عودة السلال من القاهرة
أضاع اليمن فرصاً كثيرة، وجرّته الخلافات إلى مواقف كان يمكنه أن يبتعد عنها يوم الثامن من آب/أغسطس عام 1966م، وهو ذهاب الحكومة وقيادات الجيش إلى القاهرة بعد أن عاد المشير السلال إلى صنعاء بعد بقائه في القاهرة لمدة عام، وفشلت المحاولة في إنهاء الحرب وعودة المغرر بهم من الحكومة التي تولت السلطة والقرار على إنهاء الحرب وإقناع بعض الملكيين بالنظام الجمهوري وإتاحة الفرصة للحلول السياسية مع القوى الداعمة لهم.
ومن أهم الشخصيات السياسية والعسكرية زملاء ثورة 1948م، الذين طالبوا ببقاء المشير عبدالله السلال في القاهرة، ومنهم القاضي عبدالرحمن الإرياني والأستاذ أحمد محمد النعمان، والفريق حسن العمري، واللواء حمود الجائفي وآخرون من كبار الضباط والسياسيين، وأنا أتساءل اليوم هل من المنطق أن يبقى رئيس الجمهورية اليمنية في القاهرة؟ هل هذا حل سياسي؟ هل من المنطق أن نقول للمصريين يبقى رئيس الجمهورية عندكم عالجوه في مستشفى المواساة؟ هل هذا عمل سياسي؟ هل كنا بوعينا ؟ إذا حدثنا أنفسنا اليوم، وتكلمنا بلا عاطفة وبالعقل، وأمانة المسؤولية بعد أن تزاملنا عشرات السنين في مواقف وطنية وتضحيات مشتركة، وبعدها نقول لهم: خذوا رئيسنا عندكم في مصر- رئيس جمهورية!! قائد الثورة ومفجرها! الذي تحمل أعباءها بعد تفجيرها.
هذا التصرف الخاطئ الذي مارسناه واعتقدنا خطأ بأننا قادرون على تحقيق السلام، لأن المشير السلال استفز بعض المغرر بهم، وبهذا التصرف الخاطئ اعتقدنا أننا قادرون على صنع السلام، وهذا غير صحيح، أقولها اليوم وأنا أحد المساهمين في تلك الفترة، وتلك المواقف.
هذا التصرف الخاطئ من دون قصد وبحسن نية وسذاجة غير موفق، وأعترف بهذا الخطأ وأنا واحد ممن دخلوا السجن الحربي بسبب عدم معرفة العمل السياسي ، وكذلك زملائي العسكريين والمدنيين الذين يجهلون نتائج التصرفات الخاطئة.
لم تتوقف الحرب واستمرت أسوأ مما كانت عليه، واعتقادي أن بعض زعمائنا الكبار الذين ذكرتهم كان لهم طموحهم السياسي، وكان بعضهم يعتقد أنه أقدر على رئاسة الدولة من المشير عبدالله السلال، لكن تلك النظرة خاطئة، وأخفقت الآن.
والمعارك الشرسة اندلعت في غياب السلال، وحصار السبعين جرى في غيابه، وكل ما حدث من تشرين الثاني /نوفمبر عام 1967م إلى عام 1970م كان أكثر عنفاً والمعارك الكبيرة في اليمن اندلعت بعد خروجه وعودة القوات المصرية إلى مصر.
إن هذا التوتر نتيجة للتفكير الخاطئ وللرؤى السابقة الخاطئة، واعتقدنا خطأ أننا ببقاء الرئيس السلال في القاهرة قادرون على صنع السلام، لأن ثقتنا في زعمائنا وإخواننا وقادتنا الكبار الإرياني والعمري والنعمان والشيخ محمد علي عثمان وغيرهم كانت كبيرة لكن الحرب دامت والقتال استمر، ولم يتحقق السلام، وبقينا نواجه المعارك الشرسة، واستمر الدعم الخارجي بالمال والسلاح لبيت حميد الدين، ولكل المغرر بهم أعداء الثورة والجمهورية حتى عام 1970م.
لاحظنا بعد خروج المشير السلال خلافاً سياسياً صامتاً بين العمري والنعمان، وخلافاً سياسياً بين النعمان ومحمد علي عثمان رغم الاتفاق فيما بينهم على إبعاد المشير، لم يكن عند الضباط الصغار ضباط الثورة طموح، ومنهم العقيد علي سيف الخولاني وزملاؤه.. لم يكن لدينا تفكير بالاستيلاء على السلطة والوصول إلى الحكم، وبعض الزعماء الكبار لديهم رغبة في الوصول إلى قمة السلطة.. وكل هدفنا وغايتنا المحافظة على الجمهورية، وتنفيذ قرارات مؤتمر خمر التي تؤكد بناء القوات المسلحة. والزعماء السياسيون المشاركون في المؤتمر الذين تولوا التفاوض مع الدول المجاورة عبر وسطاء أو مباشرة، وبهذا التصرف الخاطئ عزلنا المصريين عن المشاركة والرئيس المشير عبدالله السلال رئيس الجمهورية تصرف بحنكة سياسية وامتص قرارات مؤتمر خمر، واستقبل العائدين من خمر، وخطب فيهم بعد استشهاد الزبيري في برط وهروب القتلة من داخل سجن مهلهل في خمر، وانتهى الأمر، وكأن شيئاً لم يكن وباستشهاد محمد محمود الزبيري انتهى مؤتمر خمر وكان الحزن هو السائد فقط.
ومن نيسان / أبريل إلى آب/ أغسطس 1966م تقريباً، اتفقنا مع القادة السياسيين على بقاء المشير عبد الله السلال في القاهرة، لأن الحرب ستنتهي بالمصالحة، لكن لم يحدث شيء فعاد المشير،ولم يتحقق السلام.
ونتيجة لذلك قررت القيادة السياسية المصرية عودته ، وله شرعية ، وكثير من المسؤولين مشاركون في الحكم معه ولم يكن وحده، طالبوا بعودته سراً وعلناً. فعاد تحت حماية القوات المصرية التي امتلكت القدرة على ردع أي تصرف يسيء إليه، ونحن في حالة طوارئ في العرضي لا حول لنا ولا قوة.. وكل ما عملناه أننا رفضنا عودته بانفعال وتوتر لا يفيد، ولم نحقق شيئاً من هذه التوتر ما عدا اعتصام الضباط و السياسيين في العرضي، وهو ما يسمى الآن مجمع الدفاع بما في ذلك سلاح المدفعية.
لقد كان هذه التصرف خطأ في حق الوطن.. ولم نفكر بالإشارة ضد المشير السلال غير الاحتجاج كتعبير عن الرفض لعودته، وتصرفنا بهذا الأسلوب يعد مخالفاً لكل الأعراف العسكرية، وخروجاً عن الشرعية ونتحمل المسؤولية، وأخيراً سلمنا بالأمر الواقع وتحول الحماس إلى هدوء ومراجعة لما حدث، وربما ندم بعضنا على ذلك الموقف.
ولم تحدث اعتقالات قبل سفرنا من صنعاء في 8آب/أغسطس 1966م مع أننا كنا نتوقع ذلك، والاعتقالات حدثت بعد سفرنا من صنعاء إلى القاهرة لعدد كبير من المؤيدين، وكذلك تم اعتقالنا في القاهرة، وهذا ما سوف أتحدث عنه فيما بعد.
عودة المشير السلال إلى الحكم واعتقال الحكومة والقيادة العسكرية في القاهرة
الذهاب إلى القاهرة
إن التطورات السياسية العسكرية أصبحت لها أبعادها وسياستها، خاصة بعد عودة المشير عبدالله السلال رئيس الجمهورية من القاهرة إلى صنعاء، وأصبح الأمر واقعاً حينما بدأ المشير يمارس سلطاته ويمارس مسؤوليته رئيساً للجمهورية. اجتمع الضباط قادة الأسلحة والوحدات العسكرية برئاسة الأخ الراحل العقيد علي سيف الخولاني رئيس الأركان، وتدارسوا الوضع بأن الاستمرار في الخلاف غير مقبول من الناحية العسكرية والسياسية، ولا بد من التشاور مع الإخوة المسؤولين في الدولة ومع رئيس الوزراء والقائد العام الفريق حسن العمري، والقاضي عبدالرحمن الإرياني، والقاضي عبدالسلام صبرة، والأستاذ أحمد محمد نعمان، والشيخ محمد علي عثمان أعضاء المجلس الجمهوري، وعدد من السياسيين والمشائخ في ذلك الوقت.
واجتمعنا في القيادة ودرسنا الوضع بأن "عودة المشير" أصبحت واقعاً، وبدأ يمارس أعماله، وهو رئيس الجمهورية ... وبدأ الناس يتجهون نحو عملهم، وعملية الانفعال والاعتصام والرفض لعودته أصبحت غير مجدية، ولا بد أن نفكر في البحث عن حل سياسي آخر، واتفقناعلى الالتقاء بالقيادة السياسية، وعدد من المشائخ نتدارس الوضع الجديد وأقر الجميع بضرورة الذهاب إلى القاهرة لعرض الموضوع على الرئيس جمال عبدالناصر والمشير عبدالحكيم عامر، لأن الحل السياسي والعسكري بيد القاهرة، ولا يجوز البقاء ونحن مختلفون مع رئيس الجمهورية لكي لا تحصل احتكاكات أو مضاعفات تسيء إلى أي طرف، لكي تبقى صورة الجمهوريين قوية متماسكة أمام أعداء الثورة، ولأننا في حالة حرب في أكثر من جبهة، ومن ثمّ فأي مضاعفات ستكون نتائجها ضارة بالجميع، على الرغم من أن الإخوة المصريين هم المسيطرون على معظم المحاور العسكرية، خاصة وأن الرئيس جمال عبدالناصر بعد مؤتمر الطائف وبعد مؤتمر جدة قد اتخذ قرار سياسة النفس الطويل، وتوزعت القوات المصرية المشتتة وتحددت مواقعها في أماكن إستراتيجية مهمة تمكنها من البقاء مدة طويلة من دون خسائر.
وكانت القوات اليمنية تقوم بواجباتها بجانب القوات المصرية، لكنها ليست بمستوى فاعلية الجيش المصري المنظم الذي كان قوامه نحو 70 ألف مقاتل مؤهلين عسكرياً، لديهم من الإمكانيات والمؤن والخبرات العسكرية الكاملة بمعرفة المناطق، ويملكون القوات الجوية، ونحن في ذلك الوقت ليس لدينا طيران، أو أسلحة توازن بالقوات المصرية.
وكان الموقف العسكري مؤمناً من القوات المصرية، ونحن معهم ، وحافظنا على الوضع العسكري والسياسي المتماسك، لكي لا تحدث أي مضاعفات بين الجمهوريين ، وتم الاتفاق على الذهاب إلى تعز للاجتماع بالقاضي عبدالرحمن الإرياني، لأنه المفكر والعقل السياسي المدبر لكل القوى الوطنية.