى"، وقال لقمان لابنه وهو يعضه: "واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير"، والمساجد بيوت الله في الأرض والمسلم في صلاته يقف بين يدي الله فهو أحق إذاً بالخشية والخضوع والتذلل وعدم رفع الصوت إلا بالقدر المعقول "وسط" في الصلاة وغيرها طاعة لله واقتداء برسول الله قال تعالى: "قل اتعلمون الله بدينكم والله يعلم ما في السماوات وما في الأرض والله بكل شيء عليم"، ورسوله الكريم يقول: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".