بقلم :د.منار الشوربجي
رغم أن كل المؤشرات تؤكد على أن أوباما بصدد تنفيذ تعهداته الانتخابية بشأن أفغانستان إلا أن الواضح بالدرجة نفسها أن هناك ارتباكا أميركيا بخصوص الرؤية الكلية والأهداف الرئيسية للولايات المتحدة هناك.
ففي أثناء الحملة الانتخابية كان أوباما قد هاجم إدارة بوش لأنها بغزوها للعراق واحتلاله قد صرفت الانتباه عن أفغانستان التي اعتبرها أوباما حجر الزاوية في «الحرب الأميركية على الإرهاب» والهدف الرئيسي لسياسته الأمنية. ومن هنا تعهد طوال الحملة بزيادة عدد القوات الأميركية في أفغانستان. وقد تعهد أوباما أيضا بقصف باكستان إذا ما ثبت أن بن لادن موجود بها بينما تعجز باكستان عن ملاحقته.
بعبارة أخرى، كان من الواضح منذ البداية أن أوباما يرفض حرب العراق تحديدا ولا يرفض الطابع الإمبراطوري لسياسة بلاده الخارجية ولا يمانع حتى من قصف بلاده لدولة ذات سيادة مثل باكستان يفترض أنها حليف قوى للولايات المتحدة.
وبالفعل بعد أن تولى أوباما الرئاسة، استمرت الضربات الجوية الأميركية على باكستان وبدأ الرئيس بالفعل في عقد اجتماعات جدية مع فريق الأمن القومي استعدادا لإرسال قوات إضافية لأفغانستان ذكرت التقارير أنها قد تصل إلى 30 ألف جندي.
لكن الواضح أن إدارة أوباما لم تحدد بعد أهدافها من وراء تلك الزيادة في القوات بل ولم تستقر بعد على الهدف الاستراتيجي الأكبر الذي تسعى له في أفغانستان. وهى مسألة بالغة الخطورة لأنها تشبه إلى حد كبير ميل الإدارة السابقة للقصف العسكري أولا ثم التفكير في تكييفه لاحقا! . فعلى سبيل المثال نقل الإعلام أن أوباما في إحدى لقاءاته مع هيئة الأركان سأل حول الهدف النهائي الذي تبغاه بلاده من وجودها في أفغانستان والذي إذا ما تحقق تعتبر نفسها قد انتصرت فما كان من أحد الجنرالات إلا أن أجاب مصارحا الرئيس بأننا «لا نعرف»!
وقد تواترت أيضا تقارير أخرى متضاربة تناقلتها وسائل الإعلام المختلفة. من ذلك مثلا أن إرسال قوات إضافية هدفه كسب الوقت في أفغانستان والحد من تدهور أوضاعها إلى أن تستقر الإدارة على ما تريد أن تفعله هناك. هذا في حين نقلت تقارير أخرى ما يشير إلى أن هناك عددا من رموز الإدارة الجديدة يدركون أن الحل في أفغانستان حل سياسي لا عسكري وعلى ذلك فإن الهدف من زيادة القوات هو دفع الأطراف الأفغانية المختلفة دفعا بما فيها بالمناسبة «عقلاء طالبان» إلى مائدة المفاوضات. . هذا بينما أشارت تقارير أخرى إلى أن رموزا في الإدارة تؤمن بأن الحل في أفغانستان أكثر تعقيدا من ذلك حيث ينبغي أن يتضمن وضع حد للفساد الحكومي ووضع حد لتجارة المخدرات ومساعدة الأفغان على إقامة دولة حديثة وهو الأمر الذي يشبه إلى حد كبير مهام «بناء الدولة» التي ثبت أن القوات العسكرية الأميركية لا تجيد القيام بها. . وكما توضح تلك التقارير المتضاربة فإن هناك ارتباكا بشأن الإجابة عن الأسئلة المحورية الكبرى. ويكشف هذا الارتباك في جوهره عن أن بعض رموز إدارة أوباما على الأقل لم تستوعب الدروس المستفادة مما جرى في عهد بوش. فلعل أهم تلك الدروس هو ذلك المتعلق بحدود قدرة القوة العسكرية. فالمحافظون الجدد زعموا أن «الصدمة والرعب» كافية لتركيع الأعداء وردع الخصوم وضمان ولاء الحلفاء.
لكن ثبت خلال الأعوام الثمانية الماضية أن استخدام القوة الغاشمة أدى لمزيد من العنف وساعد على تقوية شوكة طالبان في أفغانستان وباكستان بل وأدى إلى فقدان أميركا لهيبتها وسمعتها حول العالم. ومن هنا، فإن لجوء إدارة أوباما لزيادة القوة العسكرية في أفغانستان يطرح تساؤلات حول مدى استيعاب ذلك الدرس المهم.
ولا يقل أهمية عن ذلك درس آخر يتعلق بالتحول السريع في معطيات الواقع العالمي والمعادلة الدولية على نحو لا يسير في الواقع في صالح الولايات المتحدة. فقد اعترفت تقارير استخباراتية أميركية مؤخرا بأن أميركا وإن كانت ستظل دولة عظمى إلا أنها لن تكون الدولة المهيمنة في النظام العالمي في العقود القادمة حيث ستزاحمها في ذلك قوى أخرى.
وفيما يخص أفغانستان تحديدا، من الواضح أن روسيا مستعدة للى ذراع أميركا هناك. فهي تعتبر أفغانستان ورقة مهمة يمكن استخدامها لتحقيق أهداف عدة في العلاقة مع الولايات المتحدة. فليس خافيا أن العلاقة بين روسيا وأميركا تشهد منذ عام على الأقل برودا وصل إلى حد التراشق اللفظي العلني في مؤتمر الأمن الدولي العام الماضي وانتقل إلى مستويات أسوأ بكثير أثناء أزمة جورجيا.
وتهدف روسيا لاستخدام أفغانستان كورقة لانتزاع مواقف أميركية مثل قرار واضح بالتخلي عن نشر نظام الدفاع الصاروخي في بولندا وجمهورية التشيك ودفع أميركا للاعتراف بالنفوذ الروسي واحترامه في آسيا الوسطى، وهى كلها مواقف رفضها بالمناسبة جو بايدن في خطابه الذي ألقاه منذ أيام في مؤتمر الأمن الدولي.