شكري عبدالغني الزعيتري
في هذه الحلقة نواصل الكتابة بالقول : بأنه اقر ذوو الاختصاص من العلماء والأطباء بحدوث آثار صحية ناجمة عن التعرض الإشعاعي الداخلي بدخول مادة مشعة إلى داخل جسم الإنسان عن طريق تلوث المياه أو الغذاء أو استنشاق غازات أو أتربة إشعاعية ويتوقف احتمال حدوث تلك الآثار الصحية على كمية المواد المشعة التي دخلت الجسم ونوعيتها ونوع وكمية الطاقة الإشعاعية التي امتصت في الأنسجة نتيجة تواجد هذه المواد المشعة والذي يؤدى إلي احتمالية وجود الآثار الصحية الناجمة عن دخول مواد مشعة داخل جسم الإنسان. إذ أن الإشعاع بصورتيه الجسيمية (ألفا وبيتا ) والموجبة (غاما واكس ) يملك نمطا واحدا من التأثير في المادة الحية هو (التشرد ) الذي يمكن تبسيطه أيضا علي النحو التالي : بافتراض قيام حزمة إشعاعية عالية الطاقة مثل أشعة ألفا مثلا باختراق خلية حية لجسم الإنسان فان ذلك يقود إلي تخريب مكونات الخلية خلال مسار عبور الإشعاع فجزئ الماء في الخلية وبخلايا جسم الإنسان وهو المكون الرئيسي للخلية الحية حين يزوره جسيم ألفا (موجب الشحنة ) يقوم جسيم ألفا بسلب إلكترون (سالب الشحنة ) منه مشكلا شاردا موجبا سرعان ما يختل وضع اتزانه مع ما يجاوره ويمكن أن يحدث نفس الشئ لجزئ الحمض النووي (dna ) المتواجد في الخلية الحية لجسم الإنسان والذي هو من مركبات الخلايا لجسم الإنسان أو للمورثات الحيوية إذ تتفكك أو تشوه ليعاد توالدها بصورة هجينة في الأجيال اللاحقة ويجدر الإشارة إلي أن جزئيات الحمض النووي (dna ) المتكسرة أو المشوهة بالإشعاع (الجسيمي أو الموحي ) يمكن أن تبعثر المورثات (الكروموزومات) في صور شاذة ما لم يقم الكائن الحي (إنسان أو حيوان ) المصاب بالإشعاع بعزل وتجاوز نتائج مثل هذا التخريب خلال وقت سريع فان جزئ الحمض النووي (dna ) يستمر في تكاثره وهكذا خلال سنوات عديدة فيولد خلايا سرطانية وأوراما قاتلة لجسم الكائن الحي (إنسان أو حيوان). إذ انه من أهم هذه الآثار المحتمل حدوثها التحول السرطاني لبعض الأنسجة التي تتواجد فيها المواد المشعة لفترات طويلة نسبيا داخل هذه الأنسجة. ومن المعروف عمليا إن احتمالية حدوث هذه الآثار المتأخرة تزداد كلما زادت كمية المواد المشعة الموجودة داخل جسم الإنسان وكلما زادت الفترة الزمنية لتواجد هذه المواد المشعة هذا الأمر يجعل موضوع التلوث الداخلي لجسم الإنسان ذا أهمية اجتماعية وبيئية وعلمية وهي الجوانب الهامة جدا في حالة حدوث تسرب إشعاعي إلى مكونات البيئة يصل إلى الإنسان عن طريق المأكل والمشرب. وأهم أسباب التلوث الإشعاعي لمكونات البيئة هو استخدام المواد المشعة في التطبيقات المختلفة وكذلك التفجيرات النووية والحوادث الإشعاعية المختلفة التي ينتج عنها تسرب إشعاعي للبيئة. . وأيضا من المشاكل الصحية الناجمة عن الإشعاع الداخلي : أثبتت البحوث الطبية الفيزيولوجية أن ردود فعل خلوية يمكن أن تنتج عن التعرض الإشعاعي الواطئ مثل الالتهابات ويلعب حامض الغشاء العنكبوتي للدماغ دورا أساسيا هنا أي الإحساس بالألم. . . ومن هنا فان من مخاطر الطاقة النووية على الإنسان هي : (1) مخاطر أشعة (بيتا ) : عند النشاط الإشعاعي ناتج التفاعل المتسلسل لنظير اليورانيوم (238) ينتج عنه أشعة بيتا يصل مدى أشعة بيتا الصادرة في الهواء عن عدد من نواتج الانشطار لذلك يتعرض كامل جسم الشخص الذي يقف على أرض ملوثة إلى جرعة من أشعة جاما والى قذف جلده بجسيمات بيتا ويعود السبب الرئيسي للحروق الناتجة عن أشعة بيتا إلى التلوث المباشر للجلد بغبار السقط الجوي. ويمكن أن يؤدي تناول الطعام والماء الملوث إلى تهديدات اشد للصحة على المدى الطويل بالرغم من أن هذه الأخطار الناتجة عن أشعة بيتا تعتبر أقل أهمية بالمقارنة مع الآثار المباشرة للانفجارات النووية فإنها تمثل جزءا من الآثار الكارثية المستمرة والتي يمكن أن تكون مميتة للحيوانات المجترة التي تتغذى على الحشائش يحدث الأذى الإشعاعي على الجلد والأعضاء المرتبطة به نتيجة التعرض لأشعة جاما أو جسيمات بيتا ولا تظهر الحروق الجلدية واضحة في حالة الأشعة العالية النفاذية إلا عند الجرعات التي مقدارها عدة غرامات. وتنتشر جسيمات بيتا طاقاتها في الجلد والنسيج تحت الجلد ملحقا بهما تلفا سطحيا كبيرا بينما يمكن لأشعة جاما ذات النفوذية الجيدة أن تعبر الجلد دون ترك أي أذى جلدي كما ويمكن للإشعاع أن يحدث حروقا جلدية تترافق مع تساقط الشعر ويظهر احمرار جلدي (حمامي) مبكر عند الجرعات ذات القيمة المتوسطة ويمكن لهذا الاحمرار أن يختفي وان يعود كاحمرار ثابت خلال أسبوعين أو ثلاثة كما يمكن لمظاهر الحروق الحرارية الناتجة عن حدوث أذى في الأنسجة تحت الجلد أن تتطور إلى حالة نخر نسيجي ويكون شفاء هذه الحروق بطيئا مؤلما ويمكن لهذا الشفاء يتناقص مع تأثير الإشعاع على كامل الجسم ويتوقف على عمليات استبدال وترميم الأنسجة المتأثرة. ويجب تركيز الانتباه على موضوع التلوث السطحي في الحالات الناجمة عن التعرض للسقط الجوي حيث يؤدي الفشل في إزالة هذا التلوث إلى حدوث الإصابات الجلدية. (2) أنماط الإصابات الإشعاعية الحادة : تنجم عن تعرض كامل الجسم للإشعاع وامتصاص جرعات عالية خلال فترة زمنية قصيرة إصابات حادة تقع في نمطين أساسيين فبعضهما يترافق مع هبوط في الأداء لا يهدد بحد ذاته الحياة بينما يسبب البعض الآخر اضطرابات فيزيولوجية ومناعية حادة يمكن علاجها. وتأثيرها يكون أما على الدم أو مسببا أمراض معدية معوية أو أمراضا في العصيات الوعائية (3) إحداث خلل في النظام الصحي للسكان في المناطق التي تعرضت للإشعاع مثل الآثار النفسية (السيكولوجية) السلبية الناجمة عن حالات الإجهاد والترقب. (4) زيادة في حالات الإصابة باللوكيميا والسرطانات الأخرى ولا يمكن استبعاد احتمال ظهور زيادة في بعض الأورام الخبيثة وتشير تقديرات جرعات الغدة الدرقية الممتصة عند الأطفال إلى احتمال ظهور زيادة في إصابات الغدة الدرقية السرطانية في المستقبل بعد كبر السن. (5) مخاطر النظائر المشعبة في الحليب : إن تلوث حليب الأبقار ببعض النظائر المشعة من نواتج الانشطار النووي ذو أهمية خاصة فيما يتعلق بصحة وسلامة الأطفال الرضع وبشكل رئيسي تصل الملوثات المشعة إلى الحليب في أعقاب التجارب النووية ففي التجارب التي أجريت في الجو خلال عامي 1961 و 1962 وجد أن معظم نواتج الانشطار النووي قد انطلقت إلى طبقات الجو العليا على شكل رذاذ ومن هنا تبدأ في الهبوط ببطء إلى طبقات الجو السفلى ثم تصل إلى سطح الأرض نتيجة غسلها بواسطة الأمطار وتقوم هذه الأمطار المشعة المتساقطة بتلوث السطوح الخارجية للنباتات والتربة. إن امتصاص أو عدم امتصاص هذه النويدات المشعة على جزيئات التربة له تأثير كبير على أمكانية وصول هذه النويدات المشعة إلى الأجزاء الخضرية للنباتات نتيجة امتصاصها من قبل الجذور ومن ثم انتقالها إلى الأبقار ومنها إلى الحليب. . . تابع بالعدد القادم غدا الحلقة الحادي عشر بعنوان( الوقاية الطبية من الإشعاعات )
Shukri -_alzoatree@yahoo. com